وهب مع الفجر من فراش يقظته مهرولا، وأخذ يجمع ملابس زهرة بنفسه ويطويها في عناية، وحين انتصف النهار كان قد أوصلها إلى بيت أبيها مطلقة.
وكان عليه أن يفسر ما فعل لأبيها الشيخ ويرد على أسئلته، ولكنه لم يجب بغير جواب واحد: والله مش عارفين نعيش مع بعض يا عمي، ولا هي بتقبلني ولا أنا بأقبلها، الفراق أحسن. وعبثا حاول حسان أن يصدق هذا التعليل.
شاب طريد لا يملك شيئا، يلفظ هذه النعمة، ويسيء إلى من أحسن إليه؟
وقال مصطفى وقد جلسا في المساء: يا عم حسان! المسألة فيها سر، أصل سيد ماشي مع ... وذكر اسم امرأة؛ واحدة من قطط الريف الضالة التي تنسج حولها الأقاصيص!
وصدق حسان على مضض، وامتلأ قلبه بالكراهية لذلك الغادر الذي أحال جوهرته الغالية إلى قطعة من الزجاج لن يتحلى بها غير الفقراء.
وغدا الحقد ينمو مع الأيام على ربيب النعمة العاق، بدأت نقمة السيد الثري القادر على الشاب اليتيم المشرد، أخذت هذه النقمة شتى الصور، لم يجرؤ فلاح واحد على أن يفتح أبواب حقله للطريد، فلجأ إلى القرية المجاورة، هناك وجد حقلا يعمل فيه، ولاحقته نقمة حسان إلى هذا الحقل، فما لبث أن طرد منه!
وظل سيد ينتقل من حقل إلى حقل، حتى استقر بأرض مزارع كبير، وما لبث بها قليلا حتى وثق به صاحب الأرض؛ فجعله حارسا يرعاها ويسهر عليها!
ونشب ذات يوم خلاف بين سيد وناظر الزراعة، وتطور الخلاف إلى مشاحنة شديدة توعده فيها الناظر بالطرد في اليوم التالي.
وفي الصباح التالي وجد ناظر الزراعة مقتولا على حدود القرية، وفي الضحى كان سيد مكبلا بين يدي المحققين ينكر في حرارة أنه القاتل، ويرد على أسئلة النائب الحائر في حيرة وارتباك: ألم تتشاجر أمس مع الناظر؟ - بلى، تشاجرت! - ألم يتوعدك بالطرد في الصباح؟ - توعدني فعلا. - فطردته من الحياة قبل أن يطردك من الحقل؟ - أبدا، وأقسم بالله!
وتتملك الشاب حرارة الإنكار فتغلبه العبرات؛ عبرات البريء المظلوم، ويرق قلب المحقق، ويحس نسمة من العطف على الشاب تمر بقلبه، فيوشك أن يؤمن ببراءته، ولكن ...
Page inconnue