Aram de Damas et Israël dans l'histoire et l'histoire biblique
آرام دمشق وإسرائيل: في التاريخ والتاريخ التوراتي
Genres
Eissfeldt
في أطروحته الأساسية القائلة بأن المرويات التوراتية هي أحداث تاريخية من حيث الأصل، وأن باستطاعتنا الكشف عن تلك الأحداث في أشكالها التحتية الأصلية. ويقوم منهجه على إعادة تركيب نتائج الدراسات التوراتية والآثارية والتاريخية، من أجل الوصول إلى البنية التاريخية الخفية للنص التوراتي.
5
وقد بقي هذا الاتجاه سائدا حتى سبعينيات القرن العشرين، عندما صارت نتائج البحث الأثري الشامل للأرض الفلسطينية كافية، من حيث كميتها ونوعيتها، لفرش الأرضية اللازمة للانعطاف الجديد في البحث التاريخي، مما أشرنا إليه منذ قليل.
وفيما بين أقصى يمين الاتجاه المحافظ الذي يمثله أولبرايت وتلامذته، وأقصى يسار الاتجاه المتحرر؛ تتدرج مواقف بقية الباحثين. فالبعض يرفض الأساس التاريخي لأسفار موسى الخمسة (والتي تتضمن قصص الآباء من إبراهيم إلى يوسف، وقصة الخروج من مصر)، ويبحث بالمقابل عن تاريخية أحداث الرواية التوراتية، ابتداء من فترة يشوع أو فترة القضاة، عندما بدأ الإسرائيليون كمجموعة متمايزة بالاستقرار في كنعان. والبعض الآخر يرفض الأساس التاريخي لسفري يشوع والقضاة أيضا، ويبحث عن تاريخية أحداث الرواية ابتداء من تشكيل المملكة الموحدة لكل إسرائيل خلال القرن العاشر ق.م. وهناك فريق ثالث يرى أنه من غير المجدي البحث عن تاريخية الحدث التوراتي قبل القرن التاسع ق.م. عندما تبدأ أخبار إسرائيل بالظهور في سجلات آشور، وذلك لأول مرة في التاريخ. هذه المواقف المتباينة للباحثين المحدثين والمعاصرين، تعطينا فكرة واضحة عن المأزق الذي وصل إليه البحث التاريخي التوراتي.
إن أهم نتيجة يمكن أن نخرج بها من متابعة هذا الجدل الأكاديمي الدائر خلال القرن العشرين، ومن دراسة الوثائق التاريخية لثقافات الشرق القديم، ودراسة أحدث نتائج التنقيب الأثري في فلسطين؛ هي أن التقاليد التوراتية قد خلقت «إسرائيل» خاصة بها لا علاقة لها بإسرائيل التاريخية، وأن جل البحث التاريخي - الذي تم حتى وقت قريب في مسألة أصول إسرائيل وتاريخها - قد انصب على أخيولة لا تمتلك من الوجود الواقعي إلا أقله. ولسوف نسير عبر صفحات هذا الكتاب في محاولة جادة لاكتشاف صورة إسرائيل في التوراة وفي التاريخ، والبحث عن التقاطعات الممكنة بينهما، من أجل معرفة حقيقة ما جرى في فلسطين من حوالي عام 1200ق.م. (وهي الفترة المفترضة لدخول الإسرائيليين أرض كنعان) إلى دمار أورشليم عام 587ق.م.
في المرحلة الأولى من بحثنا، سوف نعمد إلى توضيح معالم «إسرائيل التوراتية» كما رسمتها الأسفار الخمسة المدعوة بالتاريخية، ثم نقوم بعملية استقصاء للوجود الموضوعي لهذه الإسرائيل اعتمادا على النقد النصي والتاريخي والأركيولوجي لكل سفر على حدة. أما في المرحلة الثانية، فسوف ننتقل إلى دراسة أصول ومسار حياة «إسرائيل التاريخية» اعتمادا على نتائج نقدنا السابق، وعلى علم الآثار الحديث المدعم بالعلوم المساعدة؛ مثل: علم الأنثروبولوجيا، وعلم السوسيولوجيا، وعلم مناخ وبيئة العصور القديمة، وغيرها من العلوم التي صارت معونتها الميدانية والنظرية أمرا لا غنى عنه لأي بحث أثري. وسوف يتم التركيز في هذه المرحلة على العلاقات الآرامية-الفلسطينية، والكشف عن دور مملكة آرام دمشق في الحياة السياسية لكل من مملكتي إسرائيل ويهوذا، وممالك شرقي الأردن، وبقية العالم السوري في مناطق غربي الفرات.
وأخيرا سوف نتوقف في دراستنا عند أعتاب الفترة التي أدعوها بفترة التاريخ اليهودي في فلسطين. وهذا التاريخ اليهودي - الذي تأخذ ملامحه بالتوضح خلال العصر الفارسي (القرنين الخامس والرابع ق.م.) - لا علاقة له بالتاريخ الإسرائيلي، وليست الاستمرارية بين التاريخين سوى استمرارية كرونولوجية، لا تحمل صلة ثقافية حقيقية بين المرحلتين. إن ما بدا لنا، حتى الآن، من اتصال الإسرائيلي باليهودي، هو ابتداع أيديولوجي توراتي، استكمل المحررون التوراتيون من خلاله أخيولتهم الأدبية الرامية إلى ابتكار أصول لليهودية المحدثة في فلسطين خلال العصر الفارسي والعصر الهيلينستي.
قد تبدو هذه الفكرة غريبة على قارئ التاريخ، وعلى معظم المتخصصين، ولكن ما يأتي من فصول هذا الكتاب كفيل بتوثيقها وبتوضيحها على أفضل وجه، وذلك وفق منهجية علمية بعيدة عن السمة الإعلامية السياسية التي ميزت الخطاب التاريخي العربي حتى الآن، بتأثير وجود «إسرائيل ثالثة» في فلسطين اليوم، لا علاقة لها بإسرائيل التوراتية أو إسرائيل التاريخية.
الباب الأول
Page inconnue