Aram de Damas et Israël dans l'histoire et l'histoire biblique
آرام دمشق وإسرائيل: في التاريخ والتاريخ التوراتي
Genres
7
في هذا السياق التاريخي والمناخ الفكري نستطيع فهم الأخبار التوراتية حول «إعادة بناء» هيكل الرب في أورشليم، وإحياء المجتمع القديم في المنطقة. إن «العائدين» إلى أورشليم منذ أواخر القرن السادس قبل الميلاد لم يكونوا استمرارا لأولئك المهجرين على يد نبوخذ نصر، وما بنوه في أورشليم من هيكل ومدينة لم يكن استمرارا للبنية القديمة، بل بنية جديدة تحتضن مجتمعا جديدا تم تصميمه وفق التصورات العامة السياسية والأيديولوجية للنظام العالمي الفارسي. إن قراءة تحليلية متأنية لسفر عزرا ونحميا - اللذين يقدمان لنا معظم المادة الإخبارية عن «العودة» و«إعادة البناء» - سوف تكشف لنا بقية القصة. فمع هذين السفرين نغادر تاريخ إسرائيل وندخل في تاريخ «اليهودية».
رغم أننا لا نملك وثيقة فارسية تخبر عن عودة المهجرين من يهوذا في زمن الملك قورش أو في زمن خلفائه، إلا أنه لا يوجد لدينا من الأسباب ما يدعو إلى الشك في الخطوط العامة لقصة «العودة» كما يرويها سفرا عزرا ونحميا؛ لأنها تتفق مع الإطار العام للسياسة الفارسية، وعلى الأخص بيان الملك قورش الوارد في الإصحاح الأول من سفر عزرا، الذي يسير على النهج الإعلامي الفارسي الذي عرفناه، حيث نقرأ ما يلي: «في السنة الأولى لكورش ملك فارس، عند تمام كلمة الرب بفم إرميا، نبه الرب روح كورش ملك فارس فأطلق نداء في كل مملكته وبالكتاب أيضا قائلا: هكذا قال كورش ملك فارس: جميع ممالك الأرض دفعها لي الرب إله السماء، وهو أوصاني أن أبني له بيتا في أورشليم التي في يهوذا. من منكم من كل شعبه ليكن إلهه معه ويصعد إلى أورشليم التي في يهوذا فيبني بيت الرب إله إسرائيل، هو الإله الذي في أورشليم. وكل من بقي في أحد الأماكن حيث هو متغرب، لينجده أهل مكانه بفضة وبذهب وبأمتعة، مع التبرع لبيت الرب الذي في أورشليم ... والملك كورش أخرج آنية بيت الرب التي أخرجها نبوخذ نصر من أورشليم وجعلها في بيت آلهته، أخرجها كورش ملك فارس وعدها لشيشبصر رئيس يهوذا، وهذا عددها ... والكل أصعده شيشبصر عند إصعاد السبي من بابل إلى أورشليم» (عزرا، 1: 1-11).
نلاحظ في هذا النص المطابقة التامة بين إله قورش وإله المجتمع الجديد في أورشليم، واستعمال لقب «إله السماء» لأول مرة في معرض الإشارة إلى الإله القديم يهوه الذي لبس الآن لبوسا جديدا باعتباره صورة محلية عن الإله الشمولي للإمبراطورية الفارسية. وهذا ما يظهره بكل وضوح قول قورش: «جميع ممالك الأرض دفعها لي الرب إله السماء، وهو أوصاني أن أبني له بيتا في أورشليم.» كما نلاحظ أيضا تطابق هذا النص مع إعلان الملك البابلي نابونيد الذي قال: «تنفيذا لأمر إلهي، أعدت بناء إهلهول معبد سن، وسقت إلى حران جماعات من بابل ومن سوريا العليا ... إلخ، وجميعهم ممن عهد إلي بهم الإله سن ملك الآلهة. وعند اكتمال المعبد أتيت إليه بالإله سن ... إلخ فأكملت بذلك فريضة سن ملك الآلهة ورب الأرباب في السماء.» وبشكل خاص، تظهر المطابقة بين «إله السماء» الجديد ويهوه القديم في سفر إشعيا الذي يلقب قورش بمسيح الرب: «هكذا يقول الرب لمسيحه كورش، الذي أمسكت بيمينه لأدوس أمامه أمما ... أنا أسير قدامك، والهضاب أمهد، وأعطيك ذخائر الظلمة وكنوز المخابئ، لكي تعرف أني أنا الرب إله إسرائيل. أنا الرب وليس آخر. لا إله سواي» (إشعيا، 45: 1-6). وفي الواقع، فإن كل التصورات الواردة في سفر إشعيا عن الإله الشمولي، والجديدة تماما على المناخ الديني التوراتي (وخصوصا في الإصحاحات من 40 إلى 48) تأتي في سياق المطابقة بين الإله المحلي القديم والإله الشمولي الجديد للإمبراطورية الفارسية؛ إله السماء، وهذا الإله العائد مع المسبيين ليقيم في هيكله الجديد لا يربطه بالإله القديم يهوه إلا الاسم فقط.
يقص علينا سفرا عزرا ونحميا القصة الكاملة للعودة وبناء الهيكل ثم أسوار المدينة. ونعرف أن العودة قد جاءت على عدة موجات؛ كانت أولاها بقيادة المدعو شيشبصر ابن الملك يهوياقين الملك الأسبق ليهوذا. ويبدو أن هذه الموجة قد تحركت نحو أورشليم بأعداد قليلة عقب دخول قورش إلى بابل عام 539ق.م. بوقت قصير. وقد جاء شيشبصر إلى أورشليم واليا عليها، وباشر بوضع الأساسات لبناء الهيكل، ولكنه لم يستطع متابعة المهمة (عزرا، 1: 7-11، و5: 14-16)، ثم يختفي شيشبصر من مسرح الأحداث دون تفسير ظاهر. وفي السنوات الأولى لحكم الملك داريوس (522-486ق.م.) تنطلق الموجة الثانية من العائدين، وتعدادها 42360 عدا العبيد، بقيادة الوالي الجديد على أورشليم المدعو زربابل ومعه يشوع الكاهن. وقد زودهم داريوس بمخطط لهيكل أورشليم أعد في عهد الملك قورش، وأعطى أوامره إلى عامله على مناطق غربي الفرات ليقدم لزربابل نفقة بناء الهيكل من خراج تلك المناطق، ويعطيه كل ما يحتاجه في ذلك دون تقصير أو تردد (عزرا، 6: 1-12). وهنا يبدو بوضوح تام من مضمون أمر داريوس المتضمن بناء الهيكل أن الإله الذي يقام له هذا الهيكل هو إله داريوس بالدرجة الأولى قبل أن يكون إلها للعائدين. نقرأ في خاتمة أمر داريوس ما يأتي: «وما يحتاجون إليه من الثيران والخراف والكباش محرقة لإله السماء لتعط لهم يوما بيوم، حتى لا يهدءوا عن تقريب روائح سرور لإله السماء، والصلاة لأجل حياة الملك وحياة بنيه ... والله الذي أسكن اسمه هناك يهلك كل ملك وشعب يمد يده لتغيير أو هدم بيت الله هذا الذي في أورشليم. أنا داريوس قد أمرت، فليفعل عاجلا» (عزرا، 6: 9-12).
إن اهتمام الملك داريوس ببناء الهيكل وإرسال الدفعة الثانية من العائدين لإنعاش المجتمع الأورشليمي؛ ينبغي أن يفهم من خلال عملية الإصلاح الإداري الشامل التي قادها في أنحاء الإمبراطورية جميعها، وعملية ترميم وتنشيط البنى السياسية المحلية في كل مكان، سيرا على المبادئ الأولى التي وضعها الملك قورش. وقد اكتمل بناء هيكل أورشليم في السنة السادسة لحكم داريوس (عزرا، 6: 14-15). ولكننا لا ندري بالفعل فيما إذا كان زربابل هو الذي أنهى بناء الهيكل، لأن نص سفر عزرا يتوقف عن ذكره بشكل مفاجئ وقبل إنهاء الهيكل عام 516ق.م.، كما يتوقف أيضا عن ذكر الكاهن يشوع؛ الرجل الثاني بعد زربابل. وعند تدشين الهيكل لا تظهر هاتان الشخصيتان في الاحتفال الديني الكبير الذي أقيم بهذه المناسبة.
بعد عام من انتهاء العمل في بناء هيكل أورشليم، يقوم المدعو عزرا الكاهن بقيادة الموجة الثالثة من العائدين بأمر من الملك أرتحشتا (أرتازكسريس)؛ خليفة داريوس الأول. نقرأ في سفر عزرا: «في ملك أرتحشتا ملك فارس؛ عزرا بن سرايا صعد من بابل، وهو كاتب ماهر في شريعة موسى التي أعطاها الرب إله إسرائيل. وأعطاه الملك حسب يد الرب إلهه كل سؤله. وصعد معه من بني إسرائيل والكهنة واللاويين ... إلخ، إلى أورشليم في السنة السابعة لأرتحشتا الملك ... لأن عزرا هيأ قلبه لطلب شريعة الرب والعمل بها، وليعلم إسرائيل فريضة وقضاء، وهذه صورة الرسالة التي أعطاها الملك أرتحشتا لعزرا الكاهن الكاتب، كاتب وصايا الرب وفرائضه على إسرائيل: من أرتحشتا ملك الملوك إلى عزرا الكاهن كاتب شريعة إله السماء الكامل، قد صدر مني أمر أن كل من أراد في ملكي من شعب إسرائيل وكهنته واللاويين أن يرجع إلى أورشليم معك فليرجع. من أجل أنك مرسل من قبل الملك ومشيريه السبعة لأجل السؤال عن يهوذا وأورشليم حسب شريعة الرب إلهك التي بيدك، ولحمل فضة وذهب تبرع به الملك ومشيروه لإله إسرائيل، الذي في أورشليم مسكنه ... ومني أنا أرتحشتا الملك صدر أمر إلى كل الخزنة الذين في عبر النهر أن كل ما يطلبه منكم عزرا الكاهن كاتب شريعة إله السماء فليعمل بسرعة ... كل ما أمر به إله السماء فليعمل باجتهاد لبيت إله السماء ... أما أنت يا عزرا فحسب حكمة إلهك التي بيدك ضع حكاما وقضاة يقضون لجميع الشعب الذي في عبر النهر، من جميع من يعرف شرائع إلهك، والذين لا يعرفون فعلمهم. وكل من لا يعمل شريعة إلهك وشريعة الملك فليقض عليه عاجلا إما بالموت أو بالنفي أو بغرامة المال والحبس» (عزرا، 7: 1-26).
منذ أيام الملك داريوس بدأت الإدارة الفارسية بخطة جادة تهدف إلى مركزة وتنميط البنى القانونية والاقتصادية للإمبراطورية، واعتمدت في ذلك على فرض ما يسمى «بشريعة الملك» وهي الشريعة التي تلقاها من إله السماء أهورا مزدا. وقد تم فرض هذه الشريعة في صيغ محلية تجعلها تبدو وكأنها إحياء للممارسات والتقاليد والأعراف المحلية في البلدان المختلفة، وخصوصا في تلك المجتمعات الجديدة التي تم إحياؤها بعد أن خرب الآشوريون بناها الفوقية والتحتية.
8
وهذه الشريعة هي التي أعطيت لعزرا من قبل الملك الفارسي ليعمل على تطبيقها في مقاطعة اليهودية. فلقد جاء عزرا إلى أورشليم لا كوال سياسي مثل زربابل، بل كمتفقه في «شريعة الرب» و«شريعة الملك»، على حد تعبير النص التوراتي. وبما أن عزرا، كما سوف نرى بعد قليل، قد قرأ شريعة الرب على مسامع جميع الرعية وأفهمهم إياها، ولم يقرأ شريعة الملك، فإن النتيجة الوحيدة التي يمكن الخروج بها هي أن الشريعتين ليستا في حقيقة الأمر سوى شريعة واحدة قد أرسلها الملك الفارسي بيد عزرا، من أجل تنظيم شئون المجتمع الجديد من النواحي الاعتقادية والطقسية والإدارية، بحيث تم تأييد القوانين المدنية بالأوامر والنواهي الدينية لتزويدها بسلطان ذاتي.
Page inconnue