Opinions philosophiques sur la crise de l'époque
آراء فلسفية في أزمة العصر
Genres
إننا بحاجة إلى تعريف الحقوق الطبيعية للإنسان في وضع جديد، وفي مضمون جديد، ولقد نأخذ على فكرة الحقوق الطبيعية أنها ارتبطت - إلى حد كبير - بمجموعة من القواعد المعينة التي تقوم على صورة من الفردية بالية عتيقة، وتعزو إليها صفة من الدوام لا تستند إلى أساس، كما أنها طبقت نوعا من المساواة الشكلية المبنية على التعاقد على مجتمع لم تعد وظائفه المتنوعة تتفق مع هذا الإطار، وإنما تختفي وراء ذلك صورة ذهنية عن طبيعة الإنسان - حاجاته، واستجاباته، وقدراته - وعن النظم التي يتطلبها لكي يحقق طبيعته الفردية ويؤدي واجبه في المجتمع. هذه هي حقوقه الطبيعية، التي لا يمكن للمجتمع أن يتجاهلها دون أن يتحمل الجزاء الذي تمتد جذوره في طبيعة المجتمع وطبيعة الإنسان. غير أن النظم التي تتجسد فيها هذه الحقوق لا تثبت على صورة واحدة، وهذه النظم - باستثناء بعض الحالات الأساسية - ليست هي بعينها بالنسبة إلى الهيئات التجارية والمساهمة في الإنتاج، وإلى الطبيب، والأستاذ، والعامل في مناجم الفحم. إن كل جيل لا بد أن يكشف عنها من جديد، مع تغير الظروف، وتغير المعرفة بالإنسان ذاته.
وآراؤنا الأساسية في العلاقة بين الفرد والمجتمع والدولة هي من وراء هذا كله تتطور بتأثيره وتتغير. ولقد عشنا - في هذا الصدد - في دنيا صراع بين مجردات كاذبة - المجتمع المجرد، أو الدولة المجردة، أو الفرد المجرد. وقد بنينا حضارتنا الحرة على أسطورة الفرد المجرد، الذي تقوم الدولة والجماعة لخدمته؛ على اعتبار أن المجتمع ليس إلا مجموعا عدديا لأمثال هذا الفرد، وأن الدولة أداتهم، تؤدي لهم أفضل خدمة إذا هي أعطتهم أقصى حرية لخدمة أنفسهم. وعلى نقيض هذه النظرية، وبالإفادة بما فيها من مغالاة وعيوب، نشأ مبدأ الدولة المتحكمة، التي يعيش فيها الفرد لخدمة الجماعة التي تتجسد في الدولة، وتشمل سلطة الدولة كل شيء في الحياة.
ومعنى هذا عمليا أن السلطة ليست فقط بغير حد، ولكنها كذلك بغير مسئولية.
غير أن نفورنا من هذا المبدأ ينبغي ألا يقودنا إلى تأييد نقيضه في الطرف الآخر الذي يؤدي إلى تأليه مصلحة الفرد الشخصية المستقلة التي لا تحتمل أي نوع من أنواع المسئولية؛ لأن كلتا هاتين النظريتين لا تمس إلا جانبا واحدا من الجانبين، ولا تمثل حقيقة الإنسان والمجتمع، وكلتاهما لا تصلح أساسا سليما لبناء صرح اجتماعي، إنما المجتمع الطيب هو الذي يفرض واجبات على أعضائه، واجبات يتطلب أداؤها استخدام قدراته استخداما كاملا، ويتقبل فيه الأعضاء هذه الواجبات قبولا تاما شاملا وعن رضا وطواعية. وحتى مجتمعنا الذي يغالي في الفردية يعترف بسيادة الدولة حينما تهاجم، بالرغم من أنه يجاهد جهادا شاقا للاحتفاظ بأكبر قدر ممكن من الحرية الشخصية، حتى إبان الحروب.
ويطمئن الأفراد اجتماعيا إذا هم سلموا للجماعة بالسيادة بشرط أن تكون الجماعة من النوع الذي يجد حياته ورفاهيته في حياة أعضائه ورفاهيتهم، وفي حسن العلاقة بين بعضهم وبعض. ومما يدعو إلى أمن الجماعة أن ترى رفاهيتها في رفاهية أعضائها، فتفسح في المجال لأغراضهم الفردية، إذا هم برهنوا على أنهم حيوانات اجتماعية وليسوا وحوشا أو آلات لا تبحث إلا عن ذاتها - إذا كان الفرد منهم يحسب لحاجات غيره وأغراضه حسابها، ويعتبر نفسه مسئولا أساسا عن سلوكه مسلك عضو في جماعة. وبهذا النوع من أنواع الفرد، وفي هذا الضرب من ضروب الجماعة، لا يبقى من المستحيل أن نوفق بين الفكرتين المتعارضتين، ويمكن أن تتحدا في مركب واحد منتج، ويهبط الصراع إلى حد أن يصبح مجرد ملاءمة بين تفصيلات النقاط الفرعية.
وفي هذا النوع من أنواع المجتمع تمس الدولة أقوى عامل محسوس لدى الجماعة، ولكنها ليست العامل الوحيد. وبالرغم من أن الدولة بحاجة إلى أن تملك سلطة الحكم العليا النهائية - ولا نتعرض الآن إلى المشكلة التي تتعلق بحق الثورة الأعلى - فهي تستطيع أن تسير الأمور مع ممارستها لحد ضئيل من سلطة الحكم، واحتفاظها - برغم هذا - بحياة جماعية منظمة.
وعلى قدر ما تكون المسئولية الاجتماعية للأعضاء ناقصة، تكون النتيجة مضطربة.
أما إذا ساد إحساس بالمسئولية أساسي قوي، فإن الاضطراب لن يبلغ حد الفوضى، ولن تكون بالدولة حاجة إلى إقامة نفسها - كما فعلت ألمانيا النازية - هيئة تتجسد فيها الجماعة تجسدا كاملا، وتفرض نفوذها على وجود الفرد من جميع نواحيه، بل تتألف - بدلا من ذلك - جماعات عديدة تمثل أجزاء المجتمع، وما دامت لا تنازع غيرها فهي في ذاتها مجتمعات صغرى. أما في حالة النزاع فعليها إما أن تكيف نفسها وإما أن تخضع لغيرها. ⋆ (1-3) الحاجة إلى مجتمع اقتصادي
لقد خدعنا أنفسنا زهاء مائة وسبعين عاما، فحسبنا أننا نستطيع بمراعاة المصالح الخاصة دون أية مسئولية إزاء الصالح العام أن نقيم مجتمعا لا يتقدم فيه الناس فحسب، بل يعيشون فيه أيضا خلال تقدمهم مكرمين منسجمين. ولقد وضعنا ثقتنا في سوق آلية، تهتم برواج السلع وتهمل الأشخاص، وفي سياسة، لا تقيم إلا وزنا ضئيلا للأخلاق، وتمثل مصلحة معينة أكثر مما تمثل صالح المجموع. وفي الوقت عينه كان هناك عاملان من عوامل الإصلاح - هما: المجتمع الذي يحترم فيه كل جار جاره، وعامل الدين - أخذا يضعفان في قدرتهما على التأليف بين الناس. وفي كثير جدا من شئون الحياة اليومية ترى الفرد أولا عضوا في جماعة اقتصادية من الجماعات، ثم هو بعد ذلك أمريكي (أو وطني). وقد نرثي لهذا المآل، غير أن ما يحز في القلب فعلا هو أن المجتمع هو الذي أدى إلى هذا الموقف، بإهماله أجيالا طويلة للحاجات الضرورية، وبتعاميه عن حقيقة الإنسان وحقيقة الجماعة.
وقد بدأنا نتنبه للحاجات الواضحة المحسوسة، وشرعنا نعد لهذه الحاجات عدتها. فمن الناحية الإنسانية والروحية بدأنا نتحسس طريقنا نحو معايير مشتركة، أو على الأقل نحو قاعدة نعيش على أساسها معا بما لدينا من معايير. غير أن ما لدينا من مخلفات يجب تسويتها كثير. علينا أن نتعلم المعنى العملي لهذه الحقيقة، وهي أن المجتمع ليس مجرد شيء يتطلع إليه الفرد للمنفعة - وإن يكن فيه هذا الجانب - ولكنه كذلك شيء يدين له الفرد بالواجبات، وعلينا أن نتعلم أيضا أن المكاسب يجب أن يسوغها ما نقدمه من معونة، لا للزبائن وحدهم، أو حتى لصناعة من الصناعات، وإنما للصالح العام في جملته، وكان لا بد من إعادة الكشف عن هذه الحقيقة بعد أجيال من الحياة في عالم كان يتوقع من كل فرد أن يرعى صالح نفسه فقط.
Page inconnue