Opinions philosophiques sur la crise de l'époque
آراء فلسفية في أزمة العصر
Genres
كانت هناك امرأة عندها هواجس، واعتاد أحد الناس أن يخاطبها بالتليفون ويلقي عليها الأوامر. وسألها طبيبها: «من هذا الذي يتحدث اليوم؟» وأجابت قائلة: «إنه يقول إنه الله.» أي دليل عندها فعلا على أنه هو الله؟ إذا جاءني ملك، فأي دليل هناك على أنه ملك؟ وإن كنت أستمع إلى أصوات، فأي دليل هناك على أنها آتية من الجنة وليست آتية من الجحيم، أو من اللاشعور، أو من حالة مرضية خاصة؟ وأي دليل هناك على أن هذه الأصوات موجهة إلي؟ وأي دليل هناك على أنه قد عهد إلي أن أفرض اختياري وأن أفرض فكرتي عن الإنسان على البشرية كلها؟ إني لن أجد دليلا أو علامة تقنعني بذلك. إذا كان الصوت يناديني فعلي دائما أن أقرر أن هذا هو صوت الملك. وإذا كنت أرى أن مثل هذا العمل عمل طيب، فأنا الذي أختار القول بأنه عمل طيب وليس عملا سيئا.
والآن أقول: إني لست أنا إبراهيم، ولكني - برغم هذا - مضطر في كل لحظة إلى أن أؤدي عملا شبيها بالذي أدى؛ لأن كل شيء يحدث لكل إنسان، وكأن البشرية كلها توجه بصرها إليه وتسترشد بما يفعل. وعلى كل امرئ أن يسأل نفسه: «هل أنا حقا ذلك الرجل الذي يملك الحق في أن يعمل بطريقة تستطيع البشرية أن تسترشد فيها بعملي؟» فإن كان لا يسأل نفسه هذا السؤال فهو يخفي عن نفسه همها.
ولسنا نتعرض هنا لنوع الهم أو الضيق الذي يؤدي إلى السكون، وإلى الكف عن الحركة؛ فالأمر ليس إلا نوعا بسيطا من الهم يألفه كل إنسان تحمل شيئا من المسئولية. ولنضرب لذلك مثلا الضابط الحربي الذي يتحمل مسئولية الهجوم، والذي يجلب الموت لعدد من جنوده. لقد اختار ذلك، وهو وحده أساسا الذي قام بالاختيار. وليس من شك في أن الأوامر تأتيه من سلطة أعلى، ولكنها أوامر عامة جدا، وهو الذي يفسرها، وعلى تفسيره تتوقف حياة عشرة أو أربعة عشر أو عشرين رجلا. وهو إذ يصدر قراره لا يسعه إلا أن يحس شيئا من الهم والضيق، وهو ضيق يعرفه كل قائد، ولا يمنعهم هذا من العمل، بل - على العكس من ذلك - هذا الضيق هو الشرط الأساسي لما يقومون به من عمل؛ لأنه يعني أنهم يواجهون عددا من الاحتمالات، وعندما يختارون واحدا منها يدركون أنه ليس لهذا الاحتمال قيمته إلا لأنه مختار. وسوف نرى أن هذا الضرب من ضروب الضيق، وهو الضرب الذي تصفه الوجودية، أو تفسره - فوق ذلك - مسئولية مباشرة إزاء الأفراد الآخرين الذين يرتبط بهم. وهو ليس حاجزا يفصلنا عن العمل، ولكنه جزء من العمل نفسه.
وعندما نتكلم عن الخذلان، وهو تعبير كان هيدجر مغرما به، إنما نعني أن الله غير موجود، وأنه يتحتم علينا أن نواجه كل ما يترتب على ذلك.
إن الوجودي يعتقد أنه من المؤلم جدا ألا يوجد الله؛ لأن كل احتمال للعثور على قيم في سماء من الأفكار يختفي باختفاء الله؛ وعلى ذلك فلا يمكن أن يكون هناك خير «سابق» ما دام ليس هناك وعي كامل غير محدود للتفكير فيه. ولم يكتب في أي مكان أن الخير موجود، وأنه يجب علينا أن نكون أمناء، وألا نكذب؛ لأن واقع الأمر هو أننا في مستوى ليس به غير الناس. يقول دستوفسكي: «إذا لم يوجد الله، أمكن كل شيء.» وهذه هي نقطة البداية عينها في الوجودية؛ فالواقع أن كل شيء جائز إذا لم يوجد الله، ويترتب على ذلك شعور الإنسان بالخذلان؛ لأنه لا يجد شيئا بداخله أو بخارجه يتمسك به، وهو لا يستطيع أن يلتمس لنفسه المعاذير.
أما اليأس فمعناه غاية في البساطة، معناه أنا نكتفي بأن نركن إلى ما يتوقف على إرادتنا، أو إلى مجموعة الاحتمالات التي تجعل عملنا ممكنا؛ فعندما نريد شيئا ما نركن دائما إلى الاحتمالات، قد أتوقع قدوم صديق، والصديق قادم بالقطار أو بالترام، وفي هذا افتراض وصول القطار طبقا لموعده، أو أن الترام لن يقفز فوق قضبانه؛ فأنا إذن أقف في مجال الإمكان، ولكن الإمكان لا يركن إليه إلا إلى الحد الذي يتفق فيه عملي مع مجموعة هذه الإمكانيات ولا يتعداه. وفي اللحظة التي تنفك فيها العلاقة الوثيقة بين الإمكانيات التي تقع في اعتباري وبين عملي، يتحتم علي أن أتحلل من هذه الإمكانيات؛ لأنه ليس هناك إله أو نظام يستطيع أن يكيف العالم وإمكانياته طبقا لإرادتي. وعندما قال ديكارت «تغلب على نفسك لا على الدنيا» كان يقصد أساسا إلى نفس هذا المعنى. ⋆ (1-4) الإنسان حرية
إذا كان الوجود حقا يسبق الماهية، فالأمور إذن لا يمكن تفسيرها بالرجوع إلى طبيعة بشرية معينة ثابتة. وبعبارة أخرى ليست هناك حتمية؛ فالإنسان حر والإنسان حرية. ومن ناحية أخرى إذا كان الله غير موجود، فلن نجد القيم أو الوصايا التي نلتفت إليها والتي تقنن سلوكنا؛ ومن ثم فلن يكون وراءنا - في مجال القيم المضيء - معذرة، ولن يكون أمامنا تبرير - نحن وحدنا - بغير معذرة.
وهذه هي الفكرة التي سوف أحاول التعبير عنها حينما أقول إن الإنسان قد حكم عليه بالحرية. أقول حكم عليه؛ لأنه لم يخلق نفسه، ومع ذلك فهو حر من نواح أخرى؛ لأنه بمجرد إلقائه في هذه الدنيا مسئول عن كل عمل يقوم به. ⋆ (1-5) الالتزام والعمل
إذا سلمنا بأن الناس أحرار، وأنهم سوف يقررون في غدهم ما سوف يئول إليه الإنسان، فإني لن أكون على يقين من أن المجاهدين من زملائي سوف يواصلون عملي بعد مماتي لكي يصلوا به إلى أقصى درجة من درجات كماله؛ ففي الغد - بعد مماتي - قد يقرر بعض الناس أن يقيموا الفاشية، وقد يكون الآخرون جبناء مرتبكين إلى حد يجعلهم يمكنون الفئة الأولى مما تريد؛ وعندئذ تكون الفاشية هي الحقيقة الإنسانية - ويا لسوء حظ الإنسان حينئذ!
والواقع أن الأمور سوف تقع كما قرر لها الإنسان أن تقع؛ فهل معنى ذلك أنه ينبغي لي أن أستسلم للكون؟ كلا؛ إذ الواجب علي أولا أن أقحم نفسي، ثم أعمل طبقا للناموس القديم، كما قيل: «لا كسب بغير مغامرة.» وليس معنى ذلك أيضا أنه لا ينبغي لي أن أنتمي إلى حزب، وإنما يعني ألا تكون عندي أوهام، وأن أعمل ما أستطيع. ولأضرب لذلك مثلا؛ هب أني سألت نفسي: «هل الاشتراكية - كما نعرفها - سوف تتحقق في يوم من الأيام؟» إني لا أعرف شيئا عن هذا ، وكل ما أعرفه هو أني سوف أبذل كل ما في وسعي لكي أحققها، ولا أستطيع أن أعتمد على شيء آخر غير هذا، أما السكون فهو موقف أولئك الذين يقولون: «خل غيري يعمل ما لا أستطيع أن أعمله.» والمذهب الذي أدعو إليه نقيض السكون تماما؛ لأنه ينادي ب «أنه ليست هناك حقيقة إلا في العمل»، بل إنه يعدو ذلك لأنه يقول ب «أن الإنسان ليس إلا خطته، وهو لا يوجد إلا بمقدار ما يحقق ذاته؛ وهو لذلك ليس إلا مجموعة أعماله، ليس إلا حياته.»
Page inconnue