Aram de Damas et Israël dans l'histoire et l'histoire biblique
آرام دمشق وإسرائيل: في التاريخ والتاريخ التوراتي
Genres
14
وسوف يطبق صارغون سياسة التهجير الجماعي - التي مارسها على نطاق محدود في حماة - على أوسع نطاق في إسرائيل، التي ما لبثت أن تلقت الضربة الآشورية الأخيرة التي أزالتها من الوجود باعتبارها كيانا سياسيا وشعبا.
في سجلات صارغون لدينا نصان قصيران يخبران عن دمار السامرة. نقرأ في الأول: «صارغون ملك آشور، فاتح السامرة وكل بيت عمري. الذي غنم أشدود وشينوختي، وأمسك الياماني في البحر كالسمك. الذي قضى على كاسكو وطابالي وخيلاكو. الذي طارد ميتا ملك موشكو. الذي قهر مصر في رفح. الذي أخذ هانو ملك غزة أسيرا. الذي أخضع الملوك السبعة بأراضي يدنانا على مسافة سبعة أيام في البحر.»
15
وهكذا لم يكتف صارغون الثاني بالاستيلاء على الثغور السورية على شاطئ المتوسط جميعها، من كيليكيا (خيلاكو) إلى غزة ورفح في الجنوب، بل عمل على بسط سلطته على الشعوب البحرية التي تتاجر مع الثغور السورية، مثل الأيونيين (= الياماني) في الجزر اليونانية، والقبارصة في يدنانا (جزيرة قبرص)، وبذلك ضمنت آشور السيطرة التامة على التجارة البحرية في حوض المتوسط. كما وجه صارغون إلى مصر ضربة أليمة في رفح التي تشكل آخر نقطة لحدودها الشمالية التقليدية، وذلك عقابا لها على تدخلها في شئون آشور، وتحريضها الدويلات الفلسطينية على العصيان.
وفي نص آخر أكثر تفصيلا لصارغون عن فتح السامرة نقرأ ما يلي: «لقد حاصرت السامرة وفتحتها وجلوت 27290 من سكانها، وجهزت من بينهم فصيلة بخمسين عربة ضممتها إلى فيلقي الملكي. أما المدينة، فقد أعدت بناءها بأفضل مما كانت عليه، وأسكنت فيها شعوبا من المناطق الأخرى التي قهرتها. ثم أقمت عليهم حاكما من ضباطي، وفرضت عليهم الجزية.»
16
وبالطبع فإن سفر الملوك الثاني يحدثنا عن دمار السامرة، ولكنه يعزو ذلك إلى الملك شلمنصر الخامس سلف صارغون الثاني. ولعل مما يلفت النظر فعلا أن معلومات محرري التوراة بخصوص آشور ودورها في أحداث النصف الأول من الألف الأول قبل الميلاد قد بقيت غامضة ومشوشة ، حتى عند هذا الوقت المتأخر من حياة مملكة إسرائيل. فصارغون الثاني بقي مجهولا لديهم تماما، ومحررو سفر الملوك الثاني لم يخصوه بخبر واحد رغم حملاته الشهيرة التي غيرت الخارطة السكانية لبلاد الشام. نقرأ في سفر الملوك الثاني الخبر التالي عن فتح السامرة: «ملك هوشع بن إيلة في السامرة على إسرائيل تسع سنين، وعمل الشر في عيني الرب، فصعد عليه شلمنصر ملك آشور فصار هوشع له عبدا ودفع له الجزية، ووجد ملك آشور في هوشع خيانة لأنه أرسل رسلا إلى سوا ملك مصر ولم يؤد جزية إلى آشور حسب كل سنة. فقبض عليه ملك آشور وأوثقه في السجن، وصعد ملك آشور على كل الأرض، وصعد إلى السامرة وحاصرها ثلاث سنين. في السنة التاسعة لهوشع أخذ ملك آشور السامرة، وسبى إسرائيل إلى آشور، وأسكنهم في حلج وخابور ونهر جوزان وفي مدن مادي» (الملوك الثاني، 17: 1-6).
وبسقوط السامرة في عام 721ق.م. انتهت مملكة إسرائيل ولم تقم لها قائمة بعد ذلك، كما اختفى الاسم «إسرائيل» وبطل استعماله، وحل محله اسم السامرة للدلالة على المقاطعة التي قامت على أراضي إسرائيل، وذلك من العصر الآشوري إلى العصر الروماني. (4) سياسة التهجير الآشورية: أساليبها وأهدافها
لم تكن عمليات التهجير المنظمة - التي نشطت فعليا في عهد تغلات فلاصر الثالث - بالأمر الثانوي في الأيديولوجية السياسية للإمبراطورية الآشورية، بل كانت عمادها الرئيسي. فلقد طالت سياسة التهجير المناطق الواقعة تحت سيطرة آشور كلها؛ من إيران والخليج العربي، صعودا إلى جبال طوروس، فهبوطا نحو الساحل الفينيقي، وصولا إلى حدود مصر، وكانت لها نتائج عميقة الأثر على التكوين السياسي والسكاني والاقتصادي للأراضي المقهورة. وقد وصلنا حتى الآن حوالي 150 نصا آشوريا تذكر عمليات ترحيل واسعة النطاق، والشعوب التي طالتها هذه العمليات، والمناطق التي تم تهجيرها إليها. وقد تبين أن الجزء الأكبر من عمليات الترحيل كان باتجاه مناطق آشور الرئيسية في مدن آشور وكالح ونينوى ودور شاروكين، أما بقية عمليات الترحيل فكانت نحو المناطق التي شغرت من سكانها نتيجة عمليات ترحيل سابقة.
Page inconnue