Aram de Damas et Israël dans l'histoire et l'histoire biblique
آرام دمشق وإسرائيل: في التاريخ والتاريخ التوراتي
Genres
14
لقد عثر فريق زرتال على 116 قرية زراعية تعود إلى النصف الثاني من عصر البرونز الوسيط ، وعلى 39 قرية زراعية من عصر البرونز الأخير، وعلى 136 قرية زراعية من عصر الحديد الأول. أي إنه بعد الهبوط الحاد في منحنى الاستيطان خلال البرونز الأخير بسبب الجفاف العام، عاد المنحنى إلى الصعود خلال عصر الحديد الأول بعد عودة المناخ المطري، وهي الفترة المفترضة للاستيطان الإسرائيلي في الهضاب المركزية. كما تبين من تحليل المعلومات أن معظم مواقع عصر البرونز الوسيط وعصر البرونز الأخير كانت متوضعة في المناطق الأكثر خصوبة من الهضاب المركزية، مثل الأودية التي يسيل فيها ماء المطر، أما معظم مواقع عصر الحديد فكانت متوضعة في المناطق المرتفعة ذات الطبيعة الصعبة والتربة القليلة الخصوبة. وإضافة إلى ذلك، فقد لاحظ زرتال أن أولى المواقع التي ظهرت في الهضاب المركزية قد توضعت في وادي الأردن والمنحدرات الشرقية للهضاب، ومع التقدم زمنيا في عصر الحديد الأول تأخذ القرى الجديدة بالظهور أعمق فأعمق نحو الغرب، معتمدة في زراعتها على القمح والشعير. وفي آخر مراحل الاستيطان خلال القرن الحادي عشر يأخذ القرويون باستصلاح المنحدرات، وتسوية المدرجات التي تصلح لزراعة المحاصيل المتوسطية، كالكرمة والزيتون.
وبما أن المنقب زرتال يفترض مسبقا بأن القرى الجديدة في منطقة الهضاب المركزية هي قرى إسرائيلية، فإنه يفسر ظهورها أولا في المناطق الأقل خصوبة بوجود الكنعانيين في المناطق الخصيبة، وهذا ما دفع القادمين الجدد إلى الاستقرار في المناطق غير المملوكة من قبل أحد. كما أنه يفسر سبب ظهور القرى الأولى في المنحدرات الشرقية للهضاب المركزية، ثم زحفها التدريجي نحو الأعلى وصولا إلى المناطق المرتفعة، بأن القادمين الجدد قد جاءوا من المناطق الرعوية في شرقي الأردن، وبدءوا في الاستقرار التدريجي بوادي الأردن والمنحدرات الشرقية، ثم تغلغلوا نحو الداخل. كما يرى زرتال أن المجموعتين الكنعانية والإسرائيلية كانتا متعايشتين بشكل سلمي في المنطقة، وأن الكنعانيين القدماء في الأرض قد سمحوا للإسرائيليين بالاستقرار في المناطق البعيدة عنهم وبناء قراهم الجديدة، ذلك أن المناطق التي شغلها القادمون الجدد كانت عديمة المصادر المائية الطبيعية، وكان أهلها مضطرين لجلب الماء من مناطق الكنعانيين البعيدة بالاتفاق معهم. أما عن كيفية جلب هذه المياه وطريقة خزنها، فإن زرتال يعتقد بأن تلك الجرار الضخمة التي وجدت في المواقع الإسرائيلية الأولى، والتي تشكل الجزء الأكبر من المكتشفات الفخارية في هذه المواقع، قد استخدمت لهذه الغاية، ويدعم هذا الاستنتاج في رأيه أن هذا النوع من الجرار الضخمة قد بدأ بالاختفاء مع حلول عصر الحديد الثاني، وشيوع استخدام الأدوات الحديدية، من معاول وغيرها، والتي ساعدت سكان المناطق المحرومة من المياه على حفر خزانات مكشوفة واسعة في الصخر، من أجل تخزين مياه المطر في الشتاء واستخدامها في الصيف.
وقد قام المنقب كوشافي من ناحيته باختيار منطقة أفرايم التوراتية في الهضاب المركزية ، واستطاع - مع فريقه المؤلف على طريقة فريق آدام زرتال، وباستخدام التقنيات الأركيولوجية نفسها - اكتشاف مائة قرية زراعية ظهرت تدريجيا خلال عصر الحديد الأول في منطقة أفرايم.
15
وبذلك يصل عدد القرى الزراعية، التي قامت في الهضاب المركزية فيما بين 1200 و1000ق.م.، إلى 230 قرية جديدة، بعد فترة الفراغ السكاني خلال النصف الثاني من عصر البرونز الأخير. ويتفق كوشافي مع زرتال في الخطوط العامة للتفسير معتبرا أن القرى الجديدة هي قرى إسرائيلية، وأن الجماعات التي شكلتها هي جماعات رعوية زحفت تدريجيا من مناطق شرقي الأردن. غير أن الأركيولوجي الإسرائيلي المعروف
I. Finkelestein - الذي قام بتلخيص نتائج المسح الأركيولوجي للمنطقة الهضبية في فلسطين في كتاب شامل أسماه: أركيولوجيا المواقع الإسرائيلية - يرى أن المواقع الجديدة في الهضاب المركزية هي بالفعل مواقع إسرائيلية، ولكن من شكلوها لم يأتوا من خارج فلسطين بل من داخلها. فقد أدى الجفاف، الذي حل بالمنطقة خلال عصر البرونز الأخير، إلى اقتلاع شامل للسكان في منطقة الهضاب المركزية، وحولهم إلى رعاة متنقلين. وعندما عاد المناخ المطري سيرته الأولى عادت هذه الجماعات المقتلعة إلى مواطنها السابقة واستقرت فيها.
16
وبذلك يعمل فنكلشتاين على تجذير القبائل الإسرائيلية في المنطقة، ويؤكد على الطابع الإثني المستمر والمتميز لهذه الجماعات، التي شكلت إسرائيل فيما بعد.
لقد أراد أصحاب النظرية الأركيولوجية الحديثة إنقاذ ما تبقى من السمعة التاريخية للرواية التوراتية، عن طريق إثبات جوهر الرواية وإسقاط تفاصيلها جميعها، ولكن النتائج التي خرجوا بها قد دقت، وإلى الأبد، المسمار الأخير في نعش هذه الرواية بجوهرها وتفاصيلها جميعها، وقدمت لنا المادة اللازمة لكتابة تاريخ فلسطين في عصر الحديد الأول والثاني، ودراسة مسألة أصول إسرائيل بشكل علمي مستقل عن التوراة. وهذا ما قام به على أكمل وجه الباحث توماس ل. تومبسون في كتابه الصادر عام 1992 تحت عنوان
Page inconnue