قال عبد الله بن معاذ نرفعه إلى التيمي قال لواقف بسوق عُكاظ إذا برجل من ضمرة منزله صُحار عًمان يسمي الصُّحاري، والناي تتساوه من كل جانب، يركب بعضهم بعضا ويسألونه عن أنسابهم، وهو يُفسر لهم - وكان من أعلم الناس. فمر به وهو على تلك الحال فسأل عن حاله، فأخبر به فقال: شاسع من ضمرة ومنزله صُحار، فأستفيد منه علما. فأبصر الصُّحاري فأعجبه شارته فقال: ممن أيها الرجل؟ قال له: فإنك لا تعرفني. قال: إن كنت من العرب أو من أشرافهم عرفتك قال: فإني من العرب: قال الصُّحّاري: من أيّهم أنت؟ قال عُطارد: من مُضر. قال: لأغمرن اليوم المضري: ثم قال الصُّحاري: أمِن الأرجاء أنت ام من الفرسان؟ قال عُطارد: فعرفت أن الفرسان قيس وأن الأرجاء ولد إلياس قال قلت: من الأرجاء. قال: فأنت إذا من ولد خندف. قال قلت: أجل. قال: فمن الأرمة أم من الجماجم؟ قال فتحيرت طويلا ما أكلمه ثم أدركني ذهني فعرفت: أن الأرمة ولد خُزيمة وهم قيس. وأن الجماجم ولد أدّ. قال قلت: أجل. قال: فمن الروابي أم من الصميم؟ قال: فوجمت ساعة. أي سكت. ثم عرفت: أن الروابي الرباب، وأن الصميم تميم. قال فقلت: لابل من الصميم. قال: فأنت من بني تميم. فقلت: أجل. قال: فمن الأقلين أم من الأكثرين، أم من إخوانهم الآخرين ولد عمرو بن تميم؟ فقلت: لا بل من الأكثرين. قال: أنت إذا من ولد يزيد. فقلت: أجل. قال: فمن الذُّرى: أم من الثمال، أم من النجود؟ قال: فعرفت أن الذرى مالك، وأن البُّجُود سعد، وأن الثمال امرؤ القيس. فقلت من الذُّرى. قال: فأنت إذا من ولد مالك. قلت: أجل. قال فمن الأنف أم من الذنب؟ فعرفت: أن الأنف حنظلة. وأن الذنب ولد ربيعة. فقلت: من الأنف. قال: فأنت إذا من ولد حنظلة. قلت: أجل. قال: فمن الوسط ام من الفرسان ام من البروج فعرفت ان الوسيط البراحم، وان الفرسان يربوع، وأن البروج مالك بن حنظلة. فقلت: لا بل من البروج. قال: فأنت إذًا من ولد مالك. فقلت: أجل. فقال: من السحاب، أم من النجوم، أم من البدور؟ فعرفت: أن السحاب بنو بني عدوية، وأن النجوم بنو بني طهية، وأن البدور بنو بني دارم. فقلت: لابل من البدور. فقال: فأنت إذًا من بني دارم. فقلت: أجل. فقال: أنت من الهضاب: أم من الناب، أم من الشهاب؟ فعرفت: أن الهضاب بنو مجاشع، وأن الناب بنو عبد الله بن دارم. وأن الشهاب بنو نهشل: فقلت: لا بل من الناب قال: فأنت إذًا من ولد عبد الله بن دارم: قلت أجل. قال: فمن الزوافر، أم من النبيت؟ فنظرت: فأذا الزوافر الأحلاف، واذا النبيت زرارة. فقلت: لا بل من النّبيت: فقال: أنت إذًا من ولد زرارة بن عدس. فقلت: أجل أنا منهم. قال: أيهم أنت؟ فقلت: عطارد بن حاجب بن زرارة. قال: زعمت يا تميمي أني لا أحسن نسبا ": فقلت: ما رأيت أحدا " قط أعلم منك، قال: أنا لم أر قط أحدا أعلم منك.
وقد حث أهل الأدب والفهم وذوو المروءة والعلم على تعليم النسب والمعرفة: ليحفظوا بذلك أنسابهم. ويصلوا أرحامهم، ويأتوا ما أمروا به. وينتهوا عما نهوا عنه من سوء الفعال وتجنب الأرذال والجهال. فقد كانت العرب تحفظ أنسابها كحفظها أزواجها ما لم تتحفظه أمة من الأمم حتى أن الرجل منهم ليعلم ولده نسبه كتعليمه بعض منافعه، وهو فعلهم من قديم الدهر: لئلا يدخل الرجل منهم في غير قومه، ولا ينتسب إلى غير قبيلته، ولا ينتمي إلى غير عشيرته، حاطوا بذلك أحسابهم وحفظوا به أنسابهم، ولا يرى ذلك في غيرهم من الأمم. حتى ان الرجل من غيرهم من الأمم يسأل عما وراء أبيه دنيا فيبقى خجلا فيما لا يعرفه ولا ينسبه. ولست بواجد ذلك في أحد من العرب الامن استنبط ومازح الأزذال وجهلة الناس، ولأم فعله وساءت خليقته، وجهل ما يأتيه وما يتقيه.
وقد حض النبي ﷺ وأصحابه من بعده على تعليم النسب ومعرفة أنساب العرب: ليصلوا بذلك ما أمر الله به أن يوصل، ويتقوا ما نهى الله عنه. وقد تقدم من ذكر ذلك ما روي عنه ﷺ ما يغنى عن تكريره واعادته، وقد أخذ هذا المعنى بعض الشعراء فقال شعرا:
ألا أيها الناس الذي العلم شأنهم ... ويغنيهم في أن يفكوا صعابها
عليكم بأنساب القبائل كلها ... معد وقحطان الكريم نصابها
1 / 2