هذا وقد حكمت عليهم عقولهم وان لم يسمعوها، وشهدت عليهم أفئدتهم وإن لم يفهموها بأن هذا العالم بأسره وما فيه من نفعه وضره، وما يطرأ من حركة وسكون على أحجامه ويساق من افتراق واجتماع إلى أجسامه مع ما شفع ذلك من اختلاف صوره وهيأته، ونموه وثباته، وأشجاره وأزهاره، وطعومه وثماره، وأمطاره ورعوده، وهبوطه وصعوده، ومائه وناره، وظلمته وأنواره، ونباته وحصاده، وبياضه وسواده، وحمرته وخضرته، وغبرته وصفرته، وحموضته وحلاوته، وحرافته ومرارته، ونومه ويقظته، وشهوته ونفرته، وحياته وموته، وذهابه وفوته؛ فإن ما اختلفت فيه أجسامه بعد اشتراكها في الجسمية من هذه الصور والهيئات، تدل على صانع حكيم، قادر، عليم لأن هذا الإختلاف بعد الإشتراك إن حصل بذوات العالمين، وجب كون ذواته على صورة واحدة أو كون كل ذات منه على تلك الصور المختلفة، هذا مع أن حدوثها يدل على حاجتها إلى محدث سواها وإن كان ذلك لموجب من سبب أو علة أو مادة أو عقل أو طبيعة أو غير ذلك من أنواع الترهات المسماة موجبة، وكان ذلك قديما أو معدوما أدى ذلك إلى قدم العالم، وهو محال وإن كان محدثا احتاج إلى محدث، ثم الكلام فيه كالكلام فيها فيتسلسل ذلك إلى ما لا يتنهى أو ينتهي إلى فاعل لا يحتاج إلى فاعل، وجب القول به {ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين}[غافر:64]القائل وقوله الحق المبين{ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين، ثم جعلناه نطفة في قرار مكين، ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين}[المؤمنون:12-14] نحمده حمدا يطاول الأمد، ويستغرق العدد، ونصلي على صفيه البشير النذير محمد بن عبد الله السراج المنير وعلى أخيه وابن عمه، وباب مدينة علمه، وعلى سيدة النساء وخامسة أهل الكساء وعلى ابنيهم المطهرين سيدي شباب أهل الجنة رضيعي الكتاب والسنة، وعلى آلهم الطيبين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا أما بعد:
Page 4