الفكر العربي في عصر النهضة

Albert Hourani d. 1413 AH
98

الفكر العربي في عصر النهضة

الفكر العربي في عصر النهضة

Maison d'édition

دار النهار للنشر بيروت

Genres

اجتماعية، وبأن على الحاكم أن يستشير ويكرم الأطباء والمهندسين وجميع من امتلكوا ناصية العلوم النافعة للدولة (١٦). وبتعبير آخر، لقد بعث جديد الفكرة التقليدية القائلة بشراكة الحاكم والعلماء، وفسر كلمة «العلماء» على ضوء ما قصده سان سيمون بـ «رهبنة العلماء». لكن وراء الحكام والعلماء جميعًا شيء آخر، هو الأمة بأسرها. كان الطهطاوي وغيره من المفكرين المسلمين يميزون تمييزًا حادًا بين وظيفة الحكم ووظيفة الطاعة. فالحاكم هو ممثل الله، وهو مسؤول أمامه وليس له من دون الله ديان سوى ضميره. أما رعاياه فعليهم واجب الطاعة المطلقة له (١٧). لكنه كان يرى، بالرغم من هذا التمييز الحاد بين الحاكم والمحكومين، أن الفريقين يرتبطان، بعضهما ببعض، ارتباطًا وثيقًا بالواجبات والحقوق. فواجب المحكوم أن يطيع، لكن واجب الحاكم أن يحاول إرضاءه ضمن الحدود التي تفرضها عليه طاعته لله. فخوف الله من شأنه أن يحمل الجامع الحاكم على الصالحات، وكذلك أيضًا خوف الرأي العام (١٨)، الذي يلعب في العالم الحديث دورًا فعالًا في حياة الدولة. لقد كان الحكم في الماضي نشاطًا سريًا يقوم به الحاكم، أما في العهد الحديث، فيجب أن يقوم على «علاقات حسنة بين الحكام والمحكومين» (١٩). وعلى الموظفين أن يتثقفوا كما ينبغي. فحتى شيخ القرية يجب أن يكون مثقفًا (٢٠)، كما أن على المواطن العادي، الذي لا يعمل مباشرة في خدمة الدولة، أن يفهم قوانينها وأن يعرف حقوقه وواجباته. عندما يلح الطهطاوي على واجب العلماء في أن يتثقفوا ثقافة حديثة، وعلى واجب المواطنين في أن يتثقفوا ثقافة سياسية، فإنما يفعل ذلك تعبيرًا عن اعتقاده أن طبيعة المجتمع ووظيفة الحكم يختلفان الآن عما كانا عليه في الماضي. كان بإمكانه أن يقبل مبدئيًا بالنظرة الإسلامية إلى الاستقرار السياسي ووظيفة الحكومة في تنظيم

1 / 100