Coptes et Musulmans: de la conquête arabe à 1922
أقباط ومسلمون: منذ الفتح العربي إلى عام ١٩٢٢م
Genres
الفصل السادس
عظمة الأقباط واضمحلالهم في عهد الفاطميين
بينما كانت سياسة الولاة نحو الأقباط تقوم على قواعد واستثناءات معينة، تعرضت سياسة الفاطميين، التي كانت مبنية بوجه عام على التسامح، لتغييرات محسوسة جدا حسب الاستعداد الشخصي للولاة، الذين تبوأوا الحكم، وكان الفاطميون ينتقلون من التسامح الكامل إلى الاضطهاد الشنيع، فبعد أن مهدوا لأهل الذمة عصرا زاهرا، لم يكونوا يتوقعونه، عادوا فقضوا عليهم قضاء نهائيا.
وليس بعجب إبداء هذا التسامح من خلافة مستقلة وطدت أركانها في مصر من قريب، وكان لها أعداء أقوياء بيزنطيا وبغداد، ولا سيما أنه لم يكن في استطاعتها الاعتماد على مساعدة السنيين المخلصة، ولقد انتهج الطولونيون والإخشيديون هذه السياسة لمصلحتهم الشخصية، وعلى أية حال، فإن استيلاء الفاطميين على الحكم أثار كالعادة آمال الأقباط ، مما جعلهم يقدمون إليهم يد المساعدة.
على أن الفاطميين، لما وصلوا إلى مصر، عملوا في الحال على كسب عطف السنيين وتقديرهم، وكان هذا إجراء عمليا من لدنهم، فإن أول خطبة ألقاها الخليفة المعز لدين الله، وذكرها معظم المؤرخين، تتضمن هذا الاتجاه، فقد صرح الخليفة للجموع التي خفت لاستقباله بالقرب من منارة الإسكندرية «أنه لم يسر إلى مصر لازدياد في الملك أو المال، وإنما سار رغبة في الجهاد ونصرة المسلمين وإقامة الحق والسنة.».
1
ولم يتردد المعز ومن جاء بعده أن يستعينوا بالنصارى واليهود أو بالذميين، الذين اعتنقوا حديثا الديانة الإسلامية، ليبلغوا هدفهم المقدس، وكان جوهر القائد المظفر، عبدا يونانيا قدم كهدية إلى الخليفة المعز، ومن هنا كني بالرومي، أما اليهودي يعقوب بن كلس، فقد اعتنق الإسلام في ظروف لا تؤيد بأي حال صدق عواطفه الدينية، كان أصله من بغداد وقدم إلى مصر في عهد كافور الإخشيدي، ويصفه لنا المؤرخ «ابن القلانسي» أنه رجل واسع الحيلة وذكي، ويقص علينا أن كافور قال عنه في يوم من الأيام: «ولو كان مسلما لاستوزرته.» فلما سمع يعقوب هذا الحديث، دخل مسجدا في يوم الجمعة ونطق بالشهادتين، ولما رأى ذلك ابن حنزابة، الوزير في الحكم، أراد أن يقتله قبل أن يصبح منافسا خطيرا له، ففر ابن كلس إلى المغرب وعاون الفاطميين معاونة صادقة على فتح مصر، وقد جعله المعز أكبر مستشاريه وعينه أمينا على بيت المال، ولما جاء العزيز، جعله وزيرا، ومن جهة أخرى عين العزيز عيسى بن نسطورس الملكي وزيرا، كما عين اليهودي منشى حاكما عاما على سوريا.
وأبطل هذا التقليد الحاكم بأمر الله بعد أن اضطهد الذميين، ولكنه لم يستغن أبدا عن جميع الموظفين النصارى، ولما تولى المستنصر الخلافة، عاد إلى خطة الفاطميين الأولى، فاستعان بالأرمني بدر الجمالي إنقاذا لعرشه، فحكم بدر البلاد حكما مطلقا وعين ابنه الأفضل شاهنشاه ليخلفه في الوزارة، أما الخليفة الحافظ لدين الله، فلم يتردد في الاستعانة بالنصراني «بهرام» وهو من طائفة الملكيين، بعد أن منحه لقب «سيف الإسلام».
إن وجود النصارى في وظائف الدولة الرفيعة دليل قاطع لتسامح الفاطميين، ثم إن هذه الفترة من تاريخ مصر مليئة بالأحداث المتعلقة بأهل الذمة، غير أن كل خليفة اتبع سياسة تختلف عن سياسة سلفه، لذلك رأينا أنه من المنطق أن ندرس كل عهد على حدة لنستطيع أن نبين كل دور من أدوار هذه الفترة الخطيرة من تاريخ الأقباط، وأن نخرج بالنتائج المترتبة عليها. (1) المعز لدين الله 358-365ه «969-976م»
شرع القائد جوهر ببناء الجامع الأزهر الذي يعد من أعظم الأدلة لكرم الخليفة؛ إذ زوده بمكتبة عامرة، وأقيمت به الدروس لتعليم فقه الشيعة، وكان المدرسون الملحقون به والطلبة يأخذون أجورهم من الخليفة العزيز بالله.
Page inconnue