إن النقد كالفلسفة، والتاريخ نوع من القصص تنتفع به العقول الراجحة المتطلعة إلى المعرفة، وكل قصة على الحقيقة سيرة يكتبها القصصي عن نفسه، وخير ناقد من يقص عليك حوادث روحه ووقائعها بين آيات الفن.
لا يوجد نقد موضوعي، وهؤلاء الذين يباهون بأنهم يضعون في فنهم شيئا غير أنفسهم، مغترون بأشد الآراء خطلا، فإن المرء لا يخرج من ذاته، وفي هذا العجز إحدى خصاصات بني الإنسان، أي شيء لا نعطيه كي نرى - ولو دقيقة واحدة - السماء والأرض بعيني ذبابة، أو كي نفهم الطبيعة بدماغ قرد خشن؟ لكن هذا محظور علينا، فليس أحدنا بقادر على أن يكون مثل «تريزياس» رجلا يذكر أنه كان امرأة. كلنا سجين كأنه من ذاته في سجن أبدي، وخير ما نصنع هو أن نقر مختارين بهذه الحالة الرهيبة ، وأن نحدث عن أنفسنا كلما أعيانا الصمت.
إن النقد هو آخر أنواع الأدب ظهورا، ولعله سيتمثلها ويحتويها جميعا؛ لأنه ملائم أحسن ملاءمة لهذا المجتمع الذي أدرك في المدينة شأوا بعيدا، فأصبح غنيا بالذكريات، قديم عهد بالتقليدات، وهو خير ما تمنحه الإنسانية المثقفة المهذبة المتطلعة، ولكن ينبغي ليكون نافعا أن يقوم بثقافة أوسع مما تقتضيه الأنواع الأدبية الأخرى، هذا النقد الذي أوجده سان أفرمون وبايل ومونتسكيو متصل بالفلسفة والتاريخ على السواء، لم ينم نموه إلا لأنه نشأ في عصر كانت حرية الفكر فيه مطلقة، فحل محل العلم الإلهي، وإذا بحثنا عن الإمام الأكبر في القرن التاسع عشر لم يذهب الفكر إلا إلى «سنت بوف» أولا وآخرا. ***
لو وفقنا إلى معرفة كل ما في الكون من أسرار، لأصابتنا سآمة لا شفاء منها. ***
إذا أعجبت جماعة من الناس بكتاب، فأبدى كل واحد سبب إعجابه، انقلب الاتفاق خلافا وشقاقا، فإن القراء يرضون في الكتاب الواحد عن أشياء متضادة لا يمكن أن توجد جميعا فيه. ***
من المؤلفات الممتعة التي لم تؤلف بعد كتاب في تاريخ التبدلات الطارئة على نقد إحدى الطرف الأدبية التي شغلت الأذهان كثيرا، كهملت والكوميديا الإلهية والإلياذة. ***
مما يلاحظ في فرنسة أن المبتلين بالصم يكثرون بين نقاد الموسيقى، كما أن المبتلين بالعمى يكثرون بين نقاد النحت والتصوير، ولعل هذا مما ييسر لهم الانصراف الكلي إلى مسائل الفن. ***
ماذا يهمك أن تعلم بم يؤمن المرء؟ فالمهم هو أن يؤمن، وماذا يهمك أن تعلم فيم يؤمل؟ فالمهم هو أن يؤمل. ***
من الحمق العظيم أن تحتقر خطرا يهددك. ***
لعل الفضول رأس الفضائل الإنسانية، نريد أن نعلم وإن يكن مقدرا علينا ألا نعلم شيئا، ولكننا على كل نعارض اللغز الكوني الذي يكتنفنا بتفكير مستمر وأبصار جريئة، وليس لكل أقيسة الجدليين أن تشفينا - لحسن الحظ - من هذا القلق الشديد الذي يثير نفوسنا أمام المجهول. ***
Page inconnue