Opinions critiques sur les problèmes de pensée et de culture
آراء نقدية في مشكلات الفكر والثقافة
Genres
التناقض بمعنى التضاد، حين يؤكد هيجل أن وجود أي شيء ينطوي على ضده أو على عنصر سالب كامن فيه. (2)
التناقض بمعنى الصراع، وهو معنى درامي ينطبق على مجالات الأخلاق والسياسة والمجتمع، ولكن من الصعب تصوره منطبقا على مجال المنطق، إلا إذا فسر اللفظ تفسيرا مجازيا. (3)
التناقض بمعنى المغايرة أو الانتساب إلى الآخر، وذلك حين يؤكد هيجل أن من ماهية كل شيء أن يكون منسوبا إلى شيء آخر أو أن يتحول إلى الآخر أو يفهم من خلاله، أي أن يخرج عن وجوده المكتفي بذاته.
هذه المعاني كثيرا ما تختلط في أذهان المعاصرين حتى يقتبسون منهج هيجل الديالكتيكي، ويمضون في تطبيقه إلى حد يوحي بأن هيجل كان من أنصار الفوضى والجمع بين المتناقضات كيفما اتفق، ناسين أن هيجل كان - قبل كل شيء - فيلسوفا عقليا، وأن العقل حين يصبح القوة المحركة لمذهب فلسفي، لن يقبل أن يكون القانون السائد في الكون هو التلاعب العشوائي بالمتناقضات.
والحق أننا لو قارنا وجهة نظر هيجل في التناقض بوجهة النظر التقليدية، لوجدناه - من زاوية معينة - أشد نفورا من التناقض من كل من سبقوه، ألم يكن إحساس هيجل بالتناقض - حين جعله صراعا داخليا يحرك كل نمو وتطور، ويدفع الروح بكل مظاهرها إلى الأمام - أقوى من إحساس أولئك الذين جعلوه «علاقة خارجية» بين أشياء يظل كل منها محتفظا بهويته؟ إن العلاقة بين منطق أرسطو ومنطق هيجل كثيرا ما تصور كما لو كان الأول يهدف إلى استبعاد التناقض والثاني يهدف إلى استبقائه، ولكن الواقع أننا لا نستطيع أن نتصور شعورا بالتناقض أقوى من ذلك الذي يتمثل في فيلسوف يجعل من الرغبة في قهر التناقض وتجاوزه قوة تحرك الروح وتدفعها إلى العلو على ذاتها دواما، ولو كان هيجل - كما يصوره الكثيرون - يهدف إلى استبقاء التناقض، لما تحدث عن «الارتفاع» إلى مستوى أعلى، وعن تجاوز التناقض ورفعه بعد الجمع بين أطرافه في مركب أشمل وفي وحدة أعمق. إننا نستطيع أن نتصور فلسفة تؤكد التناقض وتحتفظ به، أما تلك التي تجعل منه قوة دينامية تدفع الروح على الدوام إلى تجاوزه، فهي فلسفة تبلغ فيها الرغبة في استبعاد التناقض حدا يفوق ما كانت عليه في أية فلسفة سابقة تجعل منه علاقة خارجية شكلية سكونية عاجزة عن تحريك أي شيء.
وأخيرا فإن أكبر المحاذير التي ينبغي أن يتجنبها عصرنا الحاضر - حين يستخدم المنهج الديالكتيكي - هو أن يعامل الديالكتيك على أنه قانون، أو مجموعة من القوانين، ويعمل على تطبيق هذه القوانين آليا، صحيح أننا نستطيع أن نستخلص من فكر هيجل مبادئ ديالكتيكية، مثل «نفى النفي» أو «وحدة المتناقضات» أو «تحول الكم إلى الكيف»، ولكن الديالكتيك هو - قبل كل شيء - أسلوب ومنهج في التفكير وفي التطبيق. إن القانون يمثل نهاية المسار في كل بحث، أما الأسلوب والمنهج فهو قوته الدافعة المحركة، وتحويل الديالكتيك إلى مجموعة من القوانين - مهما كانت مشروعيتها - هو خروج على الروح الحقيقية التي تستوحيها فكرة الديالكتيك، وتجميد له في قوالب ثابتة، وبالفعل تتمثل في عصرنا الحاضر - بوضوح تام - محاولات متناقضة يبذلها بعض الدجماطيقيين لتطبيق الديالكتيك كما لو كان قانونا ثابتا، فيبحثون في كل موقف عن «نفى النفي» أو عن الكم الذي سيتحول إلى كيف ... إلخ، وينسى هؤلاء أن الديالكتيك - قبل كل شيء - منهج يعلمنا المرونة الفكرية والعملية؛ إذ يكشف لنا عن التعقد الهائل للواقع، وينهانا عن رده إلى صيغ مبسطة وقوالب جامدة. هذا هو «القانون» الأول للديالكتيك (إن جازت تسميته بالقانون)، وهو الذي تتضاءل إلى جواره كل قوانين أخرى جزئية.
ولو استوعبنا روح الديالكتيك - لا نصه الحرفي - لأدركنا أننا لا نستطيع أن نجد في كل المواقف انتقالا ثلاثيا من وضع إلى نقيضه إلى وضع مركب؛ ففي تاريخ عصرنا كثيرا ما يتم الانتقال من وضع إلى وضع آخر أسبق عليه بكثير كما في حالة الانقلابات الرجعية، التي تتميز أساسا بأنها «رجوع» إلى الوراء، وليست مجرد تضاد مع ما كان موجودا من قبل، وكثيرا ما يكون المركب أكثر هزالا من أطرافه المتناقضة، كما هي الحال في الصيغ التي استطاعت بها الأنظمة الرأسمالية أن تحتفظ ببقائها منذ أزمة الثلاثينيات حتى اليوم، وكثيرا ما تخف حدة التناقض دون الوصول إلى مركب، كما يتضح من مقارنة العلاقة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي خلال ربع القرن الأخير، والأمثلة كثيرة لا حصر لها، ولكن أهم ما يستخلص منها هو أن روح الديالكتيك تتمثل في الشعور بالتعقد الشديد للواقع، ولا تقدم إلينا صيغا ثابتة نرد إليها تطور هذا الواقع ونحشره في قوالبها حشرا، ولو استطعنا أن نستخلص من الديالكتيك هذا الدرس البليغ، وعرفنا كيف نطبقه على المواقف الجديدة التي لا يكف عصرنا الحاضر عن مواجهتنا بها، لكنا بذلك نحتفظ بما هو حي بحق في تفكير هيجل .
الجدل بين الوجودية والماركسية1
في التفكير الفرنسي المعاصر يتمثل التقابل بين الوجودية والماركسية أوضح ما يكون، بحيث إن المرء لا يكون مغاليا إذا شبه هذين التيارين العقليين بقطبين يتجاذبان عقول المثقفين الذين يهدفون إلى اتخاذ موقف إيجابي - لا موقف المتفرج السلبي - من حوادث العالم الراهنة؛ ففي فرنسا إذن نجد أفضل ميدان للصراع الفكري بين هذين المذهبين الرئيسيين من مذاهب الفكر المعاصر، ومع ذلك فإن هذا الصراع قد أخذ يسفر - في الآونة الأخيرة - عن نوع من التقارب والتقدير المشترك لوجهات النظر المتبادلة، ولعل من أوضح مظاهر هذا التقدير المتبادل، تلك المناظرة التي دارت بين سارتر وجان إيبوليت
Jean Hypolite
Page inconnue