Aram de Damas et Israël dans l'histoire et l'histoire biblique
آرام دمشق وإسرائيل: في التاريخ والتاريخ التوراتي
Genres
إن الدراسة النقدية المعمقة للنص التوراتي المتعلق بتقليد الفتح العسكري وتقليد الاستقرار في الأرض، تكشف لنا عن عدة مستويات زمنية جمع النص بينها. وإن أقدم هذه المستويات يربط قبائل إسرائيل جغرافيا بالمناطق الهضبية التي كانت موطنهم الرئيسي في فلسطين. وهذه القبائل لم تأخذ بالامتداد نحو المناطق السهلية والوديان الخصيبة ومناطق شرقي الأردن إلا عقب تشكيل المملكة الموحدة. ولقد ترسخت ملاحظة ميللر هذه لدى بقية الباحثين الذين أخذوا يدرسون مسألة أصول إسرائيل انطلاقا من دراسة مسألة الاستيطان في مناطق الهضاب المركزية خلال عصر الحديد الأول، أي من 1200 إلى 1000ق.م. (2)
إن القبائل التي شكلت إسرائيل هي من أصول مستقلة، وقد دخلت إلى فلسطين في أزمنة مختلفة ومتباعدة على ما يبدو. من هنا، فإنه من غير الممكن وضع تاريخ محدد لعملية التسرب إلى كنعان والاستقرار فيها، وإن كل ما سبق تشكيل المملكة الموحدة يقع خارج مجال تاريخ إسرائيل. (3)
لا نستطيع تتبع أصول وتاريخ كل قبيلة من هذه القبائل على حدة، والنص التوراتي لا يقدم لنا مساعدة تذكر في هذا المجال. من هنا، فإن البحث عن أصول إسرائيل يجب أن يبتعد عن مفهوم «كل إسرائيل»، ويركز على الدراسة الإقليمية؛ ذلك أن مفهوم «كل إسرائيل» الذي يتضمن القبائل الاثنتي عشرة على كامل مساحة فلسطين أو معظمها هو مفهوم لاحق.
22
ويلخص الآثاري فرانكن
H. J. Franken - في مساهمة له ضمن موسوعة كامبريدج للتاريخ القديم - الموقف الحالي للمعلومات الأركيولوجية بخصوص فترة الفتح الإسرائيلي والاستقرار في كنعان على الوجه التالي:
فلسطين الطبيعية، وتبدو عليها الهضاب المركزية ومرتفعات يهوذا مظللة بالخط المتصل. «إذا وضعنا النص التوراتي جانبا، فإن علم الآثار لم يتوفر لديه سبب واحد يدفعه على القول بأن القرن الثالث عشر في فلسطين قد شهد تشكل شعب جديد في فلسطين اتخذ وضعه كأمة مكتملة مع نهاية القرن الحادي عشر. إن البينة الأركيولوجية على حلول جماعة إثنية جديدة في فلسطين مفقودة بالمعنى العلمي الدقيق لهذه الكلمة. إنه لمن المتعذر على تقنيات الأركيولوجية الحالية تلمس الآثار على وصول عناصر إثنية جديدة إلى موقع ما؛ إذ لم تترك لنا هذه العناصر مخلفات مادية عند وصولها، ذات طابع ثقافي متميز بشكل واضح عن طابع الجماعة السابقة التي حلت بين ظهرانيها أو حلت محلها. وهذا ما لم نستطع التوصل إليه فيما يتعلق بالجماعات العبرية. وأما القول بأن الجماعات العبرية التي دخلت واستقرت في كنعان هي من أصل بدوي أو رعوي، وأن الجماعات البدوية لا تترك وراءها الكثير من المخلفات ذات الطابع الثقافي المتميز، فهو قول مردود؛ لأن تقنيات التنقيب الجديد صارت قادرة على تتبع تحرك الجماعات البدوية القديمة، ورصد علاقاتها وتفاعلاتها مع محيطها. ولا أدل على ذلك من النتائج القيمة التي توصلت إليها السيدة كاثلين كينيون عن جماعات الآموريين البداة في فلسطين خلال الفترة الانتقالية من عصر البرونز المبكر إلى عصر البرونز الوسيط. إن العنصر الثقافي الوحيد الذي يمكن أن نعزوه للقبائل العبرية بأي درجة من الثقة هو ديانتها المتميزة. ولكن هذا العنصر قد بقي حتى الآن غير واضح من الناحية الأركيولوجية، ولا يوجد لدينا ما يدل عليه.»
23
هذه الأفكار، التي سقتها أعلاه لبعض الباحثين، هي نموذج عن التوجهات الجديدة في البحث التاريخي الأركيولوجي، ولسوف أستعرض المزيد منها في مناقشتي الأخيرة لمسألة أصول إسرائيل. أما الآن، فإن السؤال الحيوي الذي يطرح نفسه عند هذه المرحلة من دراستنا هذه هو التالي: إذا كان بعض الباحثين يركز على المملكة الموحدة باعتبارها المنطلق التاريخي لتشكيل «كل إسرائيل»، مع نفي صفة التاريخية عن كل ما سبقها، فما هو الأساس التاريخي لهذه المملكة الموحدة ؟ وكيف ينشأ حدث تاريخي عن فضاء غير تاريخي، وبصورة مفاجئة؟ هذا ما سنتفرغ لبحثه في الفصل القادم.
الفصل الخامس
Page inconnue