Aram de Damas et Israël dans l'histoire et l'histoire biblique
آرام دمشق وإسرائيل: في التاريخ والتاريخ التوراتي
Genres
إن خلاصة الأمر، فيما يمكن للنقد النصي لقصة الخروج أن يوصلنا إليه، هو أن هذه القصة في شكلها ومضمونها هي من نوع الملاحم التي يدبجها عادة الخيال الشعبي عن البدايات التي تلامس عالم الأسطورة. ولكن بينما تنمو الملحمة الشعبية بشكل تلقائي يعبر عن شخصية الشعب وقيمه، فإن ملحمة الخروج قد جاءت كقصة ناجزة، ومؤلفة بعناية وقصد، رغم اعتمادها على عناصر ملحمية متفرقة مغرقة في القدم، ومنتزعة من سياقاتها الأصلية.
النقد التاريخي والأركيولوجي لقصة الخروج
لقد أخفقت حتى الآن كل الجهود التي بذلت من أجل إثبات تاريخية أحداث قصة الخروج، ولم يستطع المؤرخون وضع هذه الأحداث ضمن إطار تاريخي محدد. فالمصادر المصرية لا تذكر شيئا عن وجود الإسرائيليين في مصر، ولا عن خروجهم منها، سواء بالطريقة الموصوفة في التوراة أم بأية طريقة أخرى. ومن جهة أخرى، فإن النص التوراتي نفسه لا يورد أية معلومة عن الأوضاع في مصر والأحداث الجارية فيها، يمكن مقاطعتها مع ما نعرفه تاريخيا عن تلك الفترة، ولا يورد اسم شخصية مصرية معروفة لنا وموثقة تاريخيا. وفيما يتعلق بفرعون الخروج، فقد أغفل النص ذكر اسمه أو اسم أحد من حاشيته وقواده، ومعلوماتنا عن فراعنة الأسرة الثامنة عشرة والتاسعة عشرة تنفي أن يكون أحدهم قد مات غرقا. والشيء نفسه ينطبق على القسم الثاني من أحداث الخروج، الذي يفترض وقوعه في مناطق شرقي الأردن وسوريا، فلا المصادر الخارجية تؤيد الرواية التوراتية، ولا تسعفنا هذه الرواية بأية معلومة تساعدنا على تثبيت الإطار التاريخي لها. من هنا، فإن قصة الخروج من مصر تبقى معلقة في فضاء تاريخي تام، ولا يستطيع التاريخ إثبات أي جزء من أجزائها، بل إن المؤرخين الجدد يميلون إلى نفيها جملة وتفصيلا.
في ظل هذه الحقائق غير الواعدة، هل نستطيع وضع تاريخ للخروج، ولو من الناحية النظرية، اعتمادا على المادة التوراتية وحدها؟ لتحقيق هذه الغاية يمكن لنا إجراء تمرينين ذهنيين؛ فإما أن نأخذ نقطة ما في الزمن تسبق حادثة الخروج ثم نبدأ العد الزمني هبوطا إليه، أو أن نأخذ نقطة ما في الزمن تالية للخروج ثم نأخذ بالعد صعودا. ففي الحالة الأولى نستطيع جمع الفترات الزمنية لحياة الآباء إبراهيم وإسحاق ويعقوب، وهي 370 سنة (راجع التكوين، 25: 7، و35: 37، و47: 28) ثم نضيف إليها فترة العبودية في مصر، وهي 430 سنة (راجع الخروج، 12: 40-41) لنخرج بالرقم 737 سنة. ولكن هذه الطريقة غير مجدية لسببين؛ الأول هو أن النص التوراتي يعلمنا كم دام عصر الآباء، ولكنه لا يعلمنا متى ابتدأ هذا العصر. والسبب الثاني هو أن النص يناقض نفسه في أكثر من موضع حول الفترة التي قضاها الإسرائيليون في مصر، وقد تعرضنا لهذه النقطة سابقا. فإذا انتقلنا إلى العد العكسي من نقطة متقدمة في الزمن عن حادثة الخروج، بدا الأمر لنا واعدا بنتائج أفضل. ففي النص التوراتي لدينا حادثة واحدة فقط مرتبطة زمنيا بالخروج، هي حادثة بناء هيكل سليمان في أورشليم. فسفر الملوك الأول يخبرنا أن الملك سليمان قد بنى هيكل الرب بعد أربعمائة وثمانين سنة من مغادرة بني إسرائيل لمصر: «وكان في سنة الأربعمائة والثمانين لخروج بني إسرائيل من أرض مصر، في السنة الرابعة لملك سليمان على إسرائيل؛ أنه بنى البيت للرب» (الملوك، 6: 1). وبما أنه من المتفق عليه بين المؤرخين أن سليمان قد اعتلى عرش المملكة الموحدة حوالي عام 962ق.م. فإن العد الصاعد نحو الخروج يعطينا العام 1438ق.م. كتاريخ محتمل لهذه الحادثة.
غير أن مثل هذا التاريخ في أواسط القرن الخامس عشر قبل الميلاد يطرح صعوبات تاريخية يصعب حلها. ففي هذه الفترة بلغ التوسع الإمبريالي لفراعنة الأسرة الثامنة عشرة في مصر ذروته، وذلك خلال حكم الفرعون تحوتمس الثاني وابنه تحوتمس الثالث، الذي شن عدة حملات على كنعان ووصل إلى الفرات متحديا النفوذ الميتاني في تلك المنطقة. لذلك فمن غير المحتمل على الإطلاق أن يكون الخروج من مصر قد تم خلال حكم هذين العاهلين القويين، ناهيك عن مسألة دخول كنعان ، التي كانت واقعة تحت السيطرة الإمبراطورية المباشرة لمصر. وقد لاحظ بعض الباحثين
4
أن الرقم 480 - الذي وضعه المحرر التوراتي للسنوات الفاصلة بين بناء الهيكل وحادثة الخروج من مصر - ذو دلالة رمزية؛ لأنه يجعل بناء الهيكل في موقع الوسط تماما من تاريخ إسرائيل التوراتية. ذلك أن فترة 480 سنة قد انقضت أيضا بين بناء الهيكل وعودة المسبيين من بابل. يضاف إلى ذلك ما للرقم أربعين من رمزية خاصة في التقاليد التوراتية؛ فالتيه في الصحراء قد دام أربعين سنة، وحكم كل من الملك داود وسليمان قد دام أربعين سنة، وكذلك فترة حكم معظم القضاة الذين حكموا القبائل قبل المملكة الموحدة. فإذا أضفنا رمزية الرقم 40 إلى رمزية الرقم 12 (والأمثلة عليها كثيرة في التقاليد التوراتية، مثل الأسباط الاثني عشر ... إلخ) لتوصلنا أيضا إلى الرقم 480، وهو حاصل ضرب 12 جيلا ب 40 سنة، كمتوسط عمر لكل جيل. وبذلك يستبعد هذا الرقم من الحسبان كمعلومة يمكن الاعتماد عليها.
أمام هذه الظلال القاتمة التي يرميها التاريخ، والنص التوراتي نفسه، على مسألة الخروج، لم يجد المؤرخون الساعون إلى تقصي تاريخية الحدث التوراتي سوى معلومة واحدة في سفر الخروج يمكن الانطلاق منها لربط قصة الخروج بتاريخ مصر، وهي المعلومة المتعلقة بأرض رعمسيس ومدينة رعمسيس. فبنو إسرائيل قد بنوا للفرعون مدينتين، إحداهما تدعى رعمسيس (الخروج، 1: 11)، ومن هذا المكان انطلقت مسيرة الخروج: «فارتحل بنو إسرائيل من رعمسيس إلى «سكوت» ...» (الخروج، 12: 37). وبما أن الفرعون رمسيس الثاني - الذي حكم فيما بين 1290 و1224ق.م. - قد بنى بالفعل مدينة اسمها بي-رمسيس في منطقة الدلتا قرب عاصمة الرعامسة تانيس، فإن هؤلاء المؤرخين يضعون الخروج في وقت ما من بداية فترة حكم هذا الفرعون أو أواسطها. فوليم فوكسويل أولبرايت يضع الخروج في تاريخ لا يتعدى عام 1280ق.م. أي خلال السنوات الأولى لحكم رمسيس، وهي الفترة التي شهدت عددا من أحداث التمرد والعصيان على الحكم المصري في المناطق الآسيوية، الأمر الذي سهل في رأيه تنفيذ مخطط الهروب من مصر. ويقدر أولبرايت الفترة الفاصلة بين الخروج من رعمسيس في مصر واقتحام مدن كنعان بستين عاما، ويقسمها إلى المراحل التالية: (1) التجول في الصحراء. (2) التسلل التدريجي إلى مناطق فلسطين الشرقية. (3) فترة استقرار وتمازج مع الجماعات العبرانية المقيمة سابقا، وذلك تحضيرا للانقضاض الأخير على المدن الكنعانية. وهو يعتقد أن مرحلة التجول في الصحراء لم تدم أربعين سنة بل بضع سنوات فقط، بينما استغرقت المرحلتان الثانية والثالثة معظم زمن الخروج. وبذلك يكون الإسرائيليون قد أسسوا أنفسهم فعلا في أرض كنعان حوالي عام 1200ق.م. وهو تاريخ نصب الفرعون مرنفتاح الذي ورد فيه الاسم إسرائيل لأول مرة في التاريخ.
5
وقد سار معظم المؤرخين الباحثين عن تاريخية الخروج على خطى أولبرايت، مع تعديلات طفيفة. فهم يرون أن فترة الرعامسة هي الفترة الوحيدة التي بنى فيها الفراعنة المصريون لأنفسهم عاصمة في الدلتا (هذا إذا صرفنا النظر عن فترة الهكسوس المعترضة)، فقد بنى رمسيس الأول مدينة تانيس عاصمة له في الدلتا، ثم بنى رمسيس الثاني عاصمته في مكان لا يبعد كثيرا، ودعاها بي-رمسيس. وقد اشتهر رمسيس الثاني بأعمال التشييد والبناء، واستخدم في مشاريعه العمرانية الواسعة كثيرا من اليد العاملة المسخرة، التي شكل الإسرائيليون جزءا كبيرا منها. كما يرى هؤلاء - فيما تذكره الرواية التوراتية عن قرب مساكن الإسرائيليين من بلاط الفرعون، وسهولة تنقل موسى وهارون بين الشعب المسخر وبين البلاط الملكي - عوامل مرجحة في إرجاع الخروج إلى زمن الرعامسة، وعلى وجه الخصوص زمن حكم رمسيس الثاني. إلا أن معظمهم يعارض وليم فوكسويل أولبرايت في تاريخه المقترح للخروج، وهو عام 1280ق.م.، ويفضل تاريخا يقع حوالي عام 1250ق.م.، مع الأخذ بعين الاعتبار أن فترة التجول في الصحراء هي بالفعل أربعون عاما. وبذلك يتزامن دخول كنعان مع حالة الضعف التي ميزت الفترة الانتقالية بين حكم رمسيس الثاني، وحكم مرنفتاح الذي اضطرته التمردات في فلسطين إلى شن حملته المعروفة عليها.
Page inconnue