بسم الله الرّحمن الرّحيم
ترجمة المؤلف
هو الإمام الحجّة محمد بن فرج، أبو عبد الله مولى محمد بن يحيى، المعروف بابن الطّلّاع، القرطبي الفقيه المالكي، مفتي الأندلس ومسندها في الحديث.
ولد في سلخ ذي القعدة سنة أربع وأربعمئة.
ذكره ابن بشكوال فقال: بقية الشيوخ الأكابر في وقته، وزعيم المفتين بحضرته.
روى عن: يونس بن عبد الله القاضي، ومكي بن أبي طالب، وأبي عبد الله بن عابد، وحاتم بن محمد، وأبي عليّ الحدّاد الأندلسيّ، وأبي عمرو المرشانيّ، ومعاوية بن محمد العقيليّ، وأبي عمر ابن القطّان.
قال: وكان فقيها عالما، حافظا للفقه، حاذقا بالفتوى، مقدّما في الشّورى، مقدّما في علل الشّروط، مشاركا في أشياء، مع دين وخير وفضل، وطول صلاة، قوّالا بالحقّ وإن أوذي فيه، لا تأخذه في الله لومة لائم، معظّما عند الخاصّة، والعامّة يعرفون له حقّه. ولي الصّلاة بقرطبة، وكان مجوّدا لكتاب الله. أفتى النّاس بالجامع، وأسمع الحديث، وعمّر حتّى سمع منه الكبار والصّغار، وصارت الرّحلة إليه. ألّف كتابا في أحكام النّبيّ ﷺ قرأته على أبي ﵀ عنه.
تفقه على مذهب الإمام مالك وأصحابه حتى حذق الفتوى وبرع فيها، وصار مقدما في الشورى، عارفا بعقد الشروط وعللها، ذاكرا لأخبار شيوخ بلده وفتاويهم، مشاركا في أشياء من العلم، مع خير وفضل ودين.
وقال القاضي عياض: كان صالحا قوّالا بالحقّ، شديدا على أهل البدع، غير هيوب للأمراء، شوّر عند موت ابن القطّان، إلى أن دخل المرابطون فأسقطوه من الفتيا لتعصّبه عليهم، فلم يستفت إلى أن مات.
سمع منه عالم كثير، ورحل النّاس إليه من كلّ قطر لسماع «الموطّأ» ولسماع «المدوّنة» لعلوّه في ذلك.
وحدّث عنه أبو عليّ بن سكّرة، وقال في مشيخته الّتي خرّجها له عياض: سمع يونس بن عبد الله بن مغيث، وحمل عنه «الموطّأ» و«سنن النّسائيّ» . وكان أسند من بقي، صحيحا،
1 / 5
فاضلا، عنده بله تامّ بأمر دنياه وغفلة. ويؤثر عنه في ذلك طرائف. وكان شديدا على أهل البدع، مجانبا لمن يخوض في غير الحديث.
وروى اليسع بن حزم عن أبيه قال: كنّا مع ابن الطّلّاع في بستانه، فإذا بالمعتمد بن عبّاد يجتاز من قصره، فرأى ابن الطّلّاع، فنزل عن مركوبه، وسأل دعاءه، وتذمّم وتضرّع، ونذر وتبرّع، فقال له: يا محمد انتبه من غفلتك وسنتك.
توفي ﵀ لثلاث عشرة ليلة خلت من رجب سنة ٤٩٧ هـ، وشهده جمع عظيم.
من تصانيفه: نوازل الأحكام النبوية، وكتاب في الوثائق، وكتاب في الأقضية وهو كتابنا هذا الذي نقدمه في ثوبه الجديد متمنين على الله أن ينفع به إنه على ما يشاء قدير، وبالإجابة جدير، والحمد لله رب العالمين «١» .
_________
(١) انظر عن محمد بن فرج: الصلة لابن بشكوال (٢/ ٥٦٤) رقم (١٢٣٩)، والمغرب في حلى المغرب (١٦٥)، والمعين في طبقات المحدثين (١٤٦) رقم (١٥٨٨)، وسير أعلام النبلاء (١٩/ ١٩٩- ٢٠٢) رقم (١٢١)، وشذرات الذهب (٣/ ٤٠٧)، وشجرة النور الزكية لابن مخلوف (١/ ١٢٣) .
1 / 6
بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمد لله كما حمد نفسه وأضعاف ما حمده خلقه حتى يفنى حمدهم ويبقى حمده، لا إله إلا هو وحده. هذا كتاب أذكر فيه- إن شاء الله تعالى- ما انتهى إليّ من أقضية رسول الله ﷺ التي قضى بها، أو أمر بالقضاء فيها، إذ لا يحل لمن تقلّد الحكم بين الناس أن يحكم إلا بما أمر الله به ﷿ في كتابه، أو بما ثبت عن رسول الله ﷺ أنه حكم بها، أو بما أجمع العلماء عليه، أو بدليل من هذه الوجوه الثلاثة.
واتفق مالك وأبو حنيفة والشافعي- رحمهم الله تعالى- على أنه لا يجوز لحاكم أن يحكم بين الناس حتى يكون عالما بالحديث والفقه معا مع عقل وورع.
وكان مالك ﵀ يقول في الخصال التي لا يصلح القضاء إلا بها: لا أراها تجتمع اليوم في أحد، فإذا اجتمع منها في الرجل خصلتان رأيت أن يولّى العلم والورع.
قال عبد الملك بن حبيب- رحمه الله تعالى-: فإن لم يكن فعقل وورع، فبالعقل يسأل وبه تصلح خصال الخير كلها، وبالورع يعف. وإن طلب العلم وجده، وإن طلب العقل إذا لم يكن فيه لم يجده.
وأبدأ في ذلك بأقضيته ﷺ في الدماء لما جاء في الحديث الصحيح الذي ذكره مسلم وغيره: «إن أول ما يقضي الله ﵎ بين الناس يوم القيامة في الدماء» . وأول ما ينظر فيه من عمل العبد الصلاة، فمن وجدت له صلاة نظر في سائر عمله، ومن لم توجد له صلاة لم ينظر في شي من «١» عمله.
وليس بعد الشرك بالله ﷿ أعظم من قتل النفس «٢» .
روي عن رسول الله ﷺ أنه قال: «زوال الدنيا بجميع ما فيها أهون على الله ﷿ من
_________
(١) رواه البخاري (٦٥٣٣) و(٦٨٦٤)، ومسلم (١٦٧٨)، والترمذي (١٣٩٦) مختصرا على الفقرة الأولى. ورواه النسائي (٣٩٩١) مطولا، من حديث عبد الله بن مسعود ﵁.
(٢) رواه مالك في الموطأ (١/ ١٧٣) في قصر الصلاة. باب جامع الصلاة. بلاغا. وإسناده منقطع. وله شواهد.
1 / 7
قتل امرئ مسلم» «١» . رواه ابن الأحمر في مسنده.
وفي مسند بقي والبزار أن رسول الله ﷺ قال: «لو أن أهل السموات والأرض اجتمعوا على قتل مسلم لأدخلهم الله النار أجمعين» «٢»
وقال ﵇: «من أعان في قتل امرئ مسلم بنصف كلمة جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله» «٣» .
وفي البخاري قال رسول الله ﷺ: «لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما» «٤»، هكذا رواه الأصيلي: من دينه، ورواه القابسي: من ذنبه.
وفي كتاب الخطابي: قال سفيان بن عيينة: نصف كلمة هو أن يقول أق أي: اقتل، وهذا كقول النبيّ ﷺ: «كفى بالسيف شا» «٥» أي شاهدا.
وفي غير كتاب الخطابي وقال ﵇: «من لقي الله لم يشرك به شيئا ولم يتندّ بدم مسلم كان حقا على الله أن يغفر له» «٦» .
وفي الخطابى وقال ﵇: «لا يزال المؤمن صالحا معنقا ما لم يصب دما حراما، فإذا أصاب دما حراما بلّح» «٧» .
وقال الخطابي: معنى بلح أعيا. ويقال: أعيا الفرس إذا انقطع جريه، وبلّح الغريم إذا أفلس.
_________
(١) رواه بن ماجه (٢٦١٩) من حديث البراء بن عازب ﵁. وإسناده صحيح. ورواه الترمذي (١٣٩٥) من حديث عبد الله بن عمرو. مرفوعا وموقوفا. وقال الترمذي والأصح موقوفا.
(٢) رواه الترمذي (١٣٩٨) من حديث أبي هريرة وأبي سعيد الخدري وقال هذا حديث غريب. ورواه الطبراني في الصغير (٥٦٦) . وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٧/ ٢٩٧) وقال: رواه الطبراني في الصغير. وفيه جسر بن فرقد ضعيف.
(٣) رواه ابن ماجه (٢٦٢٠) والبيهقي في السنن (٨/ ٢٢)، والعقيلي في الضعفاء (٤٥٧) وفي إسناده يزيد بن زياد الشامي. قال البخاري: منكر الحديث. وقال البيهقي: يزيد منكر الحديث. وأورده ابن الجوزي في الموضوعات (٢/ ١٠٤) من حديث أبي هريرة، وعمر، وأبي سعيد. وأعلها كلها.
(٤) رواه البخاري (٦٨٦٢) من حديث ابن عمر ﵄.
(٥) رواه أبو داود (٤٤١٧)، وابن ماجه (٢٦٠٦) من حديث عبادة بن الصامت ﵁ وإسناده ضعيف.
(٦) رواه الطبراني في الكبير (١٧/ ٣٣٩ و٣٥١) . وقال البيهقي في مجمع الزوائد (١/ ١٩): رواه الطبراني في الكبير. وإسناده حسن. من حديث جرير بن عبد الله البجلي ﵄.
(٧) رواه أبو داود (٤٢٧٠)، والبيهقي في السنن (٨/ ٢٢) من حديث أبي الدرداء ﵁. وهو حديث صحيح.
1 / 8
قال مالك- ﵀: من لقي الله (تعالى) ولم يشرك في دم مسلم لقي الله خفيف الظهر.
ونبدأ بأول أسباب الحكم في القتل: وهو السجن. اختلف أهل الأمصار هل سجن رسول الله ﷺ وأبو بكر ﵁ أحدا أم لا؟ فذكر بعضهم أنه لم يكن لهما سجن، ولا سجنا أحدا، وذكر بعضهم أن رسول الله ﷺ سجن في المدينة في تهمة دم. رواه عبد الرزاق والنسائي في مصنفيهما من طريق بهز بن حكيم عن أبيه عن جده.
وذكر أبو داود عنه في مصنفه قال: حبس رسول الله ﷺ ناسا من قومي في تهمة بدم «١» .
وبهز بن حكيم مجهول عند بعض أهل العلم، وأدخله البخاري في كتاب الوضوء، فدل أنه معروف.
وفي غير المصنف عن عبد الرزاق بهذا السند أن النبي ﷺ حبس رجلا في تهمة ساعة من نهار ثم خلى عنه «٢» .
ووقع في أحكام ابن زياد عن الفقيه أبي صالح أيوب بن سليمان: أن رسول الله ﷺ سجن رجلا أعتق شركا له في عبد فأوجب عليه استتمام عتقه، وقال في الحديث: حتى باع غنيمة له «٣» .
وفي كتاب ابن شعبان عن الأوزاعي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن رجلا قتل عبده متعمدا، فجلده النبيّ ﷺ مائة جلدة، ونفاه سنة، ولم يقده به، وأمره أن يعتق رقبة «٤» .
وقال ابن شعبان في كتابه: وقد رويت عن النبيّ ﷺ أنه حكم بالضرب والسجن. ومن غير كتاب ابن شعبان.
وثبت عن عمر بن الخطاب- ﵁ أنه كان له سجن، وأنه سجن الحطيئة على الهجو، وسجن صبيغا التميمي على سؤاله عن الذاريات والمرسلات والنازعات وشبههن، وأمر الناس بالتفقه، وضربه مرة بعد مرة، ونفاه إلى العراق وقيل: إلى البصرة، وكتب ألايجالسه أحد.
_________
(١) رواه أبو داود (٣٦٣٠)، والترمذي (١٤١٧)، والنسائي (٨/ ٦٧) من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده ﵁ وإسناده حسن.
(٢) رواه الحاكم في المستدرك (٤/ ١٠٢) وصححه. وقال في التلخيص: إبراهيم بن خثيم متروك؛ والعقيلي (١/ ٥٣) من حديث أبي هريرة ﵁. وإسناده ضعيف.
(٣) رواه ابن أبي شيبة في المصنف (٦/ ٤٨٦)، وعبد الرزاق في المصنف رقم (١٦٧١٦)، والبيهقي في السنن (١٠/ ٢٧٦) وهو حديث حسن.
(٤) رواه ابن أبي شيبة في المصنف (٩/ ٢٥٤)، والدارقطني (٣/ ١٤٣ و١٤٤) وفي إسناده إسماعيل بن عياش وهو ضعيف.
1 / 9
قال المحدث: فلو جاءنا ونحن مائة لتفرقنا عنه. ثم كتب أبو موسى إلى عمر أنه قد حسنت توبته، فأمره عمر فخلى بينه وبين الناس «١» .
وسجن عثمان بن عفان- ﵁ ضابئ بن الحارث وكان من لصوص بني تميم وفتاكهم حتى مات في السجن.
وسجن علي بن أبي طالب ﵁ بالكوفة.
وسجن عبد الله بن الزبير بمكة، وسجن أيضا في سجن دارم: محمد ابن الحنفية إذ امتنع من بيعته.
ووقع في كتاب الخطّابي عن علي بن أبي طالب- ﵁ أنه سجن، وأنه بنى سجنا من قصب، فسماه: نافعا، ففتقته اللصوص، ثم بنى سجنا من مدر وسماه: مخيسا، ثم قال: ألا تراني كيسا مكيسا بنيت بعد نافع مخيسا حصنا حصينا وأميرا كيسا.
وفي مصنف أبي داود عن النضر بن شميل عن هرماس بن حبيب عن أبيه عن جده قال:
أتيت النبيّ ﷺ بغريم لي فقال لي: «الزمه» . ثم قال: «يا أخا بني تميم ما تريد أن تصنع بأسيرك» «٢» .
واحتج بعض العلماء ممن يرى السجن بقول لله ﷿: فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا [النّساء: الاية ١٥] .
وبقول النبيّ ﷺ في الذي أمسك رجلا للاخر حتى قتله: «اقتلوا القاتل واصبروا الصابر» «٣» . وقال أبو عبيد: قوله اصبروا الصابر يعني احبسوا الذي حبسه للموت حتى يموت.
وكذلك ذكره عبد الرزاق في مصنفه عن علي بن أبي طالب: يحبس الممسك في السجن حتى يموت.
«باب حكم رسول الله ﷺ في المحاربين من أهل الكفر»
في البخاري ومسلم عن أنس بن مالك أن رسول الله ﷺ قدم عليه نفر من عكل، أو من عرينة، وفي مصنف عبد الرزاق من بني فزارة، قد ماتوا هزالا. وفي حديث آخر من بني سليم فأسلموا واجتووا المدينة فأمرهم رسول الله ﷺ أن يأتوا إبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها، ففعلوا وصحّوا وسمنوا، فارتدوا وقتلوا الراعي، واستاقوا الإبل، فبعث في آثارهم فما ترجّل
_________
(١) رواه البزار (٢٢٥٩) وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٧/ ١١٣) وقال: رواه البزار وفيه أبو بكر بن أبي سبرة متروك.
(٢) رواه أبو داود (٣٦٢٩) في الأقضية، وابن ماجه (٢٤٢٨) وإسناده ضعيف.
(٣) رواه أبو عبيد في الغريب عن إسماعيل بن أمية مرسلا، والدارقطني في السنن (٣/ ١٤٠) من حديث إسماعيل بن أمية مرسلا. وهو ضعيف.
1 / 10
النهار حتى جيء بهم، فأمر بهم رسول الله ﷺ: فقطّعت أيديهم وأرجلهم، وسملت أعينهم، ثم أمر بحبسهم حتى ماتوا «١» .
وفي حديث آخر: أمر بمسامير فأحميت، فكحّلهم، وقطع أيديهم وأرجلهم وما حبسهم، وألقوا في الحرّة يستسقون فما سقوا حتى ماتوا «٢» .
وفي حديث آخر: سمل أعينهم. قال أبو قلابة: سرقوا وقتلوا، وكفروا بعد أيمانهم، وحاربوا الله ورسوله «٣» .
قال سعيد بن جبير في مصنف عبد الرزاق، ومحمد بن سيرين في كتاب أبي عبيد: كان هذا قبل أن ينزل على النبيّ ﷺ في المائدة: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [المائدة:
الاية ٣٣] .
وفي البخاري ومسلم: كانوا ثمانية نفر، وسملوا أعين الرعاء. قاله أنس «٤» .
وفي مصنف عبد الرزاق: قلت لأنس: ما سمل؟ قال: تحرّ مرآة الحديد ثم تقرّب إلى عينيه حتى تذوبا «٥» .
«باب كيف يساق القاتل إلى السلطان وكيف يقرره على القتل»
في كتاب مسلم وعن سماك بن حرب أن علقمة بن وائل حدّثه أن أباه قال: إني لقاعد مع النبيّ ﷺ إذ جاء رجل يقود آخر بنسعة فقال: يا رسول الله هذا قتل أخي، فقال رسول الله ﷺ:
«أقتلته؟» فقال: إنه إن لم يعترف أقمت عليه البينة، قال: نعم قتلته. قال: «كيف قتلته؟»، قال:
كنت أنا وهو نختبط من شجرة فسبّني فأغضبني فضربته بالفأس على قرنه فقتلته. فقال رسول الله ﷺ: «هل لك من شيء تؤدّيه عن نفسك؟»، قال: ما لي مال إلا كسائي وفأسي. قال:
«أفترى قومك يشترونك؟» . قال: أنا أهون على قومي من ذلك. فرمي إليه بنسعته وقال: «دونك صاحبك» . فانطلق به الرجل فلما ولّيا قال رسول الله ﷺ: «إن قتله فهو مثله» . فبلغ الرجل ذلك فرجع فقال: يا رسول الله بلغني أنك قلت: «إن قتله فهو مثله»، وإنما أخذته بأمرك. فقال رسول الله ﷺ: «أما تريد أن يبوء بإثمك وإثم صاحبك؟» قال: يا نبيّ الله! لعلّه قال بلى، قال: «فإن ذاك كذاك» . قال: فرمى بنسعته، وخلّى سبيله «٦» .
_________
(١) رواه البخاري (٢٣٣) و(١٥٠١)، ومسلم (١٦٧١ و١٠ و١٢)، وأبو داود (٤٣٦٤)، والترمذي (٧٢) .
(٢) رواه البخاري (٦٨٠٤) من حديث أنس ﵁.
(٣) رواه البخاري (٣٠١٨) من حديث أنس ﵁.
(٤) رواه البخاري (٣٠١٨) .
(٥) رواه عبد الرزاق في المصنف (١٧١٣٢) من حديث أنس ﵁ موقوفا.
(٦) رواه مسلم (١٦٨٠) .
1 / 11
وفي حديث آخر نحوه وقال فيه: فلما أدبر به الرجل قال رسول الله ﷺ: «القاتل والمقتول في النار» . قال: فأتى رجل الرجل فأخبره بمقالة رسول الله ﷺ فخلى عنه «١» .
قال إسماعيل بن سالم: فذكرت ذلك لحبيب بن أبي ثابت قال: حدثني بن أشرع أن النبيّ ﷺ إنما سأله أن يعفو عنه فأبى.
وفي مسند ابن أبي شيبة في حديث وائل بن حجر الحضرمي كذلك أيضا وقال فيه رسول الله ﷺ لوليّ المقتول: «أتعفو عنه؟» قال: لا، قال: «أتأخذ الدية؟» قال: لا. قال: «فتقتله؟» قال: نعم. فأعاد عليه ثلاثا، فقال رسول الله ﷺ: «إن عفوت عنه يبوء بإثمه» «٢» .
وفي المسند أيضا في حديث أبي هريرة قال: قتل رجل على عهد رسول الله ﷺ، فرفع ذلك إلى رسول الله ﷺ فدفعه إلى وليّ المقتول فقال القاتل: يا رسول الله ما أردت قتله. فقال رسول الله ﷺ للولي: «أما إنه إن كان صادقا ثم قتلته دخلت النار» . قال: فخلّى سبيله، وكان مكتوفا بنسعة قال: فخرج يجر نسعته قال: فسمي: ذا النسعة «٣» .
وفي غير المسند قال رسول الله ﷺ: «عمد يد وخطأ قلب» وقع هذا في الواضحة.
وفي مصنف النسائي: والله يا رسول الله ما أردت قتله. فقال رسول الله ﷺ للولى: «إن كان صادقا فقتلته دخلت النار» . وكذلك ذكر النسائي: أن القاتل قال: يا رسول الله ما أردت قتله. ثم ذكر باقي الحديث كما في حديث أبي هريرة.
وذكر ابن إسحاق أن النبيّ ﷺ سار إلى الطائف على نخلة اليمانية ثم على قرن ثم على المليح ثم على حرة الرعاء من لبة فابتنى بها مسجدا وصلى فيه. وحدثني عمرو بن شعيب أنه أقاد يومئذ بحرة الرعاء بدم، وهو أول دم أقيد به في الإسلام رجل من بني ليث قتل رجلا من هذيل فقتله به.
قال في الواضحة: إنما قتله بالقسامة. وفي الواضحة والسير: أن محلم بن جثامة قتل عامر ابن الأضبط الأشجعي فأقسم ولاته ثم دعاهم رسول الله ﷺ إلى الدية فأجابوا فوداه رسول الله ﷺ بمائة من الإبل.
قال في السير: بخمسين. وقال: خمسين في سفرنا وخمسين إذا رجعنا. فلم يلبث محلّم إلا قليلا.
_________
(١) رواه مسلم رقم (١٦٨٠/ ٣٣) .
(٢) رواه أبو داود (٤٤٩٩) والنسائي (٤٧٢٤)، والبيهقي في السنن (٨/ ٦٠) .. وهو حديث صحيح.
(٣) رواه أبو داود رقم (٤٤٩٨)، والترمذي (١٤٠٧)، وابن ماجه (٢٦٩٠)، من حديث أبي هريرة ﵁. وهو حديث صحيح.
1 / 12
قال في السير: أقل من سبع حتى مات فدفن فلفظته الأرض.
قال في السير: وكان رسول الله ﷺ قد قال: «اللهم لا تغفر لمحلّم» ثلاثا، فلفظته الأرض ثلاث مرات «١»، فقال رسول الله ﷺ: «إن الأرض لتقبل من هو شر منه ولكن الله أراد أن يجعله لكم عبرة» . فألقوه بين ضوجي جبل فأكلته السباع «٢» .
«حكم رسول الله ﷺ فيمن قتل أحدا بحجر»
في البخاري عن أنس بن مالك أن يهوديا رضّ رأس جارية بين حجرين «٣»، وفي حديث آخر: خرجت جارية عليها أوضاح بالمدينة فرماها يهودي بحجر، فجيء بها إلى النبيّ ﷺ وبها رمق فقال لها رسول الله ﷺ: «أقتلك فلان؟» فأشارت برأسها: أن لا، ثم قال الثانية فأشارت برأسها: أن لا، ثم سألها الثالثة فأشارت برأسها أن نعم، فجيء باليهودي فلم يزل به حتى أقر، فرض رسول الله ﷺ رأسه بالحجر.
وفي حديث آخر فقتله بين حجرين «٤» .
وفي كتاب مسلم ومصنف عبد الرزاق: فأمر به رسول الله ﷺ أن يرجم (فرجم) حتى مات «٥» .
في هذا الحديث من الفقه أن يقتل القاتل بمثل ما قتل من حجر أو عصا أو خنق أو شبهه وهو قول مالك، بخلاف قول أهل العراق الذين يقولون: لا قود إلا بحديدة. وفيه أن الإشارة المفهومة كالكلام، وفيه أن يقتل الرجل بالمرأة.
«حكم رسول الله ﷺ فيمن ضرب امرأة حاملا فطرحت جنينها»
من الموطأ والبخاري ومسلم عن مالك عن ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة: أن امرأتين من هذيل رمت إحداهما الآخرى فطرحت جنينها، فقضى فيه رسول الله ﷺ بغرة «٦» عبد أو وليدة «٧» .
_________
(١) رواه أحمد في المسند (٦/ ١٠)، وأبو داود (٤٥٠٣)، والبيهقي في السنن (٩/ ٨١٦) وإسناده ضعيف.
(٢) رواه ابن كثير في البداية والنهاية (٤/ ٢٢٥ و٢٢٦) وإسناده ضعيف.
(٣) رواه البخاري (٢٤١٣) من حديث أنس ﵁.
(٤) رواه البخاري (٦٨٧٧)، وأبو داود (٤٥٢٧ و٤٥٢٨)، والترمذي (١٣٩٤) من حديث أنس.
(٥) رواه مسلم (١٦٧٢/ ١٦)، من حديث أنس ﵁.
(٦) الغرة عند الفقهاء ما بلغ ثمنه نصف عشر الدية من العبيد والإماء.
(٧) رواه البخاري (٥٧٥٨ و٥٧٥٩ و٥٧٦٠)، ومسلم (١٦١٨)، والموطأ (٢/ ٨٥٥)، والترمذي (١٤١٠)، وأبو داود (٤٥٧٦ و٤٥٧٧)، والنسائي (٨/ ٤٧ و٤٨) .
1 / 13
وفي حديث آخر في كتاب مسلم: فرمت إحداهما الآخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها، وفي حديث آخر: ضربتها بعمود فسطاطا وهي حبلى، وكانت ضرّتها فقتلتها فجعل النبيّ ﷺ دية المقتولة على عصبة القاتلة وغرة لما في بطنها. وفي كتاب النسائي: ضربت إحداهما الآخرى بمسطح فقتلتها وجنينها، فقضى رسول الله ﷺ في جنينها بغرة وأن تقتل بها. وكذلك ذكر غير النسائي أن النبيّ ﷺ قتلها مكانها. وقيمة الغرة التي قضى بها رسول الله ﷺ خمسون دينارا أو ستمائة درهم قاله قتادة وغيره، وبه قال مالك بن أنس، وفي مصنف عبد الرزاق عن عكرمة: أن اسم الهذلي الذي قتلت إحدى امرأتيه الآخرى: حمل بن مالك بن النابغة. واسم القاتلة: أم عفيف ابنة مسروح من بني سعد بن هذيل، والمقتولة: مليكة بنت عويمر من بني لحيان بن هذيل «١» .
وفي البخاري ما يدل أن النبيّ ﷺ لم يقتل الضاربة، وذلك أنه قال: حدثنا عبد الله بن يوسف عن الليث عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ: قضى في جنين امرأة من بني لحيان بغرة عبد أو وليدة ثم إن المرأة التي عليها بالغرة توفيت فقضى رسول الله ﷺ أن ميراثها لبنيها وزوجها وأن العقل على عصبتها «٢» .
«حكم رسول الله ﷺ في القسامة فيمن لم يعرف قاتله»
من موطأ مالك بن أنس عن أبي ليلى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سهل عن سهل بن أبي حثمة: أنه أخبره رجال من كبراء قومه: أن عبد الله بن سهل، ومحيّصة خرجا إلى خيبر من جهد أصابهما، فأتي محيصة، فأخبر أن عبد الله بن سهل قتل وطرح في فقير بئر بئر أو عين، فأتى يهود، فقال: أنتم والله قتلتموه، فقالوا: والله ما قتلناه، فأقبل حتى قدم على قومه فذكر لهم ذلك، ثم أقبل هو وأخوه حويصة، وهو أكبر منه وعبد الرحمن بن سهل: أخوه المقتول، فذهب محيصة ليتكلم وهو الذي كان بخيبر فقال رسول الله ﷺ لمحيصة: «كبّر كبّر»، يريد السن، فتكلم حويصة ثم تكلّم محيصة فقال رسول الله ﷺ: «إما أن يدوا «٣» صاحبكم أو يأذنوا بحرب من الله»، فكتب إليهم رسول الله ﷺ في ذلك، فكتبوا: إنا والله ما قتلناه، فقال رسول الله ﷺ لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن: «أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم؟» كذا روى يحيى بن يحيى «٤» .
وفي حديث ابن أبي ليلى وفي حديث يحيى بن سعيد خاصة: «وتستحقون دم صاحبكم أو قاتلكم» . وفي البخاري: «وتستحقون دم قاتلكم أو صاحبكم» . وفي مصنف أبي داود: «دم
_________
(١) رواه عبد الرزاق في المصنف رقم (١٨٣٥٦) من كلام عكرمة ﵁.
(٢) رواه البخاري (٦٧٤٠) من حديث أبي هريرة ﵁.
(٣) يدوا: أي يعطوا الدية.
(٤) رواه مالك في الموطأ (٢٣٥٢ و٢٣٥٣) في القسامة وإسناده صحيح.
1 / 14
صاحبكم» وتكرر فقالوا: لا. وفي حديث آخر: لم نشهد ولم نحضر، فقال رسول الله ﷺ:
«فتحلف لكم يهود»، وفي حديث آخر: «فتبريكم يهود بخمسين يمينا» . فقالوا: يا رسول الله ليسوا بمسلمين. وفي حديث آخر: كيف نقبل أيمان قوم كفار، فوداه رسول الله ﷺ من عنده فبعث إليهم بمائة ناقة حتى أدخلت عليهم الدار. قال سهل: لقد ركضتني منها ناقة حمراء. وتكرر الحديث في كتاب مسلم وقال فيه: «تستحقون صاحبكم أو قاتلكم»، وذكر من طريق مالك: «دم صاحبكم» مثل رواية يحيى، وفي حديث آخر قال رسول الله ﷺ: «يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته» . وفي البخاري ومسلم: فوداه رسول الله ﷺ من إبل الصدقة، وفي كتاب أبي داود والمصنف: فألقى رسول الله ﷺ ديته على اليهود لأنه وجد بينهم. وفي البخاري أيضا فقال رسول الله ﷺ: «تأتون بالبينة على من قتله»، قالوا: ما لنا بينة، قال: «يحلفون»، قالوا: لا نرضى بأيمان اليهود. فكره رسول الله ﷺ أن يبطل دمه فوداه من إبل الصدقة، وفي مصنف عبد الرزاق: أن النبيّ بدأ بيهود فأبوا أن يحلفوا فرد القسامة على الأنصار، فأبوا أن يحلفوا فجعل رسول الله ﷺ العقل على اليهود وحويصة ومحيصة ابنا عم القتيل وعبد الرحمن أخوه، وفي مصنف عبد الرزاق:
وهو أول من كانت فيه القسامة في الإسلام «١» .
في هذا من الفقه: القتل بالقسامة لقوله ﵇: «أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم» .
وفي الحديث الاخر في كتاب مسلم: «فيدفع برمته»، وفيه تبدية المدعين بالأيمان بخلاف الحقوق، وفيه ألايقضى بالنكول دون رد الأيمان، وفيه محاربة أهل الذمة إذا منعوا حقا، وفيه أن من بعد عن السلطان ألايشخص ويكتب إلى الموضع الذي هو به، وفيه إباحة كتاب القاضي بغير شهود، وفيه القضاء على الغائب بخلاف قول أهل العراق، وفيه ألايحلف في القسامة رجل واحد، وفيه الحكم على أهل الذمة بحكم الإسلام وإنما أعطى النبيّ ﷺ الدية من إبل الصدقة من حق الغارمين الذين جعل الله ﷿ لهم سهما في الصدقة إذا لم يتيقن أن يهوديا قتله، وفيه أن يعطي الرجل من الزكاة أكثر من نصاب.
واتفق مالك والشافعي رحمهما الله تعالى على تبدية المدعين الدم بالقسامة إلا أنه لا يقسم عند الشافعي بقول الميت: دمي عند فلان وقال: إذا كانت بين المدعين والمدعى عليهم عداوة كما كانت بين اليهود والمسلمين وجبت القسامة وإلا فلا. وقال ابن لبابة: قول النبيّ ﷺ «لو يعطى الناس بدعواهم لا دعى قوم دماء قوم وأموالهم» «٢» يبطل التدمية.
وفي مسند البزار: أن قوما احتفروا بئرا بأرض اليمن فسقط فيها الأسد فأصبحوا ينظرون
_________
(١) رواه البخاري (٣١٧٣) و(٦١٤٣) و(٦٨٩٨) ومسلم (١٦٦٩)، وأبو داود (٤٥٢٠ و٤٥٢١ و٤٥٢٣)، والترمذي (١٤٢٢)، والنسائي (٨/ ٥ و١٢) باب تبرئة أهل الدم في القسامة.
(٢) رواه البخاري (٤٥٥٢)، ومسلم (١٧١١)، وأبو داود (٣٦١٩)، والنسائي (٨/ ٢٤٨)، والترمذي (١٣٤٣) من حديث ابن عباس ﵄.
1 / 15
فوقع رجل في البئر فتعلق برجل آخر فتعلق الاخر باخر حتى كانوا أربعة، فسقطوا جميعا فجرحهم الأسد فقتله رجل برمحه فقال الناس للأول: أنت قتلت أصحابنا وعليك ديتهم فأبى، فتحاكموا إلى علي بن أبي طالب فقال: إجمعوا ممن حفر البئر من الناس ربع دية. وثلث دية.
ونصف دية ودية كاملة، للأول ربع دية لأنه هلك فوقه ثلاثة. وللثاني ثلث دية لأنه هلك فوقه إثنان، وللثالث نصف دية لأنه هلك فوقه واحد، وللاخر الدية تامة، فأتوا رسول الله ﷺ العام المقبل فقصّوا عليه فقال رجل منهم: إن عليّ بن أبي طالب قضى بيننا بكذا، فقال النبيّ ﷺ:
«هو ما قضى بينكم» «١» .
«حكم رسول الله ﷺ فيمن تزوج امرأة أبيه» وإرساله عليّ بن أبي طالب إلى ابن عم مارية ليقتله إن وجده عندها، فوجده مجبوبا لا ذكر له فتركه
وفي كتاب النسائي ومسند ابن أبي شيبة قال البراء: لقيت خالي أبا بردة ومعه الراية فقال:
أرسلني رسول الله ﷺ إلى من تزوج امرأة أبيه، وفي كتاب النسائي: إلى رجل يأتي امرأة أبيه أن أقتله «٢» . وفي غير الكتابين أن جئ برأسه واستفئ ماله. وفي كتاب الصحابة لابن السكن، وذكره أيضا ابن أبي خيثمة: أن خالد بن أبي كريمة حدث عن معاوية بن قرة عن أبيه: أن النبيّ ﷺ بعث أباه جد معاوية إلى رجل عرّس بامرأة أبيه، فضرب عنقه وخمّس ماله، قال يحيى بن معين:
هذا حديث صحيح «٣» .
وفي كتاب ابن السكن وكتاب ابن أبي خيثمة أن ابن عم مارية أم ولد رسول الله ﷺ كان يتهم بها فقال النبيّ ﷺ لعلي بن أبي طالب: «اذهب فإن وجدته عند مارية فاضرب عنقه» . فأتاه علي فإذا هو في ركيّ يتبرّد فيها، فقال له عليّ: هات يدك، فناوله يده فأخرجه فإذا هو مجبوب لبس له. ذكر فكفّ عنه علي ثم أتى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله إنه مجبوب ما له ذكر «٤» . رواه
_________
(١) رواه البزار (١٥٣٢)، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٦/ ٢٨٧) وقال رواه البزار. وقال في آخره لا يروى عن علي إلا بهذا الإسناد. قلت ولم يقل عن علي يعني أن حنشا لم يقل عن علي. وفي إسناده حنش بن المعتمر قال البخاري- يتكلمون في حديثه. وقال النسائي ليس بالقوي. وقال أبو حاتم ليس أراهم يحتجون بحديثه.
(٢) رواه أحمد في المسند (١٨٥٥٧)، وابن أبي شيبة (١٠/ ١٠٤ و١٠٥)، والنسائي (٦/ ١٠٩)، والترمذي (١٣٦٢)، وأبو داود (٤٤٥٧) من حديث البراء ﵁. وإسناده حسن.
(٣) رواه النسائي في الكبرى (٧٢٧٤)، والبيهقي في السنن (٨/ ٢٠٨)، وابن ماجه (٢٦٠٨) من حديث معاوية بن قرة عن أبيه ﵁. وإسناده صحيح.
(٤) رواه أحمد في المسند (٣/ ٢٨١) (١٣٩٨٩)، ومسلم (٢٧٧١ و٥٩) من حديث أنس ﵁. ورواه الطحاوي في مشكل الاثار (٤٩٥٣)، وأبو نعيم في الحلية (٧/ ٩٣) من حديث علي ﵁. وإسناده حسن.
1 / 16
ثابت البناني عن أنس، وفي حديث آخر فوجده في نخلة يجمع تمرا وهو ملفوف بخرقة فلما رأى السيف ارتعد وسقطت الخرقة فإذا هو مجبوب لا ذكر له.
«حكم رسول الله ﷺ في القتيل يوجد بين قريتين»
في مسند ابن أبي شيبة عن أبي سعيد قال: وجد قتيل بين قريتين فأمر النبيّ ﷺ فذرع ما بينهما فوجد إلى أحدهما أقرب فكأني أنظر إلى شبر النبيّ ﷺ فألقاه على أقربهما «١»، وفي مصنف عبد الرزاق قال عمر بن عبد العزيز: قضى رسول الله ﷺ فيما بلغنا في القتيل يوجد بين ظهراني ديار قوم أن الأيمان على المدّعى عليهم، فإن نكلوا حلف المدّعون واستحقوا، فإن نكل الفريقان، كانت الدية على المدعى عليهم وبطل النصف إذا لم يحلفوا «٢» .
«حكم رسول الله ﷺ بالقصاص بالجرح»
وقوله: ألايقاد من جرح إلا بعد البرء في مصنف عبد الرزاق عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب قال: قضى رسول الله ﷺ في رجل طعن آخر بقرن في رجله فقال: يا رسول الله أقدني، فقال: «حتى تبرأ جراحك»، فأبى الرجل إلا أن يستقيد، فأقاده النبيّ ﷺ. فصح المستقاد منه وعرج المستقيد فقال: عرجت وبرأ صاحبي: فقال النبيّ ﷺ: «ألم آمرك أن لا تستقيد حتى تبرأ جراحك فعصيتني فأبعدك الله ﷿، وبطل عرجك» . ثم أمر رسول الله ﷺ من كان به جرح بعد الرجل الذي عرج ألايستفاد منه حتى يبرأ جرح صاحبه فالجرح على ما بلغ حتى يبرأ، فما كان من شلل أو عرج فلا قود فيه، وهو عقل، ومن استقاد بجرح فأصيب المستقاد منه فعقل ما فضل من ديته على جرح صاحبه له «٣»
قال عطاء بن أبي رباح: الجروح قصاص. وليس للإمام أن يضربه ولا يسجنه إنما هو القصاص، وما كان ربك نسيا، ولو شاء لأمر بالضرب والسجن.
وقال مالك: يقتص منه ويعاقب لجراءته.
«حكم رسول الله ﷺ في السن وما لم ير فيه قصاصا»
في البخاري ومسلم عن أنس بن مالك: أن ابنة النضر أخت الرّبيّع لطمت جارية فكسرت
_________
(١) رواه أحمد في المسند (٣/ ٣٩) و(١١٣٤١)، والبزار (١٥٣٤)، والعقيلي في الضعفاء (١/ ٧٦)، والبيهقي في السنن (٨/ ١٢٦) . وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٦/ ٢٩٠) وقال: رواه أحمد والبزار. وفيه عطية العوفي ضعيف. نقول: وفي إسنادهما أيضا أبو إسرائيل الملائي الكوفي ضعيف.
(٢) رواه عبد الرزاق في المصنف (١٨٢٩٠) عن ابن جريج، قال: أخبرني عبد العزيز بن عمر أن عمر وذكره ... بلاغا.
(٣) رواه عبد الرزاق في المصنف (١٧٩٩١)، والبيهقي في السنن (٨/ ٦٨)، والدارقطني (٣/ ٨٨) من طريق محمد بن حمدان، عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. وسنده حسن.
1 / 17
ثنيتها. وفي حديث آخر في كتاب مسلم: سحلت أسنانها، فاختصموا إلى رسول الله ﷺ، فأمر بالقصاص، فقالت أم الربيع: يا رسول الله أيقتص من فلانة؟ والله لا يقتص منها. فقال النبيّ ﷺ: «سبحان الله يا أم الربيع القصاص في كتاب الله» . قالت: والله لا يقتص منها أبدا، قالت: فما زالت حتى قبلوا الدية، فقال رسول الله ﷺ: «إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره» «١» .
وفي الكتابين: أن رجلا عضّ يد رجل، فنزع يده من فيه فوقعت ثنّيتاه، فاختصموا إلى رسول الله ﷺ فقال: «يعص أحدكم أخاه كما يعض الفحل؟ لا دية لك» «٢» .
وفي مصنف أبي داود قضى رسول الله ﷺ في العين القائمة السادة لمكانها بثلث الدية «٣» .
وفي المدونة والموطأ عن زيد بن ثابت بمائة دينار «٤»، وقال مالك: ليس فيها إلا الاجتهاد «٥»
«حكم رسول الله ﷺ فيمن أقر بالزنا وهو محصن»
في موطأ مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، أنه قال: إن رجلا من أسلم جاء إلى أبي بكر الصديق، فقال له: إن الاخر قد زنى، فقال له أبو بكر: هل ذكرت ذلك لأحد غيري؟ فقال: لا. فقال له أبو بكر: فتب إلى الله واستتر يستر الله عليك، فإن الله يقبل التوبة عن عباده. فلم تقرره نفسه حتى جاء إلى عمر بن الخطاب، فقال له مثل ما قال لأبي بكر، فقال له عمر مثل ما قال له أبو بكر، فلم تقرره نفسه حتى أتى إلى رسول الله ﷺ فقال له: إن الاخر زنى، قال سعيد: فأعرض عنه رسول الله ﷺ ثلاث مرات. كل ذلك يعرض عنه رسول الله ﷺ حتى إذا أكثر عليه، بعث رسول الله ﷺ إلى أهله: «أجنة يشتكي؟ أبه جنون؟» فقالوا: لا والله يا رسول الله إنه لصحيح. فقال له رسول الله ﷺ: «أبكر أم ثيب؟» فقال: بل ثيب يا رسول الله.
فأمر به رسول الله ﷺ فرجم «٦» .
ووقع في البخاري، أخبرنا محمود، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري عن أبي سلمة، عن جابر: أن رجلا من أسلم جاء إلى رسول الله ﷺ فاعترف بالزنا، فأعرض عنه النبيّ ﷺ حتى شهد على نفسه أربع مرات، فقال له النبيّ ﷺ: «أبك جنون؟» قال: لا، قال:
_________
(١) رواه البخاري رقم (٢٧٠٣) و(٢٨٠٦)، ومسلم (١٦٧٥) .
(٢) رواه البخاري (٦٨٩٢)، ومسلم (١٦٧٣) من حديث عمران بن حصين ﵁.
(٣) رواه أبو داود (٤٥٦٧)، والنسائي (٨/ ٥٥) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. وسنده حسن.
(٤) رواه مالك في الموطأ (٢٢٦٦) في القسامة من كلام زيد بن ثابت ﵁ موقوفا.
(٥) رواه مالك في الموطأ (٢٢٦٧) من كلام مالك بن أنس ﵀ موقوفا عليه.
(٦) رواه مالك في الموطأ (١٧٥٦) في الحدود، وهو حديث مرسل. ويشهد له ما بعده.
1 / 18
«أحصنت؟» قال: نعم، فأمر به فرجم في المصلّى، فلما أذلقته الحجارة فرّ فأدرك فرجم حتى مات فقال النبي ﷺ خيرا وصلّى عليه. ولم يقل يونس ولا ابن جريج عن الزهري: وصلى عليه «١» .
وفي كتاب مسلم: فرده أربع مرات، وفي حديث آخر: فرده مرتين. وفي حديث آخر:
فرده مرتين أو ثلاثا، ثم قام رسول الله ﷺ خطيبا من العشي قال: «أو كلما انطلقنا غزاة في سبيل الله تخلّف رجل في عيالنا له نبيب كنبيب التيس، عليّ ألاأوتي برجل فعل ذلك إلا نكلت به» . قال: فما استغفر ولا سبه «٢» .
وفي حديث آخر فلبثوا يومين أو ثلاثة ثم جاء رسول الله ﷺ والناس جلوس فقال:
«استغفروا لماعز بن مالك» . فقالوا: غفر الله لماعز بن مالك، قال: فقال رسول الله ﷺ: «لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم» . وفي مصنف أبي داود: «والذي نفسي بيده إنه الان لفي أنهار الجنة ينغمس فيها» «٣» .
وفي الموطأ لمالك، عن يعقوب بن زيد، بن طلحة عن أبيه زيد بن طلحة عن عبد الله بن أبي مليكة، أنه أخبره: أن امرأة جاءت إلى رسول الله ﷺ فأخبرته أنها زنت، وهي حامل. فقال النبيّ ﷺ: «اذهبي حتى تضعيه»، فلما وضعته جاءت، فقال لها رسول الله ﷺ: «اذهبي حتى ترضعيه» . فلما أرضعته جاءته فقال: «اذهبي فاستودعيه» . ثم قال: فاستودعته ثم جاءت فأمر بها فرجمت «٤» .
وفي كتاب مسلم فأمر رسول الله ﷺ فحفر لها حفرة إلى صدرها، ثم رجمت وصلى عليها فقال له عمر: تصلي عليها يا رسول الله وقد زنت! قال: «لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم. وهل أفضل من أن جادت بنفسها لله» . وفي كتاب النسائي: وحضر رسول الله ﷺ رجمها ورماها بحجر قدر الحمصة وهو راكب على بغلته «٥» .
وفي حديث الموطأ من الفقه: أن من أقر بالزنا مرة واحدة أقيم عليه الحد، ولا ينتظر أن يقر أربع مرات، وألايجلد من وجب رجمه، وأن المجنون لا يلزمه إقراره بدليل قول النبيّ ﷺ: «أبه جنة؟» .
«حكم رسول الله ﷺ على اليهود بالرجم في الزنا»
في الموطأ مالك، عن نافع، عن ابن عمر، أنه قال: إن اليهود جاؤوا إلى رسول الله ﷺ
_________
(١) رواه البخاري (٦٨٢٠)، ومسلم (١٧٠١) من حديث جابر بن عبد الله ﵄.
(٢) رواه مسلم (١٦٩٢)، وأبو داود (٤٤٢٢) من حديث جابر بن سمرة ﵁.
(٣) رواه مسلم (١٦٩٥)، وأبو داود (٤٤٣٣) من حديث بريدة ﵁.
(٤) رواه مالك في الموطأ (٢/ ٨٢١) و(١٧٥٩) في الحدود، وهو مرسل ولكن يشهد له ما بعده.
(٥) رواه مسلم (١٦٩٦) . وأبو داود (٤٤٤٠) من حديث عمران بن الحصين ﵁.
1 / 19
فذكروا أن رجلا منهم وامرأة قد زنيا، فقال لهم رسول الله ﷺ: «ما تجدون في التوراة في شأن الرجم» . فقالوا: نفضحهم ويجلدون. فقال عبد الله بن سلام: كذبتم إن فيها آية الرجم، فأتوا بالتوراة، فأتوا بالتوراة فنشروها، فوضع أحدهم يده على آية الرجم، ثم قرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك، فرفع يده، فإذا فيها آية الرجم، فأمر بهما رسول الله ﷺ فرجما، فقال عبد الله بن عمر: فرأيت الرجل يحني على المرأة يقيها الحجارة. قال مالك:
معنى يحني ظهره: يكب عليها حتى تقع الحجارة عليه «١» .
وذكر البخاري ومسلم نحوه «٢» وفي كتاب النسائي عن ابن عباس أنه قال: الرجم في كتاب الله ﷿ حق، ولا يغوص عليه إلا غوّاص «٣» قوله تعالى يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ [المائدة: الاية ٦٥] . وقال مالك في غير الموطأ: لم يكن اليهوديان أهل ذمة. وذكر البخاري أنهما أهل ذمة، ووقع في معاني القرآن للزجاج: أن الزنا كثر في أشراف اليهود بخيبر، وكان في التوراة أن على المحصنين الرجم، فزنى رجل وامرأة فطمعت اليهود أن يكون نزل على النبيّ ﷺ الجلد على المحصنين، وهي تأويل قول الله ﷿: يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ [المائدة: الاية ٤١] . يقولون: إن أوتيتم هذا فخذوه أي أوتيتم هذا الحكم المحرّف فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا.
وفي مصنف أبي داود، نا يحيى بن موسى البلخي، نا أبو أسامة عن مجالد، عن عامر، عن جابر بن عبد الله قال: جاءت يهود برجل وامرأة منهم زنيا فقال: «ايتوني بأعلم الرجلين منكم»، فأتوه بابني صوريا، فناشدهما الله كيف تجدان أمر هذين في التوراة فقالا: نجد في التوراة أنه إذا شهد أربعة أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة رجما، قال: «فما يمنعكما أن ترجموهما»، قالا: ذهب سلطاننا فكرهنا القتل. فدعا رسول الله ﷺ بالشهود فجاء أربعة فشهدوا فأمر رسول الله ﷺ برجمهما. وفي حديث آخر بأربعة منهم، وفي رواية أخرى قال لليهود: «ايتوني بأربعة منكم»، ويقال إن مجالدا غير مقبول الحديث وإنما رجمهما النبيّ ﷺ بغير شهادة اليهود إما بوحي أو بشهادة مسلمين أو بإقرارهما «٤» .
في مسند البزار أنهم أتوا النبيّ ﷺ بابني صوريا فقال لهما رسول الله ﷺ: «أنتما أعلم من وراءكما؟» فقالا: كذلك يزعمون، فناشدهما بالله الذي أنزل التوراة على موسى كيف تجدان أمر
_________
(١) رواه مالك في الموطأ (١٧٥٥) في الحدود وهو حديث صحيح.
(٢) رواه البخاري (٦٨١٩)، ومسلم (١٦٩٩) من حديث ابن عمر ﵄.
(٣) رواه الحاكم في المستدرك (٤/ ٣٥٩) وصححه الحاكم. وقال في التلخيص: صحيح.
(٤) رواه أبو داود (٤٤٥٢) من حديث جابر ﵁. وهو حديث صحيح.
1 / 20
هذين في توراة الله قالا: نجد فيها إذا وجد الرجل مع المرأة في بيت فهي ريبة فيها عقوبة، فإذا وجد في ثوبها أو على بطنها فهي ريبة فيها عقوبة، وإذا شهد أربعة ثم ذكر باقي الحديث كما ذكره انتهى «١» .
وفي الحديث من الفقه أن اليهود إذا رضوا بحكم الإسلام حكم بينهم إن أحب بغير رأي أساقفتهم، وألايحفر للمرجوم لأنه لو حفر لليهودي لم يقدر أن يحني على المرأة ليقيها الحجارة. وبهذا أخذ مالك ألايحفر له، وقال بعض أصحابه: الإمام مخير إن شاء حفر له وإن شاء لم يحفر له، وألاجلد على المرجوم. وفي مصنف أبي داود وكتاب الشرف أن رسول الله ﷺ قضى في رجل وطئ جارية امرأته وكانت أحلتها له بجلد وإن لم تكن أحلتها له برجم «٢» .
«حكم رسول الله ﷺ» في نقض الصلح الحرام وإقامة الحد على الزاني البكر وعلى المريض وصفة السوط
في الموطأ مالك عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن أبي هريرة، وزيد بن خالد الجهني، أنهما أخبراه أنّ رجلين اختصما إلى رسول الله ﷺ فقال أحدهما: يا رسول الله، اقض بيننا بكتاب الله، وقال الاخر، وهو أفقههما: أجل يا رسول الله فاقض بيننا بكتاب الله وائذن لي في أن أتكلم. قال: «تكلم»، قال: إن ابني كان عسيفا على هذا فزنى بامرأته. فأخبروني أن على ابني الرجم، فافتديت منه بمائة شاة وجارية لي ثم إني سألت أهل العلم فأخبروني أنما على ابني: جلد مائة، وتغريب سنة، وإنما الرجم على امرأته، فقال رسول الله ﷺ: «أما والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله ﷿، أما غنمك وجاريتك فردّ عليك»، وجلد ابنه مائة، وغرّبه عاما، وأمر أنيسا الأسلمي أن يأتي امرأة الاخر فإن اعترفت رجمها. فاعترفت فرجمها «٣» .
قال مالك: العسيف: الأجير. قال بعض العلماء: معنى قول النبيّ ﷺ: «لأقضين بينكما بكتاب الله» أي بحكم الله الذي هو وحي ليس بقرآن بقول الله ﷿: أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ [القلم: الاية ٤٧] . أي يحكمون. وقيل: إن ذلك من مجمل القرآن في قوله ﷾: وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ [النّور: الاية ٨] . وهي التي يرميها زوجها، فأبان رسول الله ﷺ فعله أن ذلك العذاب الرجم على الزاني المحصن.
_________
(١) رواه البزار (١٥٥٨)، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٦/ ٢٧١) وقال رواه البزار من طريق مجالد عن الشعبي. وقد صححها ابن عدي أقول مجالد بن سعيد ضعيف. ويشهد له ما قبله.
(٢) رواه أبو داود (٤٤٥٩) وإسناده ضعيف.
(٣) رواه مالك في الموطأ (١٧٦٠) في الحدود، والبخاري (٦٦٣٣ و٦٦٣٤)، وأبو داود (٤٤٤٥)، والترمذي (١٤٣٣) من حديث أبي هريرة ﵁.
1 / 21
وفي الحديث من الفقه: نقض الصلح الحرام، والتوكيل على إقامة الحد، بخلاف قول أبي حنيفة الذي لا يجيز الوكالة على الحدود إلا على إقامة البينة خاصة، وإقرار الزاني مرة واحدة، وألايجلد من وجب رجمه، وسؤال عالم وثم أعلم منه. وأن من رمى امرأة غيره بالزنا أن السلطان يبعث إليها فإن أقرت حدّت وبرئ الرامي الذي رماها، وإن أنكرت جلد الذي رماها الحد. وإجازة خبر الواحد في الأحكام والأعذار إلى المحكوم عليه، وتغريب الزاني البكر ولا تغريب على النساء ولا على العبيد لأن النساء عورة والعبيد سلعة. وتأوّل البخاري أن التغريب النفي فترجم الباب في كتابه: البكران يجلدان وينفيان.
وقال النسائي في صون النساء عن مجلس الحكم في الموطأ مالك عن زيد بن أسلم: أن رجلا اعترف على نفسه بالزنا على عهد رسول الله ﷺ فدعا رسول الله ﷺ بسوط فأتي بسوط مكسور فقال: «فوق هذا»، فأتي بسوط جديد، لم تقطع ثمرته فقال: «دون هذا»، فأتي بسوط قد ركب به ولان، فأمر به رسول الله ﷺ فجلد. ثم قال: «أيها الناس قد آن لكم أن تنتهوا عن حدود الله، من أصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله، فإنه من يبدي صفحته نقم عليه كتاب الله» «١» . قوله لم تقطع ثمرته يعني طرفه، والثمرة الطرف.
وقوله ﵇: «من أصاب من هذه القاذورات» يعني جميع المعاصي كالزنا والخمر وشبه ذلك.
وفي كتاب أبي عبيد: أن سعد بن عبادة أتي رسول الله ﷺ برجل كان في الحيّ مخدّج سقيم وجد على أمة من إمائهم يخبث بها فقال النبيّ ﷺ: «خذوا له عثكالا فيه مائة شمراخ فاضربوه به ضربة» «٢» . وفي شرح الحديث لابن قتيبة: اجلدوه، قالوا: نخاف أن يموت. قال:
اجلدوه بعثكال. والعثكال: الكباسة، وأهل المدينة يسمونه العذق وهو العرجون هذا في الأحكام لإسماعيل وهذا خاص.
«حكم رسول الله ﷺ» في حد القذف والخمر وما روي عنه في اللواط
في كتاب النسائي عن عائشة ﵂ قالت: لما نزل عذري قام النبيّ ﷺ على المنبر فذكر ذلك، وتلا ما أنزل الله، فلما نزل من المنبر أمر بالرجلين والمرأة فضربوا حدهم «٣» .
وفي البخاري عن عروة: لم يسم من أهل الإفك إلا: حسان ومسطح وحمنة بنت جحش
_________
(١) رواه مالك في الموطأ (١٧٦٩) في الحدود وهو حديث مرسل.
(٢) رواه أحمد في المسند (٥/ ٢٢٢)، والبيهقي في السنن (٨/ ٢٣٠) وإسناده صحيح.
(٣) رواه أبو داود (٤٤٧٤ و٤٤٧٥)، والترمذي (٣١٨١) من حديث عائشة ﵂. وهو حديث حسن.
1 / 22
في أناس آخرين لا علم لي بهم غير أنهم عصبة- كما قال الله ﷿ والذي تولى كبره منهم «١» وهو: عبد الله بن أبي بن سلول.
لم يثبت عن النبيّ ﷺ أنه رجم في اللواط، ولا أنه حكم فيه. وثبت عنه أنه قال: «اقتلوا الفاعل والمفعول به» «٢» . رواه ابن عباس وأبو هريرة. وفي حديث أبي هريرة: «أحصنا أو لم يحصنا» «٣» .
وحكم به أبو بكر الصديق، وكتب به إلى خالد بعد مشورة خير القرون وكان أشدّهم في ذلك علي بن أبي طالب، وروي عن أبي بكر الصديق أنه حرقهم بالنار قال ابن عباس: بعد أن رجمهم. قال ابن عباس: وإن كان غير محصن رجم «٤»، وذكر ابن القصار أن الصحابة اجتمعوا على ذلك وأن أبا بكر قال: يرميان من شاهق. وأن علي بن أبي طالب هدم عليهما حائطا، وما وقع في المصنفات المشهورة أن النبيّ ﷺ ما قتل مرتدا ولا زنديقا وثبت عنه أنه ﵇ قال: «من غيّر دينه فاقتلوه» «٥» .
وقتل أبو بكر امرأة يقال لها أم قرفة ارتدت بعد إسلامها.
في البخاري عن عقبة بن الحارث قال: جيء بالنعمان أو بابن النعمان إلى النبيّ ﷺ وهو سكران فشق عليه، وأمر من في البيت أن يضربوه، فضربوه بالجريد والنعال فكنت فيمن شهد ضربه «٦» . وقال أنس: جلد النبيّ ﷺ في الخمر بالجريد والنعال، وجلد أبو بكر أربعين «٧» . وقال السائب بن يزيد: كنا نؤتى بالشارب على عهد رسول الله ﷺ وأمارة أبي بكر وصدر من خلافة عمر فنقوم إليه بأيدينا ونعالنا وأرديتنا حتى كان آخر إمرة عمر فجلد أربعين، حتى إذا عتوا وفسقوا جلد ثمانين «٨»، هكذا وقع في كتاب الحدود.
_________
(١) رواه البخاري (٤٧٥٧) من حديث عائشة ﵂.
(٢) رواه أحمد في المسند (٢٧٣٣)، والحاكم (٤/ ٣٥٥)، والبيهقي في السنن (٨/ ٢٣٣) من حديث ابن عباس ﵄. وفي إسناده عباد بن منصور: ضعيف لسوء حفظه وتدليسه وتغيره. قال أبو حاتم: نرى أنه أخذ هذه الأحاديث عن إبراهيم بن أبي يحيى عن داود بن حصين عن عكرمة عن ابن عباس- يعني كان يدلسها- بإسقاط رجلين.
(٣) رواه ابن ماجه (٢٥٦٢)، والحاكم (٤/ ٣٥٥) من حديث أبي هريرة ﵁. وإسناده ضعيف.
(٤) رواه البيهقي في السنن (٨/ ٢٣٢) . وهو حديث مرسل. وانظر الترغيب والترهيب للمنذري (ج/ ٣/ ٢٨٦) .
(٥) رواه أحمد في المسند (١/ ٢١٧ و٢١٩)، والبخاري (٣٠١٧)، وأبو داود (٤٣٥١)، والترمذي (١٤٥٨)، والبيهقي (٨/ ١٩٥) من حديث ابن عباس ﵄.
(٦) رواه البخاري (٦٧٧٥) .
(٧) رواه البخاري (٦٧٧٣) و(٦٧٧٦) .
(٨) رواه البخاري (٦٧٧٩) من حديث السائب بن يزيد ﵁.
1 / 23
وقع في مناقب عثمان أنه دعا عليا فجلد الوليد بن عقبة ثمانين، ووقع في موضع آخر في حديث عثمان بن عفان حين شهد عنه حمران، ورجل آخر على الوليد بن عقبة. شهد حمران:
أنه شرب الخمر. وشهد الاخر: أنه رآه يتقيأها. فقال عثمان: إنه لم يتقيأها حتى شربها. فقال:
يا علي قم فاجلده. فقال علي: قم يا حسن فاجلده. فقال الحسن: ولّ حارّها من تولّى قارّها.
فكأنه وجد عليه، فقال: يا عبد الله بن جعفر قم فاجلده. فجلده وعلي يعد حتى بلغ أربعين، فقال: أمسك قد جلد النبيّ ﷺ أربعين وأبو بكر أربعين وعمر ثمانين وكل سنّة وهذا أحب إليّ «١» . وأخذ الشافعي بأربعين.
وفي مصنف عبد الرزاق أن النبيّ ﷺ جلد فيها ثمانين «٢» وهي الحدود التي لله ﷿ ولا يجوز العفو عنها: قتل المرتد والزنديق والسارق، ومن سب الله أو رسوله أو عائشة والمحارب، وحد الزنا والسرقة والخمر واللواط، واختلف في القذف إذا بلغ الإمام.
«حكم رسول الله ﷺ في السارق يسرق مرارا»
في موطأ مالك، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله ﷺ قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم «٣» . مالك، عن ابن شهاب، عن صفوان بن عبد الله بن صفوان، أن صفوان بن أمية قيل له: من لم يهاجر هلك، فقدم صفوان بن أمية المدينة، فنام في المسجد، وتوسّد رداءه، فجاء سارق فأخذ رداءه، فأخذ صفوان السارق، فجاء به إلى رسول الله ﷺ، فأمر به رسول الله ﷺ أن تقطع يده، فقال صفوان: إني لم أرد هذا يا رسول الله، هو عليه صدقة. فقال رسول الله ﷺ:
«فهلّا قبل أن تأتيني به» «٤» .
وفي كتاب النسائي عن ابن محيريز قال: سألت فضالة بن عبيد عن تعليق يد السارق في عنقه فقال: سنة قد قطع رسول الله ﷺ يد سارق، وعلّق يده في عنقه. وفي مصنف أبي داود مثله «٥» .
وفي البخاري، وكتاب مسلم: أن قريشا أهمهم أمر المرأة المخزومية التي سرقت. قال في كتاب مسلم في غزوة الفتح قالوا: ومن يكلّم فيها رسول الله ﷺ؟ ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن
_________
(١) رواه أحمد في المسند (٦٢٤) و(١١٨٤)، ومسلم (١٧٠٧ و٣٨)، وأبو داود (٤٤٨١)، وابن ماجه (٢٥٧١) .
(٢) رواه عبد الرزاق في المصنف (١٣٥٤٧) وهو حديث مرسل وفيه رجل مجهول.
(٣) رواه مالك في الموطأ (١٧٨٨)، وأحمد في المسند (٢/ ٦٤) و(٥٣١٠)، والبخاري (٦٧٩٥)، ومسلم (١٦٨٦)، وأبو داود (٤٣٨٥) . من حديث عبد الله بن عمر ﵄.
(٤) رواه مالك في الموطأ (١٨٢٢) وهو مرسل. ورواه ابن ماجه (٢٥٩٥) وهو حديث حسن.
(٥) رواه النسائي (٨/ ٩٢) و(٤٩٨٢)، وأبو داود (٤٤١١)، وابن ماجه (٢٥٨٧) وإسناده ضعيف.
1 / 24