لما فرغت من تنقية الطحنة، فقعدت كالخفاش
2
تدلك عينيها. وبعد سكوت قصير جدا رفعت خصلة شعر شقراء هاجمة على خدها الأيمن وقالت: كذاب الذي قال «القمح البلدي لي ولولدي». القمح البلدي ثلثه زوان وشيلم،
3
مهما غربلنا ومهما غسلنا لا ينظف.
وشعرت بدوار
4
لما استوت، شعرت كأن رجلها يابسة فجلست قائلة: تقبر الأرامل! حياتنا كلها طحن وخبز، وطبخ ونفخ، وغسيل وترقيع، ما لنا ساعة نشاهد فيها وجه ربنا، عيشة من قلة الموت، اسمي أم جبرايل، وجبرايل ابن غيري. وانطوت تمتحن خدر
5
رجلها، تقرصها فلا تحس أنها منها، وتمدها فلا تشعر أنها لها. ولما عادت الدماء إلى مجاريها قامت لحاجاتها: جلت زجاجة قنديل الكاز، وزيتت الفانوس الخاص بعلف الفدان، وأقبلت على العشاء تعده، فالطبخة ناضجة لا ينقصها غير القلية والتوابل.
Page inconnue