بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة في أنوار النبي (صلى الله عليه وسلم)
قال الشيخ ابن سبعين (قدس الله سره):
الحمد لله الذي بنوره يعلم ويعبد، وبحضوره يعرف ويشهد، الذي خلق النيرات والنجوم المسخرات، وأودع الأرواح سر عهده الأول الأوصل، وذكرها صورة المفارق للمواد، وجعل القلوب مظاهر ملكه الأكمل، وزينها بالعلوم والعقل المستفاد، وجعل طريقة خليله إبراهيم (عليه السلام) بما ظهر من الأنوار لعالم الإنسان، وطريقة حبيبه محمد (صلى الله عليه وسلم) بما بطن من الأسرار، وخصه بمقام الإحسان فكان ذلك مريدا وكان هذا مرادا، ثم إنه مات وصحفت صحفه كما صحفت صحف موسى، وهذا بالضد توفي (صلى الله عليه وسلم)، وعاشت شريعته، والذي كان مبددا في حياته (صلى الله عليه وسلم) اجتمع بعد مماته، ولا تركته العناية حتى جعلت من الرسل من يتبعه وهو عيسى (عليه السلام).
فلما أبصرت هذه العناية الكبرى، وحققت أن كل درجة بالنظر إلى درجته هي النعمة الصغرى حتى عظم أمره في الدنيا، وأكبر أمره هي في الأخرى.
وإذا أبصرت من آياته ما أبصرت نبهتك، ثم أتتك بعدها أخرى اجتمعت في نفسي، ونزعت بالجملة إلى حضرة جلالته حتى إني غبت بذلك عن حسي، وأهملت معاشرة جنسي، واشتد بالغلو في صلاته أنسي.
قلت عن غائب عينه إرساله وزاجر أكده إجلاله:
يا أيها الإنسان! والمراد بهذا الجنس وله أقصد بالخطاب ولا أبالي على أي حال كان فإن الحقائق إذا تعينت، ونور الله إذا كان مظهره الأفضل هو به على الوجه الأكمل والقدر الأوصل.
قيل فيه بحسب الطاقة: فمن مسلم ومن ضده ومن عاش ومن مبصر ومن موف ومن مقصر من ذلك، ومن مقتصد، ومن مطفف، ومن مجتهد.
وقد خرج بنا الكلام إلى غير الذي قصدناه بالقصد الأول، وبالقصد أيضا كان.
Page 69