142

الاربعون حديثا :146

فصل: في بيان الصورة الملكوتية للعصبية

سبق في شرح بعض الاحاديث القول بان المعيار في الصور الملكوتية والبرزخية وفي يوم القيامة هو الملكات وقوتها ، وان ذلك العالم هو محل ظهور سلطان النفس الذي لا يعصي له الجسم امرا . فقد يحشر الانسان في ذلك العالم على صورة حيوان او شيطان . وقد مر بنا في الحديث في بداية المقال : «من كان في قلبه حبة من خردل من عصبية بعثه الله يوم القيامة مع اعراب الجاهلية» . ولعله اشارة الى ذلك الموضوع الذي ذكرناه .

ان الانسان الذي فيه هذه الرذيلة ، لعله عندما ينتقل الى العالم الآخر يرى نفسه من اعراب الجاهلية من دون ان يؤمن بالله تعالى ولا بالنبوة والرسالة ، ويرى انه في الصورة التي يحشر بها اولئك الاعراب ، دون ان يعلم انه كان في الدنيا يعتنق العقيدة الحقة من الايمان بالله وبرسوله وانه من امة الرسول الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم . كما جاء في الحديث عن اهل جهنم ينسون اسم رسول الله ، ولا يستطيعون ان يعرفوا انفسهم ، الا بعد ان يشاء الحق سبحانه ان ينجيهم . وبما ان هذه السجية من سجايا الشيطان ، كما ورد في بعض الاحاديث ، فلعل اعراب الجاهلية واصحاب العصبية يحشرون يوم القيامة على هيئة الشياطين .

في الكافي في الصحيح ، عن ابي عبد الله الصادق عليه السلام قال : «ان الملائكة كانوا يحسبون ان ابليس منهم وكان في علم الله انه ليس منهم فاستخرج ما في نفسه بالحمية والغضب . فقال خلقتني من نار وخلقته من طين» (1) .

فاعلم ايها العزيز ان هذه الخصلة الخبيثة ، من الشيطان ، وانها من مغالطات ذلك الملعون ومعاييره الباطلة . انه يغالط عن طريق هذا الحجاب السميك الذي يخفي عن النظر كل الحقائق ، بل يظهر كل رذائل النفس محاسن ، وجميع محاسن الآخرين رذائل ، ومعروف مصير الانسان الذي يرى جميع الاشياء على غير حقيقتها وواقعيتها .

وفضلا عن كون هذه الرذيلة هي نفسها تكون سبب هلاك الانسان ، فانها كذلك منشأ الكثير من المفاسد الاخلاقية والاعمال القبيحة التي لا يتسع المجال لذكرها .

وعليه ، اذا عرف الانسان العاقل ان هذه المفاسد ناشئة من تلك السجية الفاسدة ، واذعن للشهادة الصادقة المصدقة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واهل بيته عليهم السلام بأن هذه الرذيلة تجر الانسان الى الهلاك وتدخله النار ، فما عليه الا ان يتصدى لعلاج نفسه من هذه السجية ، وان يطهر قلبه حتى من حبة خردل منها ، حتى يكون طاهرا عند الانتقال من هذه الدنيا الاربعون حديثا :147

Page 146