Aram de Damas et Israël dans l'histoire et l'histoire biblique
آرام دمشق وإسرائيل: في التاريخ والتاريخ التوراتي
Genres
وفيما يتعلق بإسرائيل، فقد قادت هذه الأوضاع الاقتصادية الجديدة إلى تسريع إيقاع الاستيطان فيها، فزاد عدد السكان، وزاد إنتاج محاصيل وصناعات التبادل النقدي، فصارت الزيوت واللحوم والخمور والأخشاب تدفع للمتاجرة بها مع فينيقيا ودمشق والبقاع على طرق التجارة التي استأنفت نشاطها. كما لجأ السكان هنا إلى استصلاح المنحدرات الهضبية وتجهيز المصاطب من أجل البستنة وزراعة الأشجار المثمرة. وأما عن مصادر سكان إسرائيل الجدد، فقد ورد إلى الهضاب المركزية، كما أوضحنا سابقا، عدد من الجماعات المختلفة المنشأ؛ فمنهم فريق من السكان المقتلعين سابقا من المناطق الزراعية السهلية، وفريق من الرعاة المحليين، وفريق من الرعاة القادمين من السهوب المجاورة للهضاب المركزية إلى الشرق والجنوب، إضافة إلى الشريحة الضئيلة الباقية في الهضاب منذ عصر البرونز الأخير. ولا شك أيضا في أن الهضاب قد استوعبت بعض الجماعات المتبقية من شعوب البحر التي ذابت في محيطها السوري الجنوبي. وقد أخذ هؤلاء المستوطنون بالتقارب والتلاحم وتكوين إثنية خاصة بهم، توضحت مع بدايات القرن التاسع قبل الميلاد. وفي هذا السياق تم بناء مدينة السامرة كعاصمة لإقليم يتجه نحو المركزية سعيا وراء تنظيم شئونه السياسية والاقتصادية التي دخلت طور النضج. ذلك أن البنى السياسية والاقتصادية البدائية السائدة لم تعد صالحة للتصرف بالأوضاع الجديدة، وتصريف المنتجات المحلية صار بحاجة إلى إدارة مركزية قادرة على ربط شبكة التجارة المحلية المتواضعة بشبكة التجارة الدولية. وهكذا، ومع بناء مدينة السامرة وقيام الأسرة الملكية الأولى فيها، دخلت إسرائيل لأول مرة عالم السياسة الدولية، ووجدت نفسها وجها لوجه أمام مدينة صور الفينيقية؛ بوابة التجارة البحرية، وأمام مملكة دمشق الآرامية؛ بوابة التجارة البرية نحو العالم المتحضر في ذلك الوقت.
يروي سفر الملوك الأول أن الملك عمري قد حكم أولا في بلدة ترصة، التي كانت عاصمته لمدة ست سنوات، ثم بنى عاصمة جديدة له أسماها السامرة وانتقل إليها: «في السنة الحادية والثلاثين لآسا ملك يهوذا، ملك عمري على إسرائيل اثنتي عشرة سنة. ملك في ترصة ست سنين، واشترى جبل السامرة من شامر بوزنتين من الفضة وبنى على الجبل، ودعا اسم المدينة التي بناها باسم شامر صاحب جبل السامرة » (الملوك الأول، 23: 16-24). وفي الحقيقة، فإن معلوماتنا التاريخية والأركيولوجية تؤيد واقعة بناء السامرة على يد الملك عمري، كما تؤيد قيام مملكة السامرة مع مطلع القرن التاسع قبل الميلاد. إن أسرة عمري ذات أساس تاريخي لا لبس فيه، إلا أننا لا نملك أي أساس تاريخي لعقد الصلة بين هذه الأسرة الملكية الأولى في إسرائيل وأولئك الملوك المفترضين للمملكة الموحدة، أو التحدث عن إسرائيل التاريخية هذه كفرع من تلك المملكة التي أثبتنا بالدليل القاطع عدم قيامها.
لقد طابق علماء الآثار بين ترصة التوراتية وموقع تل الفرح الذي يقع على بعد 10كم إلى الشمال الشرقي من شكيم (نابلس)، ووجدوا أن هذا الموقع قد هجر تماما عقب بناء السامرة. أما السامرة، فقد تم التعرف عليها في موقع تل يقع إلى الشمال الغربي من شكيم، وتبين أنها بالفعل مدينة جديدة قامت على التربة العذراء دون طبقات أركيولوجية سابقة عليها. ويشرف تلك السامرة هذا على وادي يزرعيل (مرج ابن عامر)، ويتحكم بالطريق الذي يقطع المناطق الهضبية، ويصل الطريق التجاري البحري بالمناطق الداخلية. وبذلك يكون الملك عمري قد أمن لعاصمته الجديدة الاتصال بثقافتين راقيتين مجاورتين؛ هما الثقافة الفينيقية على الساحل والثقافة الآرامية في الداخل. وقد تابع الملك آخاب بن عمري بناء المدينة بعد أبيه، وهو الذي أعطاها اللمسات الأخيرة كإحدى آيات العمارة في فلسطين. وتظهر عمارة قصور السامرة والأبنية العامة فيها تأثرا كبيرا بالعمارة الفينيقية، حتى لتبدو وكأنها نتاج فينيقي صرف، الأمر الذي يحدد البيئة الثقافية التي نشأت فيها مملكة السامرة، وروابطها الحضارية مع العالم الآرامي-الفينيقي. ومن أهم ما كشفت عنه التنقيبات في قصور السامرة مجموعة كبيرة من وحدات النحت البارز العاجي الصغيرة، المخصصة أصلا لتزيين الجدران وقطع الأثاث. بعض هذه المنحوتات وجد في الطبقة الآثارية التي شهدت التدمير الآشوري عام 721ق.م. وبعضها يعود إلى عهد آخاب وعمري. وتنتمي هذه القطع الفنية إلى المدرسة السورية في نحت العاج، ووجد أشباه لها في موقع مدينة مجدو بفلسطين أيضا، وفي عدد من المواقع الفينيقية، وفي موقع أرسلان طاش (حداتو الآرامية). كما وجد عدد كبير منها في نمرود عاصمة صارغون الثاني فاتح السامرة مخزونة في غرفة بالقصر الملكي، ويغلب الظن أن هذه القطع قد جلبت من السامرة ومن عدد آخر من المدن السورية كجزء من الأتاوى المفروضة على تلك المدن، أو في سياق النهب المنظم الذي كانت تقوم به القوات الآشورية في المناطق المقهورة.
2
كما تظهر القصور والأبنية العامة، التي شيدت في بقية مدن المملكة خلال عصر السامرة، مثل حاصور ومجدو ودان، طابعا فنيا مماثلا لطابع أبنية السامرة.
3
ومن ناحية أخرى، فإن الانتماء الثقافي السامري إلى فينيقيا يبدو واضحا من قصة زواج الملك آخاب بن عمري من ابنة الملك الفينيقي أثبعل ملك الصيدونيين، على ما يرويه سفر الملوك الأول (16: 29-31): «وملك آخاب بن عمري على إسرائيل في السامرة اثنتين وعشرين سنة. وعمل آخاب بن عمري الشر في عيني الرب أكثر من الذين قبله جميعهم ... حتى اتخذ إيزابيل ابنة أثبعل ملك الصيدونيين امرأة، وسار وعبد البعل وسجد له. وأقام مذبحا للبعل في بيت البعل الذي بناه في السامرة.» ولدينا قصة مشهورة في الأدب التوراتي عن النبي إيليا وما جرى بينه وبين أنبياء البعل الذين كانوا ينشطون تحت رعاية الملكة إيزابيل زوجة آخاب. فقد كان إيليا يدعو وحده لعبادة يهوه في إسرائيل، بينما بلغ عدد أنبياء البعل 450 نبيا، وأنبياء عشيرة 400 نبي، وهؤلاء جميعا كانوا يأكلون ويشربون على مائدة الملكة. ولكي يثبت إيليا تفوق يهوه على بعل، دعا جميع أنبياء البعل إلى مجابهة علنية أمام الشعب ليظهر لهم من هو الإله الحق. فاجتمع الفريقان على قمة جبل الكرمل، وكان على كل فريق أن يقرب ثورا فوق الحطب ثم يدعو إلهه دون أن يشعل نارا، فالإله الحق هو الذي يجيب بناره التي تشعل الحطب ويأخذ القربان إليه. دعا أنبياء البعل أولا إلههم ورقصوا وأنشدوا من الصباح إلى الظهر، ولكن إلههم لم يجبهم بشيء. وعندما جاء دور إيليا تقدم من قربانه ودعا ربه، فسقطت من السماء على الفور نار أكلت المحرقة والحطب والحجارة والتراب من حولها. «فلما رأى الشعب ذلك سقطوا على وجوههم وقالوا: الرب هو الله، الرب هو الله. فقال لهم إيليا: أمسكوا أنبياء البعل ولا يفلت منهم رجل، فأمسكوهم فنزل بهم إيليا إلى نهر قيشون وذبحهم هناك» (الملوك الأول، 18: 19-40).
ومن الشواهد التاريخية على قيام أسرة عمري في إسرائيل لدينا نص هام وجد منقوشا على حجر تذكاري أقامه ملك موآب في شرقي الأردن المدعو ميشع، تخليدا لانتصاره على الإسرائيليين، وردهم عن موآب بعد أن احتلوها فترة طويلة. والنص مكتوب بالقلم الآرامي-الفينيقي، وباللهجة الموآبية القريبة جدا من الكنعانية الفلسطينية التي تكلمت بها إسرائيل ويهوذا. وقد اكتشف الحجر التذكاري بموقع ديبان الموآبية، وهو يحتوي على 34 سطرا، معظمها في حالة سليمة. يقول النص في سطوره الأولى ما ترجمته: «أنا ميشع ملك موآب الديباني. أبي ملك على موآب ثلاثين سنة، وأنا ملكت بعد أبي، وبنيت هذا المرتفع (= مقام ديني) للإله كموش؛ لأنه أعانني على الملوك كلهم، ولأنه نصرني على أعدائي. أما عمري ملك إسرائيل، فإنه أذل موآب أياما كثيرة لأن كموش كان غاضبا على أرضه (أي أرض موآب)، ثم خلفه ابنه وقال: سأذل موآب أيضا في أيامي. ولكن كموش جعلني أراه مهزوما أمامي، وباد إسرائيل، باد إلى الأبد. لقد احتل عمري كل أرض مأدبا وأقام عليها كل أيامه وأيام ابنه أربعين سنة، ولكن كموش أرجعها في أيامي.»
4
يلي ذلك تعداد للأعمال العمرانية والإصلاحات التي قام بها الملك في بلاده. هذه الحرب الإسرائيلية الموآبية مذكورة في سفر الملوك الثاني ولكن وفق سيناريو مختلف تماما. نقرأ في الملوك الثاني (3: 4-6): «وكان ميشع صاحب مواش، فأدى لملك إسرائيل مائة ألف خروف، ومائة ألف كبش بصوفها. وعند موت آخاب عصى ملك موآب على إسرائيل. وخرج الملك يهورام (ابن آخاب) في ذلك اليوم وعد كل إسرائيل، وذهب وأرسل إلى يهوشافاط ملك يهوذا يقول: قد عصى علي ملك موآب. فهل تذهب للحرب معي؟ فقال: أصعد، مثلي مثلك، شعبي كشعبك، وخيلي كخيلك.» وفي طريقهم إلى موآب ينضم إليهم ملك آدوم، ويسير الملوك الثلاثة لقتال ميشع ، الذي ينهزم أمامهم ويتحصن داخل عاصمته. وعندما يشتد عليه الحصار يذبح ابنه البكر قربانا على سور المدينة، عند ذلك يشعر المحاصرون بالغيظ والغضب من هذه الفعلة! ويفكون الحصار عن المدينة ويعودون إلى ديارهم.
Page inconnue