Aram de Damas et Israël dans l'histoire et l'histoire biblique
آرام دمشق وإسرائيل: في التاريخ والتاريخ التوراتي
Genres
لا يخرج هذان الخبران عن الخط العام الذي التزمه محررو التوراة في تقديم المعلومات التي تيسرت للمحرر من خلال رؤية أيديولوجية ساذجة لا ترى في التاريخ إلا نتاجا لتدخل القدرة الإلهية في عالم الناس، ولا تنظر إلى الأحداث في أسبابها ونتائجها، ولا تحفل بالدائرة الكبرى التي يتحرك ضمنها الحدث المنعزل الذي يجري تقديمه. فرصين ملك آرام، وفقح ملك إسرائيل ليسا إلا أداة في يد الرب أصعدهما لحصار أورشليم عقابا على خطاياها وخطايا ملكها. وملك آشور يقبل هدية آحاز ويشن حملته على دمشق بعد قبوله الرشوة من أورشليم. ولكننا إذا أردنا فهم هذين الخبرين على خلفية الأحداث الهامة في بلاد الشام في ذلك الوقت، علينا أن نبحث عن أسباب حصار أورشليم في موقفها حيال السياسة الآشورية في المنطقة، وعلاقاتها بالممالك المحلية المجاورة.
لقد اتسمت سياسة إسرائيل-السامرة حيال آشور - عقب معركة قرقرة - بالذبذبة؛ فكانت تعاضد دمشق أحيانا، وتقف على الحياد أو تعلن ولاءها لآشور وتدفع الجزية لملوكها في أحيان أخرى، وذلك حسب تقديرها للموقف السياسي العام، وتبعا للتكوين الشخصي لملوكها المتعاقبين. أما يهوذا فقد التزمت منذ قيامها موقف الممالأة لآشور والعمل على تنفيذ سياستها في سوريا الجنوبية، مستفيدة من الانهيار العام للبنى السياسية القديمة في هذه المنطقة، وسقوط الممالك السورية من حولها واحدة إثر أخرى، فانتعشت وأثرت من الدمار المنتشر من حولها. وبينما ضمت آشور معظم المناطق في سوريا وفلسطين إلى التاج الآشوري؛ بقيت يهوذا حرة مستقلة، وعبرت القرن السابع قبل الميلاد بنجاح لا تحسد عليه. من هنا، فقد عملت دمشق على إحداث تغيير جذري في هيكل السلطة السياسية في يهوذا، ووضع ملك عليها يخلع طاعة آشور ويقف إلى جانب دمشق في المعركة المقبلة، التي كانت آشور تخطط من خلالها إلى توجيه الضربة الأخيرة لمملكة دمشق، والممالك القليلة الأخرى التي بقيت حتى الآن على استقلالها. هذا، ويطلق خبر سفر إشعيا - الذي أوردناه أعلاه - على الملك البديل في يهوذا اسم ابن طبئيل دون أية تفصيلات أخرى. ومن ناحيتها، فقد كانت إسرائيل تشعر بالخطر الكبير الذي تمثله سياسة يهوذا على حدودها، واعتقدت بأن جبهة واحدة تضم دمشق وإسرائيل ويهوذا، من شأنها دفع الخطر الآشوري عن المنطقة ولو مؤقتا، بانتظار تغييرات داخلية في آشور، أو تحركات في مناطق نفوذها الشرقية والشمالية، تشغلها ردحا من الزمان.
عندما آلت أورشليم إلى السقوط بيد رصين ملك دمشق وصلته الأخبار عن عبور تغلات فلاصر الثالث نهر الفرات وتوجهه إلى سوريا الجنوبية، فتراجع عن أورشليم وعاد بسرعة إلى عاصمته استعدادا لقتال الآشوريين. وعند هذه النقطة من القصة يقفز النص التوراتي فوق الأحداث، ويظهر أن الحملة الآشورية التي قضت على دمشق هي التي أعقبت تراجع رصين عن أسوار أورشليم. أما سجلات تغلات فلاصر فتظهر بوضوح أن عامين من القتال الشديد بين دمشق وآشور قد سبقا الاستسلام الأخير لدمشق. ففي الحوليات الجغرافية المختصرة لتغلات فلاصر لدينا ثلاث حملات على سوريا الجنوبية؛
9
واحدة منها على فلسطين عام 734ق.م.، واثنتان على دمشق في عام 733ق.م. وفي عام 332ق.م. وهي الحملة التي قتل فيها رصين. خلال الحملة على فلسطين يستولي تغلات فلاصر على المناطق الشمالية من مملكة السامرة، ثم لا يتوجه لحصار العاصمة، بل يتآمر لإحداث فتنة تطيح بالملك فقح حليف دمشق. يقول تغلات فلاصر عن ذلك: «... ومن أرض عمري استوليت على ... وسقت سكانها وممتلكاتهم إلى آشور. ثم ثاروا على ملكهم بيقحا (فقح)، فجعلت عليهم المدعو أوشي (هوشع) ملكا، وتلقيت منهم جزية مقدارها 1000 وزنة من الذهب.»
10
وهنا يتقاطع الخبر التوراتي مع الخبر الآشوري، ونقرأ في سفر الملوك الثاني: «في أيام فقح ملك إسرائيل جاء تغلات فلاصر ملك آشور وأخذ عيون وآبل بيت معكة ويانوح قادش وحاصور وجلعاد والجليل وكل أرض نفتالي، وسباهم إلى آشور. وفتن هوشع بن إيلة على فقح بن رمليا، وضربه فقتله، وملك عوضا عنه» (الملوك الثاني، 15: 29-30).
إن بعض الشذرات الباقية من رقم تغلات فلاصر، إضافة إلى نص آرامي مهم من مملكة شمأل؛ تعطينا صورة عما كان يجري بين تغلات فلاصر ورصين ملك دمشق خلال هذا الهزيع الأخير من حياة مملكة دمشق المستقلة. فعلى شذرة مشوهة من أحد الرقم نقرأ بقايا نص يفيد وقوع هجوم غير ناجح على دمشق، يكتفي إثره تغلات فلاصر بتدمير عدد هائل من المدن والقرى التابعة لرصين، بينها مدينة حدرا التي يصفها النص بأنها مسقط رأس الملك رصين (رحيانو). ونرجح أن تكون حدرا هذه هي بلدة عدرا الحالية الواقعة على مسافة 25كم إلى الشمال من دمشق. يقول النص: «لقد حاصرت مدينة حدرا، بيت أسلاف رحيانو ملك إميريشو ومسقط رأسه، وفتحتها وسقت منها 800 أسير مع ممتلكاتهم غنيمة. كما سقت 750 أسيرا من مدينة كوروصا، ومن مدينة إرميا، و550 أسيرا من مدينة ميتونا غنيمة. ودمرت 591 بلدة في 16 مقاطعة من بلاد إميريشو، فتركتها كما الأنقاض بعد عاصفة الطوفان.»
11
ونستدل من هذا العدد الكبير من المدن والقرى المدمرة على أن حملة تغلات فلاصر قد طالت مملكة إميريشو الكبرى، والتي تشمل حوران والجولان والبقاع وبعض الأجزاء الشمالية من شرقي الأردن. كما يعطينا وصف الحملة الآشورية صورة عن شراسة القتال بين دمشق وآشور خلال المعارك التي ختمت قرنا ونصفا من الصراع بين هاتين القوتين العظميين في المنطقة.
Page inconnue