Annotations on Al-Aqidah Al-Tahawiyyah
التعليقات الأثرية على العقيدة الطحاوية
Genres
التعليقات الأثرية على العقيدة الطحاوية لأئمة الدعوة السلفية
محمد بن عبد العزيز بن مانع ﵀ (١٢٩٨ - ١٣٨٥ هـ)
عبد العزيز بن عبد الله بن باز ﵀ (١٣٣٠هـ - ١٤٢٠هـ)
محمد ناصر الدين الألباني ﵀ (١٣٣٢هـ - ١٤٢٠هـ)
جمع وإعداد / أحمد بن يحيى الزهراني
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ .
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ .
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد- ﷺ وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وبعد: قال ﷺ: «إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلًا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم» (١) .
_________
(١) ... (صحيح) أخرجه أبو داود (٣٤٦٢) وانظر الصحيحة ١/ح (١١) .
1 / 1
فلاعز ولانصر للمسلمين بل ولانهوض إلا بالرجوع لدينهم والتمسك بعقيدتهم الصحيحة ومنهجها القويم فهما (١) أساس كل فلاح ونجاح وما انتصر المسلمون الأوائل إلا بتمسكهم بعقيدتهم ومنهجهم علميًا وعمليًا (٢) وما نراه اليوم من ضعف وتفرق وتحزب بين – وفي – صفوف المسلمين وتكالب الأعداء عليهم هو بإهمالهم هذا الأساس وقد أدرك علماء الإسلام هذا الخطر فهبوا هبة قوية صادقة فألفوا كتبًا في إيضاح العقيدة – وأهميتها ووجوب التمسك بها والتحذير من مخالفتها – ومن أولئك العلماء الأفذاذ أبو جعفر أحمد بن محمد الطحاوي ﵀ (٣) فألف متنًا عُرف بالعقيدة الطحاوية فلقي قبولًا واسعًا عند جماهير المسلمين سلفًا وخلفًا فتناولها العلماء بالشرح والتعليق والتعقيب وما ذاك إلا لأهميتها وعظيم قدر مؤلفها.
_________
(١) ...إن الفصل بين العقيدة والمنهج دعوى باطلة والقائلون بها مناقضون لأنفسهم فكيف
=...يكون المرء: إخواني أو تبليغي أو ... وعقيدته سلفية!!! هذا لا يكاد يتصور فمن كانت عقيدته سلفية فعقيدته تحتم عليه بل وتمنعه من الانجراف إلى هذه المناهج الحادثة بخلاف من هو على هذه المناهج الوافدة وأصولها الباطلة فسيتنازل عن اتباع ما كان عليه النبي محمد ﷺ وصحابته الكرام حتى يكاد ينحل من ذلك عياذا بالله.
وما أحدث هذا القول إلا لاحتواء أهل السنة والتغرير بهم وتقريبهم من أهل البدع والأهواء بل وحمايتهم والغض عن زلا تهم وهفواتهم وتشويه صورة كل من ينتقدهم ويحذر منهم فكن على حذر ولا تكن حلوا فتسترط!!!
(٢) ...أي بالعلم والعمل والدعوة والصبر على الأذى.
(٣) ...انظر ترجمته في الفهرست ص/٣٤٩ وشذرات الذهب ٢/٢٨٨والفوائد البهية في تراجم الحنفية ص/٣١-٣٤ ومعجم المؤلفين ٢/١٠٧.
1 / 2
فجزى الله أبا جعفر على ما بذل وعفا عنه فيما وقع فيه من الزلل (١) وكل يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله ﷺ.
ومن أجل تقريب هذه العقيدة للناس وبيانها وما اشتملت عليه من درر وعيون عقائد أهل السنة والجماعة قمت بجمع تعليقات (٢) أثرية سلفية (٣)
_________
(١) ...كما في رقم (٥٧) و(٦١) و(٦٢) و(٦٤) وغيرها.
(٢) ...حتى تكون قريبة المنال لمبتغيها.
(٣) ...نعم أثرية سلفية عقيدة ومنهجًا وفقهًا وتعاملًا وشعارنا هو: أهل الحديث (أثري وسلفي)
=...حقيقة لا إدعاء وترك الانتساب للسلف أو التشكيك فيه من علامات أهل البدع. قال شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ كما في مجموع الفتاوى (٤/١٥٥): فعلم أن شعار أهل البدع هو: ترك انتحال اتباع السلف ولهذا قال الإمام أحمد في رسالة عبدوس بن مالك: (أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب النبي ﷺ» .
...وقال أيضًا كما في مجموع الفتاوى ٤/١٥٦: أما أن يكون انتحال السلف من شعائر أهل البدع: فهذا باطل قطعًا فإن ذلك غير ممكن إلا حيث يكثر الجهل ويقل العلم» .
...وقال في حق من ينتسب للسلف (مجموع الفتاوى ٤/١٤٩): لاعيب على من أظهر مذهب السلف وانتسب إليه واعتزى إليه بل يجب قبول ذلك منه بالاتفاق فإن مذهب السلف لايكون إلا حقًا» .
...وفي هذا كفاية لمن كان له مسكة من عقل.
1 / 3
على هذه العقيدة (١) لأعلام الهدى ومصابيح الدجى - في عصرنا - الشيخ العلامة محمد بن عبد العزيز بن مانع ﵀ (٢) والشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز ﵀ (٣) والشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني ﵀ (٤) .
وهذه التعليقات الرائدات الجامعات النافعات أوضحت المراد من المتن أتم إيضاح ودحضت شبهات أهل البدع والزيغ والضلال بل أجهزت عليها في معاقلها وهذا مما حدا بنا إلى جمعها وتقريبها للمسلمين عسى أن تجد قلوبًا واعية وآذانًا صاغية فتعود لعزها ومجدها.
فها هي أخي المسلم بين يديك فعض عليها بالنواجذ تكن على الجادة وسالمًا - بإذن الله - في الدنيا والآخرة.
وسميت هذا الكتاب بـ: (التعليقات الأثرية على العقيدة الطحاوية) .
سائلًا المولى عز شأنه وجلت قدرته أن ينفع به إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه
...أبو عبد الله أحمد بن يحيى الزهراني
_________
(١) ...في هذه الحقبة المريرة التي تخلى كثير من الناس عن عقيدتهم وأشدهم مكرًا من تنازل عن بعضها من أجل تحقيق مصلحة - زعموا - كما يفعله كثير من الحركيين!!!
(٢) ...انظر ترجمته في الأعلام للزركلي ٦/٢٠٩ وروضة الناظرين لمحمد القاضي ٢/٢٩٣ - ٣٠٢ وتاريخ علماء نجد للبسام ٦/١٠٠- ١١٣. وقد رمزت لتعليقاته بحرف (م) .
(٣) ...انظر ترجمته في الانجاز في ترجمة الإمام عبد العزيز بن باز لعبد الرحمن الرحمه والإبريزية في التسعين البازية (لمحمد الشتوي) . وقد رمزت لتعليقاته بحرف (ز) .
(٤) ...انظر ترجمته في حياة الألباني وآثاره العلمية (للشيباني) وترجمة موجزة لفضيلة المحدث الشيخ أبي عبد الرحمن محمد ناصر الدين الألباني (للدكتور عاصم القريوني) ومحدث العصر محمد ناصر الدين الألباني (لسمير الزهيري) . وقد رمزت لتعليقاته بحرف (ن) .
1 / 4
[مقدمة المصنف]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
قال العلامة حجة الإسلام أبو جعفر الوراق الطحاوي - بمصر ﵀:
هذا ذكر بيان عقيدة أهل السنة والجماعة على مذهب (١) فقهاء الملة: أبي (٢) حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي، وأبي (٣)
_________
(١) ...قوله على مذهب فقهاء الملة إلخ، اعلم أن ما ذكره المصنف ﵀ في هذه العقيدة ليس مختصًا بهؤلاء الأئمة المذكورين فقط، فإن أهل السنة والجماعة من الأولين والآخرين عقيدتهم واحدة؛ لأنهم معتصمون بالكتاب والسنة، ومن خالفهم في معتقدهم صار مبتدعًا ضالًا ولا يعذر باجتهاده؛ لأن العذر مقبول في الاجتهاد في فروع الأحكام لا في أصول الدين؛ فالعقائد الدينية ليس فيها تعدد مذاهب؛ بل الصواب مذهب أهل السنة والجماعة وما عداه باطل فتنبه. (م)
(٢) ...هو الإمام النعمان بن ثابت الكوفي ولد سنة ٨٠ وأدرك جماعة من الصحابة قال الخطيب: إنه رأى أنس بن مالك وكان ﵀ عالمًا عاملًا زاهدًا عابدًا، ورعًا تقيًا كثير الخشوع دائم التضرع إلى الله تعالى مات سنة ١٥٠هـ، وهي السنة التي ولد فيها الإمام الشافعي ﵀. (م)
(٣) ...أبو يوسف هو الإمام المتقن المجتهد المطلق أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري البجلي؛ ولد سنة ١١٣ أخذ العلم عن الإمام أبي حنيفة وغيره وأخذ عنه العلم جماعة منهم الإمام أحمد ﵀، وولاه الرشيد القضاء، وظل عليه إلى أن مات سنة ١٨٣، ولما مات أبو يوسف أقر هارون الرشيد ابنه يوسف على القضاء إلى أن مات يوسف، ولما خرجت جنازة أبي يوسف جعل الناس يقولون: مات الفقه؛ مات الفقه فأنشأ بعضهم يقول:
......يا ناعي الفقه إلى أهله......إن مات يعقوب وما تدري
.........لم يمت الفقه ولكنه......حول من صدر إلى صدر (م)
1 / 5
يو سف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري، وأبي عبد الله محمد بن الحسن الشيباني (١) رضوان الله عليهم أجمعين وما يعتقدون من أصول الدين، ويدينون به رب العالمين (٢) .
[الإيمان بالله تعالى]
١- نقول في توحيد الله (٣)
_________
(١) ...هو محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني، كان الرشيد ولاه القضاء، وخرج مع الرشيد في سفره إلى خرسان فمات بالري، ودفن بها، كان أبوه من جند أهل الشام فقدم واسطًا فولد بها محمدًا سنة ١٣٢ ونشأ بالكوفة وأخذ العلم عن أبي حنيفة ومالك وأبي يوسف وغيرهم وكان له مجلس في الكوفة وهو ابن عشرين سنة، قال إبراهيم الحربي: قلت للإمام أحمد: من أين لك هذه المسائل الدقيقة؟ قال: من كتب محمد بن الحسن مات ﵀ بالري سنة ١٨٩، قال السمعاني: مات محمد بن الحسن والكسائي في يوم واحد بالري، وقيل إن الرشيد كان يقول: دفنت الفقه والعربية بالري، ومحمد بن الحسن المذكور ابن خالة الفراء الإمام المشهور بالنحو واللغة، رحم الله الجميع. (م)
(٢) ...زيادة من نسخة (خ) وغيرها (ن) .
(٣) ...قوله (نقول في توحيد الله ... إلخ)
...أعلم أن التوحيد الذي بعث الله به الرسل وأنزل به الكتب ينقسم إلى أقسام ثلاثة حسب استقراء النصوص من الكتاب والسنة وحسب واقع المكلفين:
...القسم الأول: توحيد الربوبية وهو توحيد الله بأفعاله سبحانه وهو الإيمان بأنه الخالق الرازق المدبر لأمور خلقه المتصرف في شئونهم في الدنيا والآخرة لا شريك له في ذلك كما قال تعالى ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [الزمر:٦٢] وقال سبحانه: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْر﴾ [يونس: ٣] الآية وهذا النوع قد أقر به المشركون عباد الأوثان وإن جحد أكثرهم البعث والنشور ولم يدخلهم في الإسلام لشركهم بالله في العبادة وعبادتهم الأصنام والأوثان معه سبحانه وعدم إيمانهم بالرسول محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
القسم الثاني: توحيد العبادة ويسمى توحيد الألوهية وهي العبادة وهذا القسم هو الذي أنكره المشركون فيما ذكر الله عنهم سبحانه بقوله: ﴿وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ * أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾ [ص:٤-٥] وأمثالها كثير وهذا القسم يتضمن إخلاص العبادة لله وحده والإيمان بأنه المستحق لها وأن عبادة ما سواه باطلة وهذا هو معنى لا إله إلا الله فإن معناها لا معبود
= ...بحق إلا الله كما قال الله ﷿: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِل﴾ الآية [الحج:٦٢] .
القسم الثالث: توحيد الأسماء والصفات: وهو الإيمان بكل ما ورد في كتاب الله العزيز وفي السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من أسماء الله وصفاته وإثباتها لله سبحانه على الوجه الذي يليق به من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل كما قال الله سبحانه: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ [سورة الإخلاص] وقال سبحانه: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى:١١] وقال ﷿: ﴿وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ [الأعراف:١٨٠] وقال سبحانه في سورة النحل: ﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [النحل:٦٠] والآيات في هذا المعنى كثيرة والمثل الأعلى هو الوصف الأعلى الذي لا نقص فيه وهذا هو قول أهل السنة والجماعة من أصحاب الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأتباعهم بإحسان يمرون آيات الصفات وأحاديثها كما جاءت ويثبتون معانيها لله سبحانه إثباتًا بريئًا من التمثيل وينزهون الله سبحانه عن مشابهة خلقه تنزيهًا بريئًا من التعطيل وبما قالوا تجتمع الأدلة من الكتاب والسنة وتقوم الحجة على من خالفهم وهم المذكورون في قوله سبحانه: ﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [التوبة:١٠٠] جعلنا الله منهم بمنه وكرمه والله المستعان. (ز)
1 / 6
معتقدين -بتوفيق الله -:
إن الله واحد لا شريك له (١)
_________
(١) ...إن نفي الشريك عن الله تعالى لا يتم إلا بنفي ثلاثة أنواع من الشرك:
...الأول: الشرك في الربوبية، وذلك بأن يعتقد أن مع الله خالقًا آخر – ﷾ – كما هو اعتقاد المجوس القائلين بأن للشر خالقًا غير الله سبحانه. وهذا النوع في هذه الأمة قليل والحمد لله، وإن كان قريبًا منه قول المعتزلة: إن الشر إنما هو من خلق الإنسان، وإلى ذلك الإشارة بقوله ﷺ: «القدرية مجوس هذه الأمة ...» الحديث، وهو
=...مخرج في مصادر عدة عندي أشرت إليها في «صحيح الجامع الصغير وزيادته» رقم [٤٤٤٢] .
الثاني: الشرك في الألوهية أو العبودية، وهو أن يعبد مع الله غيره من الأنبياء والصالحين، كالاستغاثة بهم وندائهم عند الشدائد ونحو ذلك. وهذا مع الأسف في هذه الأمة كثير، ويحمل وزره الأكبر أولئك المشايخ الذين يؤيدون هذا النوع من الشرك باسم التوسل «يسمونها بغير اسمها» ! .
الثالث: الشرك في الصفات، وذلك بأن يصف بعض خلقه تعالى ببعض الصفات الخاصة به ﷿ كعلم الغيب مثلًا، وهذا النوع منتشر في كثيير من الصوفية. ومن تأثر بهم، مثل قول بعضهم في مدحه النبي ﷺ:
...... «فإن من جودك الدنيا وضرتها...ومن علومك علم اللوح والقلم!»
ومن هنا جاء ضلال بعض الدجالين الذين يزعمون أنهم يرون الرسول- ﷺ اليوم يقظة ويسألونه عما خفي عليهم من بواطن نفوس من يخالطونهم، ويريدون تأميرهم في بعض شؤونهم، ورسول الله ﷺ ما كان ليعلم مثل ذلك في حال حياته ﴿وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ﴾ [الأعراف:١٨٨] فكيف يعلم ذلك بعد وفاته وانتقاله إلى الرفيق الأعلى؟! .
هذا الأنواع الثلاثة من الشرك من نفاها عن الله في توحيده إياه، فوحده في ذاته وفي عبادته، وفي صفاته، فهو الموحد الذي تشمله كل الفضائل الخاصة بالموحدين، ومن أخل بشيء منه، فهو الذي يتوجه إليه مثل قوله تعالى: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الزمر:٦٥] فاحفظ هذا فإنه أهم شيء في العقيدة، فلاجرم أن المصنف ﵀ بدأ به، ومن شاء التفصيل فعليه بشرح هذا الكتاب وكتب شيوخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن عبد الوهاب وغيرهم ممن حذا حذوهم واتبع سبيلهم، ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالأِيمَان﴾ [الحشر:١٠] . (ن)
1 / 7
،
٢- ولا شيء مثله (١) .
٣- ولا شيء يعجزه.
٤- ولا إله غيره.
٥- قديم بلا ابتداء (٢)
_________
(١) ...هذا أصل من أصول التوحيد، وهو أن الله تعالى ليس كمثله شيء، لا في ذاته ولا في صفاته، ولا في أفعاله ولكن المبتدعة والمتأولة قد اتخذوه أصلا لإنكار كثير من صفات الله
=...﵎، فكلما ضاقت قلوبهم عن الإيمان بصفة من صفاته ﷿ سلطوا عليها معاول التأويل والهدم، فأنكروها، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ متجاهلين تمام الآية: ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى:١١]، فهي قد جمعت بين التنزيه، والإثبات، فمن أراد السلامة في عقيدته فعليه أن ينزه الله تعالى عن مشابهته للحوادث، دون تأويل أو تعطيل، وأن يثبت له ﷿ من الصفات كل ما أثبته لنفسه في كتابه أو حديث نبيه دون تمثيل، وهذا هو مذهب السلف وعليه المصنف ﵀ تبعًا لأبي حنيفة وسائر الأئمة، كما تراه مفصلًا في الشرح، ﴿فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾ [الأنعام:٩٠] . (ن)
(٢) ...أ) قوله «قديم» يوصف سبحانه بالقدم بمعنى أنه يخبر عنه بذلك كما ذكره ابن القيم في البدائع؛ وباب الإخبار أوسع من باب الصفات التوقيفية؛ وأهل العلم لم يذكروا لفظة القديم في الأسماء الحسنى، ولكنهم يخبرون عنه سبحانه بذلك قال في النونية:
... وهو القديم فلم يزل بصفاته...متوحدًا بل دائم الإحسان (م)
ب) قوله (قديم بلا ابتداء)
هذا اللفظ لم يرد في أسماء الله الحسنى كما نبه عليه الشارح ﵀ وغيره وإنما ذكره كثير من علماء الكلام ليثبتوا به وجوده قبل كل شيء وأسماء الله توقيفية لا يجوز إثبات شيء منها إلا بالنص من الكتاب العزيز أو السنة الصحيحة ولا يجوز إثبات شيء منها بالرأي كما نص على ذلك أئمة السلف الصالح، ولفظ القديم لا يدل على المعنى الذي أراده أصحاب الكلام لأنه يقصد به في اللغة العربية المتقدم على غيره وإن كان مسبوقًا بالعدم كما في قوله سبحانه: ﴿حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ﴾ [يس:٣٩] وإنما يدل على المعنى الحق بالزيادة التي ذكرها المؤلف وهو قوله: (قديم بلا ابتداء) ولكن لا ينبغي عده في أسماء الله الحسنى لعدم ثبوته من جهة النقل ويغني عنه اسمه سبحانه الأول كما قال ﷿: ﴿هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ﴾ [الحديد:٣] والله ولي التوفيق. (ز)
ج) اعلم أنه ليس من أسماء الله تعالى: (القديم)، وإنما هو من استعمال المتكلمين فإن القديم في لغة العرب التي نزل بها القرآن – هو المتقدم على غيره فيقال: هذا قديم للعتيق، وهذا جديد للحديث، ولم يستعملوا هذا الاسم إلا في المتقدم على غيره لا فيما لم يسبقه عدم كما قال تعالى: ﴿حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ﴾ [يس:٣٩] والعرجون القديم: الذي يبقى إلى حين وجود العرجون الثاني، فإذا وجد الجديد قيل للأول قديم، وإن كان مسبوقًا بغيره كما حققه شيخ الإسلام في «مجموع الفتاوى» (١/٢٤٥) والشارح في «شرحه»، لكن أفاد الشيخ ابن مانع هنا فيما نقله عن ابن القيم في «البدائع» أنه يجوز وصفه سبحانه بالقدم بمعنى أنه يخبر عنه بذلك، وباب الأخبار أوسع من باب الصفات التوقيفية.
قلت: ولعل هذا هو وجه استعمال شيخ الإسلام ابن تيمية هذا الوصف في بعض الأحيان، كما سيأتي فيما علقته على الفقرة (٤٥) . (ن)
1 / 8
، دائم بلا انتهاء.
٦- لا يفنى ولا يبيد.
٧- ولا يكون إلا ما يريد.
٨- لا تبلغه الأوهام، ولا تدركه الأفهام.
٩- ولا يشبهه الأنام (١) .
١٠- حي لا يموت، قيوم لا ينام.
١١- خالق بلا حاجة، رازق بلا مؤنة (٢) .
١٢- مميت بلا مخافة، باعث بلا مشقة.
١٣- ما زال بصفاته قديمًا قبل خلقه، لم يزدد بكونهم شيئًا لم يكن قبلهم من صفته، وكما كان بصفاته أزليًا، كذلك لا يزال عليها أبديًا.
١٤- ليس بعد خلق الخلق استفاد اسم «الخالق» . ولا بإحداث البرية استفاد اسم «الباري» .
١٥- له معنى الربوبية ولا مربوب. ومعنى الخالق ولا مخلوق.
١٦- وكما أنه محيي الموتى بعد ما أحيا، استحق هذا الاسم قبل إحيائهم، كذلك استحق اسم الخالق قبل إنشائهم.
١٧- ذلك بأنه على كل شيء قدير (٣)
_________
(١) ...فيه رد لقول المشبهة، الذين يشبهون الخالق بالمخلوق، ﷾، قال ﷿: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى:١١] . وليس المراد نفي الصفات كما يقول أهل البدع، فمن كلام أبي حنيفة ﵀ في «الفقه الأكبر»: لا يشبه شيئًا من خلقه ولا يشبهه شيء من خلقه. ثم قال بعد ذلك: وصفاته كلها خلاف صفات المخلوقين، يعلم لا كعلمنا، ويقدر لا كقدرتنا، ويرى لا كرؤيتنا. انتهى. (ن)
(٢) ...أي بلا ثقل وكلفة كما في «شرح العقيدة الطحاوية» (ص١٢٥ الطبعة الرابعة) . (ن)
(٣) ...يجيء في كلام بعض الناس وهو على ما يشاء قدير، وليس ذلك بصواب (١) بل الصواب ما جاء بالكتاب والسنة وهو على كل شيء قدير، لعموم مشيئته وقدرته تعالى خلافًا لأهل الاعتزال الذين يقولون إن الله سبحانه لم يرد من العبد وقوع المعاصي بل وقعت من العبد بإرادته لا بإرادة الله، ولهذا يقول أحد ضلالهم:
زعم الجهول ومن يقول بقوله...أن المعاصي من قضاء الخالق
إن كان حقًا ما يقول فلم قضا...حد الزناء وقطع كف السارق
وقال أبو الخطاب ﵀ في بيان الحق والصواب:
قالوا: فأفعال العباد فقلت ما ...من خالق غير الإله الأمجد
قالوا: فهل فعل القبيح مراده...قلت الإرادة كلها للسيد
لو لم يرده وكان كان نقيضه ...سبحانه عن أن يعجزه الردى
وهذه الإرادة التي ذكرها أبو الخطاب في السؤال هي الإرادة الكونية القدرية لا الإرادة الكونية الشرعية، كما سيأتي بيان ذلك موضحًا. (م)
(١) (تنبيه) قال الألباني ﵀ في الصحيحة ٦/١٩٥ حديث رقم (٢٦٠١): دلَّ قوله تعالى في آخر الحديث: «ولكني على ما أشاء قادر أو قدير» على خطأ ما جاء في التعليق على «العقيدة الطحاوية» (ص٢٠) نقلًا عن بعض الأفاضل: «يجيء في كلام بعض الناس: وهو على ما يشاء قدير، وليس بصواب..» . فأقول: بل هو عين الصواب بعد ثبوت ذلك في هذا الحديث، لا سيما ويشهد له قوله تعالى: ﴿وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ﴾ [الشورى:٢٩]، وذلك لاينافي عموم مشيئته وقدرته تعالى كما توهم المشار إليه، والله أعلم.
1 / 9
، وكل شيء إليه فقير. وكل أمر عليه يسير. لا يحتاج إلى شيء ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى:١١] .
١٨- خلق الخلق بعلمه.
١٩- وقدر لهم أقدارًا.
٢٠- وضرب لهم آجالًا.
٢١- ولم يخف عليه شيء قبل أن يخلقهم. وعلم ما هم عاملون قبل أن يخلقهم.
٢٢- وأمرهم بطاعته، ونهاهم عن معصيته.
٢٣- وكل شيء يجري بتقديره ومشيئته، ومشيئته تنفذ لا مشيئة للعباد، إلا ما شاء لهم، فما شاء لهم كان، وما لم يشأ لم يكن (١)
_________
(١) ...يعني أن مشيئته تعالى وإرادته شاملة لكل ما يقع في هذا الكون من خير أو شر، وهدى أو ضلال، والآيات الدالة على ذلك كثيرة معروفة، يمكن مراجعتها في الشرح وغيره ... والمقصود بهذه الفقرة الرد على المعتزلة النافين لعموم مشيئته تعالى.
لكن يجب أن يعلم أنه لا يلزم من ذلك أن الله يحب كل ما يقع، فالحب غير الإرادة، وإلا كان لا فرق عند الله تعالى بين الطائع والعاصي وهذا ما صرح به بعض كبار القائلين بوحدة الوجود من أن كلا من الطائع والعاصي مطيع لله في إرادته! ومذهب السلف والفقهاء وأكثر المثبتين للقدر من أهل السنة وغيرهم على التفريق بين الإرادة والمحبة، وإلى ذلك أشار صاحب قصيدة «بدء الأمالي» بقوله:
مريد الخير والشر القبيح...ولكن ليس يرضى بالمحال
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
«ثم قالت القدرية: هو لا يحب الكفر والفسوق والعصيان ولا يريد ذلك! فيكون ما لم يشأ، ويشاء ما لم يكن» ! .
وقالت طائفة من (المثبتة): ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. وإذن قد أراد الكفر والفسوق والعصيان ولم يرده دينًا، أو أراده من الكافر ولم يرده من المؤمن، فهو لذلك يحب الكفر والفسوق والعصيان، ولا يحبه دينًا، ويحبه من الكافر ولا يحبه من المؤمن.
=...وكلا القولين خطأ مخالف للكتاب والسنة، وإجماع سلف الأمة وأئمتها، فإنهم متفقون على أنه ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن وأنه لا يكون شيء إلا بمشيئته ومجموعه على أنه لا يحب الفساد، ولا يرضى لعباده الكفر، وأن الكفار ﴿يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ﴾ [النساء:١٠٨] . (ن)
1 / 10
٢٤- يهدي من يشاء، ويعصم ويعافي، فضلا، ويضل من يشاء، ويخذل ويبتلي، عدلا.
٢٥- وكلهم يتقلبون في مشيئته، بين فضله وعدله.
٢٦- وهو متعال عن الأضداد والأنداد.
٢٧- لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه. ولا غالب لأمره.
٢٨- آمنا بذلك كله. وأيقنا أن كلًا من عنده.
[الإيمان بنبوة النبي محمد ﷺ]
٢٩- وأن محمدًا عبده المصطفى، ونبيه المجتبى، ورسوله المرتضى (١) .
٣٠- وأنه خاتم الأنبياء، وإمام الأتقياء، وسيد المرسلين (٢) وحبيب
_________
(١) ...اعلم أن كل رسول نبي، وليس كل نبي رسولًا، وقد ذكروا فروقًا بين الرسول والنبي، تراها في «تفسير الألوسي» (٥/٤٤٩-٤٥٠) وغيره، ولعل الأقرب أن الرسول من بعث بشرع جديد والنبي من بعث لتقرير شرع من قبله، وهو بالطبع مأمور بتبليغه، إذ من المعلوم أن العلماء مأمورون بذلك، فهم بذلك أولى، كما لا يخفى. (ن)
(٢) ...قلت: هذه العقيدة ثبتت في أحاديث كثيرة مستفيضة، تلقتها الأمة بالقبول. وقد ذكر الشارح (في الصفحة ١٦٩- الطبعة الرابعة) طائفة منها فلتراجع منه، فهي تفيد العلم واليقين، فهو ﷺ سيد المرسلين يقينًا، ومن المؤسف أن أقول: إن هذه العقيدة لا يؤمن بها أولئك الذين يشترطون في الحديث الذي يجب الإيمان به أن يكون متواترًا، فكيف يؤمن بها من صرح بأن العقيدة لا تؤخذ إلا من القرآن كالشيخ شلتوت وغيره. وقد رددت على هؤلاء جميعًا من عشرين وجهًا في رسالتي «وجوب الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة والرد على شبه المخالفين» وذكرت في آخرها عشرين مثالًا من العقائد الثابتة في الأحاديث الصحيحة يلزمهم جحدها وعدم الإيمان بها وهذه العقيدة واحدة منها فراجعها فإنها مطبوعة وهامة. (ن)
1 / 11
رب العالمين (١) .
٣١- وكل دعوى النبوة بعده فغي وهوى (٢)
_________
(١) ...قلت: بل هو خليل رب العالمين، فإن الخلة أعلى مرتبة من المحبة وأكمل، ولذلك قال ﷺ: «إن الله اتخذني خليلًا كما اتخذ إبراهيم خليلًا» ولذلك لم يثبت في حديث أنه ﷺ حبيب الله. فتنبه، وراجع في الفقرة الآتية (٥٢) بسطًا لهذا في كلام الشارح عليها. (ن)
(٢) ...قلت: وقد أخبر النبي ﷺ أمته نصحًا لهم وتحذيرًا في أحاديث كثيرة أنه سيكون بعده دجالون كثيرون، وقال في بعضها: «كهلم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين، لا نبي بعدي» رواه مسلم وغيره (الأحاديث الصحيحة ١٦٨٣)، ومن هؤلاء الدجالين «ميرزا غلام أحمد القادياني» الذي ادعى النبوة وله أتباع منتشرون في الهند وألمانيا وإنكلترا وأميركا، ولهم فيها مساجد، يضلون بها المسلمين، وكان منهم في سورية أفراد، استأصل الله شأفتهم وقطع دابرهم، ولهم عقائد كثيرة، غير اعتقادهم بقاء النبوة بعده ﷺ. وسلفهم فيه ابن عربي الصوفي ولهم في ذلك رسالة جمعوا فيها أقواله في تأييد اعتقادهم المذكور. لم يستطع المشايخ الرد عليها لأنها مما قاله ابن عربي! مع جزمهم بتكفيرهم، ولا مجال لذكر شيء من عقائدهم الآن، وهم بلا شك ممن عناهم رسول الله ﷺ في الحديث الصحيح عنه: «يكون في آخر الزمان دجالون كذابون يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم وآباؤكم فإياكم وإياهم، لا يضلونكم ولا يفتنونكم» رواه المؤلف في «مشكل الآثار» (٤/١٠٤) . وهو عند «الإمام مسلم» (١/٩) .
وإن من أبرز علاماتهم أنهم حين يبدأون بالتحدث عن دعوتهم إنما يبتدئون قبل كل شيء بإثبات موت عيسى ﵊ فإذا تمكنوا من ذلك بزعمهم انتقلوا إلى مرحلة ثانية وهي ذكر الأحاديث الواردة بنزول عيسى ﵊ ويتظاهرون بالإيمان بها، ثم سرعان ما يتأولونها، ما دام أنهم أثبتوا بزعمهم موته، بأن المقصود نزول مثيل عيسى! وأنه هو غلام أحمد القادياني! ولهم من مثل هذا التأويل الشيء الكثير والكثير جدًا، مما جعلنا نقطع بأنهم طائفة من الباطنية الملحدة. وسيأتي الإشارة إلى بعض عقائدهم الضالة قريبًا إن شاء الله تعالى. (ن)
1 / 12
٣٢- وهو المبعوث إلى عامة الجن (١) وكافة الورى، بالحق والهدى، وبالنور والضياء.
[الإيمان بالقرآن الكريم]
٣٣- وأن القرآن كلام الله (٢)، منه بدا بلا كيفية قولًا، وأنزله على رسوله وحيًا، وصدقه المؤمنون على ذلك حقًا، وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة، ليس بمخلوق ككلام البرية، فمن سمعه فزعم أنه كلام البشر فقد كفر، وقد ذمه الله وعابه وأوعده بسقر، حيث قال تعالى: ﴿سَأُصْلِيهِ سَقَرَ﴾ [المدثر:٢٦] فلما أوعد الله بسقر لمن قال: ﴿إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ﴾ [المدثر:٢٥]، علمنا وأيقنا أنه قول خالق البشر، ولا يشبه قول البشر (٣)
_________
(١) ...أقول: ومن ضلالات القاديانية إنكارهم لـ (الجن) كخلق غير الإنس ويتأولون كل الآيات والأحاديث المصرحة بوجودهم ومباينتهم للإنس في الخلق، بمايعود إلى أنهم الإنس أنفسهم أو طائفة منهم حتى إبليس نفسه يقولون إنه إنسي شرير! فما أضلهم! . (ن)
(٢) ...القرآن العظيم كلام الله لفظه ومعانيه: فلا يقال القرآن اللفظ دون المعنى كما هو قول أهل الاعتزال، ولا المعنى دون اللفظ كما هو قول الكلابية الضلال، ومن تابعهم على باطلهم من أهل الكلام الباطل المذموم، فأهل السنة والجماعة يقولون ويعتقدون أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق، ألفاظه ومعانيه عين كلام الله سمعه جبريل من الله، والنبي سمعه من جبريل، والصحابة سمعوه من النبي فهو المكتوب بالمصاحف المحفوظ بالصدور المتلو بالألسنة.
قال الحافظ ابن القيم ﵀:
وكذلك القرآن عين كلامه الـ...ـمسموع منه حقيقة ببيان
هو قول ربي كله لا بعضه...لفظًا ومعنى ماهما خلقان
تنزيل رب العالمين ووحيه...اللفظ والمعنى بلا روغان (م)
(٣) ...نقل هذا الكلام عن المصنف ﵀ شيخ الإسلام ابن تيمية في «مجموع الفتاوى» (١٢/٥٠٧) مستشهدًا به، وقال الشارح ابن أبي العز ﵀ (ص١٧٩ الطبعة الرابعة):
«وهذا الذي حكاه الطحاوي ﵀ هو الحق الذي دلت عليه الأدلة من الكتاب والسنة لمن تدبرهما، وشهدت به الفطرة السليمة التي لم تغير بالشبهات والشكوك والآراء الباطلة. وقد افترق الناس في مسألة الكلام على تسعة أقوال»:
ثم ساقها، ومنها الثالث، وهو أنه معنى واحد قائم بذات الله، هو الأمر والنهي والخبر والاستخبار، وإن عبر عنه بالعربية كان قرآنًا، وإن عبر عنه بالعبرانية كان توراة، وهذا قول ابن كلاب ومن وافقه، كالأشعري وغيره. قال:
وسابعها أن كلامه يتضمن معنى قائمًا بذاته هو ما خلقه في غيره وهذا قول أبي منصور الماتريدي ...
وتاسعها أنه تعالى لم يزل متكلمًا إذا شاء ومتى شاء وكيف شاء، وهو يتكلم به بصوت يسمع، وأن نوع الكلام قديم وإن لم يكن الصوت المعين قديمًا، وهذا المأثور عن أئمة الحديث والسنة.
وقوله: «كلام الله منه بدا بلا كيفية قولًا» - رد على المعتزلة وغيرهم.
فإن المعتزلة تزعم أن القرآن لم يبد منه، كما تقدم حكاية قولهم. وقال الشيخ محمد بن مانع رحمه الله تعالى (ص٨):
«القرآن العظيم كلام الله لفظه ومعانيه فلا يقال اللفظ دون المعنى كما هو قول أهل الاعتزال، ولا المعنى دون اللفظ كما هو قول الكلابية الضلال، ومن تابعهم على باطلهم من أهل الكلام الباطل المذموم، فأهل السنة والجماعة يقولون ويعتقدون أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق، ألفاظه ومعانيه عين كلام الله سمعه جبريل من الله والنبي سمعه من جبريل، والصحابة سمعوه من النبي، فهو المكتوب بالمصاحف المحفوظ بالصدور المتلو بالألسنة.
=...قال الحافظ ابن القيم ﵀:
وكذلك القرآن عين كلامه الـ
ـمسموع منه حقيقة ببيان
هو قول ربي كله لا بعضه
لفظًا ومعنى ما هما خلقان
تنزيل رب العالمين ووحيه
اللفظ والمعنى بلا روغان»
وقال الشارح ﵀ (ص١٩٤-١٩٥):
«وكلام الطحاوي ﵀ يرد قول من قال: إنه معنى واحد لا يتصور سماعه منه، وأن المسموع المنزَّل المقروء والمكتوب ليس كلام الله، وإنما هو عبارة عنه. فإن الطحاوي ﵀ يقول: «كلام الله منه بدا» . وكذلك قال غيره من السلف، ويقولون: منه بدأ، وإليه يعود. وإنما قالوا: منه بدأ، لأن الجهمية من المعتزلة وغيرهم كانوا يقولون إنه خلق الكلام في محل، فبدأ الكلام من ذلك المحل. فقال السلف: «منه بدأ» أي هو المتكلم به، فمنه بدأ، لا من بعض المخلوقات، كما قال تعالى: ﴿تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ [الزمر:١] . ﴿وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي﴾ [السجدة:١٣] ﴿قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَق﴾ [النحل:١٠٢] . ومعنى قولهم: «وإليه يعود»: يرفع من الصدور والمصاحف، فلا يبقى في الصدور منه آية ولا في المصاحف. كما جاء ذلك في عدة آثار.
وقوله «بلا كيفية»: أي: لا تعرف كيفية تكلمه به «قولًا» ليس بالمجاز، «وأنزله على رسوله وحيًا» أي: أنزله إليه على لسان الملك، فسمعه الملك جبرائيل من الله، وسمعه الرسول محمد ﷺ من الملك، وقرأه على الناس. قال تعالى: ﴿وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا﴾ [الإسراء:١٠٦] وقال تعالى: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ [الشعراء:١٩٣-١٩٥] . وفي ذلك إثبات صفة العلو لله تعالى. (ن)
1 / 13
[وصف الله بمعنى من معاني البشر]
٣٤- ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر، فقد كفر، فمن أبصر هذا اعتبر، وعن مثل قول الكفار انزجر، وعلم أنه بصفاته ليس كالبشر.
[رؤية الله حق]
٣٥- والرؤية (١) حق لأهل الجنة، بغير إحاطة ولا كيفية. كما نطق به كتاب ربنا: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ [القيامة:٢٢-٢٣] . وتفسيره على ما أراده الله تعالى وعلمه، وكل ما جاء في ذلك من الحديث الصحيح عن الرسول ﷺ فهو كما قال (٢)
_________
(١) ...لا شك أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة من فوقهم كما ثبت ذلك عن النبي ﷺ، فهم يرون ربهم بأبصارهم رؤية حقيقية كما يرون القمر والشمس صحوًا ليس دونهما سحاب؛ وهذا متواتر عن النبي ﷺ لم ينكره سوى المعتزلة ومن تابعهم على الضلال، قال في النونية.
ويرونه سبحانه من فوقهم
نظر العيان كما يرى القمران
هذا تواتر عن رسول الله لم
ينكره إلا فاسد الإيمان
وأما في الدنيا فإنه ﷾ لا يراه أحد من عباده؛ ولما سئل النبي ﵇؛ هل رأيت ربك قال: «نورٌ أَنَّي أراه» أي حالت بيني وبين رؤيته تعالى الأنوار وقالت عائشة: من حذثك أن محمدًا رأى ربه فقد كذب. (م)
(٢) ...اعلم أن الأحاديث الواردة في إثبات رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة كثيرة جدًا حتى بلغت حد التواتر كما جزم به جمع من الأئمة. منهم الشارح، وقد خرج بعضها ثم قال:
«وقد روى أحاديث الرؤية نحو ثلاثين صحابيًا» . ومن أحاط بها معرفة يقطع بأن الرسول قالها، ولولا أني التزمت الاختصار لسقت ما في الباب من الأحاديث ثم قال:
«ليس تشبيه رؤية الله تعالى برؤية الشمس والقمر تشبيها لله، بل هو تشبيه الرؤية بالرؤية، لا تشبيه المرئي بالمرئي، ولكن فيه دليل على علو الله على خلقه، وإلا فهل تعقل رؤية بلا مقابلة؟ ومن قال: يُرى لا في جهة. فليراجع عقله!! فإما أن يكون مكابرًا لعقله أو في عقله شيء، وإلا فإذا قال يرى لا أمام الرائي ولا خلفه ولا عن يمينه ولا عن يساره ولا فوقه ولا تحته، رد عليه كل من سمعه بفطرته السليمة» .
قلت: وأما رؤيته تعالى في الدنيا، فقد أخبر رسول الله ﷺ في الحديث الصحيح أن أحدًا منا لا يراه حتى يموت. رواه مسلم: وأما هو نفسه ﵊، فلم يرد في إثباتها له ما تقوم به الحجة، بل قد صح عنه الإشارة إلى نفيها حين سئل عنها بقوله:
=... «نورٌ، أنّى أراه» ومع ذلك جزمت السيدة عائشة بنفيها كما في الصحيحين، وهذا هو الأصل فينبغي التمسك به. (ن)
1 / 14
، ومعناه على ما أراد، لا ندخل في ذلك متأولين بآرائنا، ولا متوهمين بأهوائنا، فإنه ما سلم في دينه إلا من سَلَّم لله ﷿ ولرسوله ﷺ ورد علم ما اشتبه عليه إلى عالمه.
[التسليم والاستسلام]
٣٦- «ولا تثبت قدم الإسلام إلا على ظهر التسليم والاستسلام» (١) . فمن رام علم ما حظر عنه علمه، ولم يقنع بالتسليم فهمه، حجبه مرامه عن خالص التوحيد، وصافي المعرفة، وصحيح الإيمان. فيتذبذب بين الكفر والإيمان، والتصديق والتكذيب، والإقرار والإنكار، موسوسًا تائهًا، شاكًا، زائغا، لا مؤمنًا مصدقًا. ولا جاحدًا مكذبًا.
٣٧- ولا يصح الإيمان بالرؤية - لأهل دار السلام لمن اعتبرها منهم بوهم (٢) أو تأولها بفهم (٣)، إذ كان تأويل الرؤية - وتأويل كل معنى يضاف إلى الربوبية - بترك التأويل ولزوم التسليم، وعليه دين المسلمين (٤) . ومن لم يتوق النفي والتشبيه زل ولم يصب التنزيه (٥)
_________
(١) ...هذه الفقرة مقدمة على الفقرة السابقة في المخطوطات الثلاث وكذا في نسخة شَيخنا الطباخ ﵀ ولعلها أولى. (ن)
(٢) ... أ) أي: توهم أن الله تعالى يرى على صفة كذا فيتوهم تشبيهًا وقوله أو تأولها بفهم أي ادعى أنه فهم لها تأويلًا يخالف ظاهرها وما يفهمه كل عربي من معناها. (م)
...ب) أي: توهم أن الله تعالى يرى على صفة كذا فيتوهم تشبيهًا. شرح الطحاوية. (ن)
(٣) ...أي ادعى أنه فهم لها تأويلًا يخالف ظاهرها، وما يفهمه كل عربي من معناها. (ن)
(٤) ...في المخطوطات الثلاث والمطبوعات: «المرسلين» . (ن)
(٥) ... أ) وذلك أن المعتزلة يزعمون أنهم ينزهون الله تعالى بهذا النفي وهل يكون التنزيه بنفي صفات الكمال، فإن نفي الرؤية ليس بصفة كمال إذ المعدوم هو الذي لا يرى وإنما الكمال في إثبات الرؤية. (م)
ب) قلت، وذلك لأن نفاة الصفات والرؤية من المعتزلة وغيرهم إنما ينفونها تنزيهًا لله تعالى بزعمهم عن التشبيه، وهذا زلل وزيع وضلال، إذ كيف يكون ذلك تنزيهًا، وهو ينفي عن الله صفات الكمال ومنها الرؤية، إذ المعدوم هو الذي لا يرى، فالكمال في إثبات الرؤية الثابتة في الكتاب والسنة والمشبهة إنما زلوا لغلوهم في إثبات الصفات وتشبيه الخالق بالمخلوق ﷾. والحق بين هؤلاء وهؤلاء إثبات بدون تشبيه. وتنزيه بدون تعطيل. وما أحسن ما قيل: المعطل يعبد عدمًا، والمجسم يعبد صنمًا. (ن)
1 / 15
فإن ربنا جل وعلا موصوف بصفات الوحدانية، منعوت بنعوت الفردانية، ليس في معناه أحد من البرية.
[الرد على المشبهة]
٣٨- وتعالى (١) عن الحدود (٢) والغايات (٣)
_________
(١) ...في المخطوطات الثلاث وسائر المطبوعات: «تعالى» بدون الواو. ولعله أصح. (ن)
(٢) ...قوله تعالى عن الحدود ... إلخ مراده بذلك الرد على المشبهة ولكن هذه الكلمات مجملة مبهمة وليست من الألفاظ المتعارفة عند أهل السنة والجماعة؛ والرد عليهم بنصوص الكتاب والسنة أحق وأولى من ذكر ألفاظ توهم خلاف الصواب، ففي قوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ رد على المشبهة والمعطلة، فلا ينبغي لطالب الحق الالتفات إلى مثل هذه الألفاظ ولا التعويل عليها، فإن الله سبحانه موصوف بصفات الكمال منعوت بنعوت العظمة والجلال فهو سبحانه فوق مخلوقاته مستو على عرشه المجيد بذاته بائن من خلقه ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا ويأتي يوم القيامة وكل ذلك على حقيقته ولا نؤوله كما لا نؤول اليد بالقدرة والنزول بنزول أمره وغير ذلك من الصفات بل نثبت ذلك إثبات وجود لا إثبات تكييف وما كان أغنى الإمام المصنف عن مثل هذه الكلمات المجملة الموهمة المخترعة ولو قيل إنها مدسوسة عليه وليست من كلامه لم يكن ذلك عندي ببعيد إحسانًا للظن بهذا الإمام وعلى كل حال فالباطل مردود على
...قائله كائنًا من كان ومن قرأ ترجمة المصنف الطحاوي لا سيما في لسان الميزان عرف أنه من أكابر العلماء وأعاظم الرجال وهذا هو الذي حملناه على إحسان الظن فيه في كثير من المواضع التي فيها مجال لناقد. (م)
(٣) ...قوله: «تعالى عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات والجهات الست كسائر
=...المبتدعات»، هذا الكلام فيه إجمال قد يستغله أهل التأويل والإلحاد في أسماء الله وصفاته وليس لهم بذلك حجة لأن مراده ﵀ تنزيه الباري سبحانه عن مشابهة المخلوقات لكنه أتى بعبارة مجملة تحتاج إلى تفصيل حتى يزول الاشتباه فمراده بالحدود يعني التي يعلمها البشر فهو سبحانه لا يعلم حدوده إلا هو سبحانه لأن الخلق لا يحيطون به علمًا كما قال ﷿ في سورة طه: ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا﴾ [طه:١١٠] ومن قال من السلف بإثبات الحد في الاستواء أو غيره فمراده حد يعلمه الله سبحانه ولا يعلمه العباد. وأما (الغايات والأركان والأعضاء والأدوات) فمراده ﵀ تنزيهه عن مشابهة المخلوقات في حكمته وصفاته الذاتية من الوجه واليد والقدم ونحو ذلك فهو سبحانه، موصوف بذلك لكن ليست صفاته مثل صفات الخلق ولايعلم كيفيتها إلا هو سبحانه، وأهل البدع يطلقون مثل هذه الألفاظ لينفوا بها الصفات بغير الألفاظ التي تكلم الله بها وأثبتها لنفسه حتى لا يفتضحوا وحتى لا يشنع عليهم أهل الحق، والمؤلف الطحاوي ﵀ لم يقصد هذا المقصد لكونه من أهل السنة المثبتين لصفات الله، وكلامه في هذه العقيدة يفسر بعضه بعضًا ويصدق بعضه بعضًا ويفسر مشتبهه بمحكمه. وهكذا قوله (لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات) مراده الجهات الست المخلوقة وليس مراد نفي علو الله واستوائه على عرشه لأن ذلك ليس داخلًا في الجهات الست بل هو فوق العالم ومحيط به وقد فطر الله عباده على الإيمان بعلوه سبحانه وأنه في جهة العلو وأجمع أهل السنة والجماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأتباعهم بإحسان على ذلك والأدلة من الكتاب والسنة الصحيحة المتواترة كلها تدل على أنه في العلو سبحانه فتنبه لهذا الأمر العظيم أيها القاريء الكريم واعلم أنه الحق وما سواه باطل والله ولي التوفيق. (ز)
1 / 16
والأركان والأعضاء والأدوات،
لا تحويه (١) الجهات الست كسائر المبتدعات (٢)
_________
(١) ...دلت دلائل الكتاب والسنة على أن الله تعالى فوق مخلوقاته مستو على عرشه كما قال تعالى ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ وقال تعالى: ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِه﴾ فالجهات الست عدمية في حقه لأنه تعالى فوقها كما قال ابن القيم في النونية.
كل الجهات بأسرها عدمية
في حقه هو فوقها ببيان
قد بان عنها كلها فهو المحيـ
ـط ولا يحاط بخالق الأكوان (م)
(٢) ...قلت: مراد المؤلف ﵀ بهذه الفقرة الرد على طائفتين:
الأولى: المجسمة والمشبهة الذين يصفون الله بأن له جسمًا وجثة وأعضاء وغير ذلك، تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا.
والأخرى: المعطلة الذين ينفون علوه تعالى على خلقه وأنه بائن من خلقه. بل يصرح بعضهم بأنه موجود بذاته في كل الوجود! وهذا معناه حلول الله في مخلوقاته. وأنه محاط بالجهات الست المخلوقة، وليس فوقها، فنفى المؤلف ذلك بهذا الكلام. ولكن قد يستغل ذلك بعض المبتدعة، ويتأولونه بما قد يؤدي إلى التعطيل كما بينه الشارح رحمه الله تعالى وقد لخص كلامه الشيخ محمد بن مانع عليه الرحمة فقال (ص١٠):
«مراده بذلك الرد على المشبهة ولكن هذه الكلمات مجملة مبهمة وليست الألفاظ المتعارفة عند أهل السنة والجماعة، والرد عليهم بنصوص الكتاب والسنة أحقّ وأولى من ذكر ألفاظ توهم خلاف الصواب. ففي قوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ ردّ على المشبهة والمعطلة، فلا ينبغي لطالب الحق الالتفات إلى مثل هذه الألفاظ ولا التعويل عليها، فإن الله سبحانه موصوف بصفات الكمال منعوت بنعوت العظمة والجلال، فهو سبحانه فوق مخلوقاته مستوٍ على عرشه المجيد بذاته بائن من خلقه ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا ويأتي يوم القيامة وكل ذلك على حقيقته ولا نؤوله كما لا نؤول اليد بالقدرة والنزول بنزول أمره وغير ذلك من الصفات، بل نثبت ذلك إثبات وجود لا إثبات تكييف. وما كان أغنى الإمام المصنف عن مثل هذه الكلمات المجملة الموهمة المخترعة ولو قيل إنها مدسوسة عليه وليست من كلامه لم يكن ذلك عندي ببعيد إحسانًا للظن بهذا الإمام وعلى كل حال فالباطل مردود على قائله كائنًا من كان
=...ومن قرأ ترجمة المصنف الطحاوي لا سيما في لسان الميزان عرف أنه من أكابر العلماء وأعاظم الرجال وهذا هو الذي حملنا على إحسان الظن فيه في كثير من المواضع التي فيها مجال لناقد» . انتهى كلام ابن مانع ﵀.. (ن)
1 / 17
[الإيمان بالإسراء والمعراج]
٣٩- والمعراج حق. وقد أسري بالنبي ﷺ وعرج بشخصه في اليقضة إلى السماء ومن ثم إلى حيث شاء الله من العلا. وأكرمه الله بما شاء وأوحى إليه ما أوحى: ﴿مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى﴾ (١) [النجم: ١١]، فصلى الله عليه وسلم في الأخرة والأولى.
[الإيمان بالحوض والشفاعة والميثاق]
٤٠- والحوض الذي أكرمه الله تعالى به - غياثًا لأمته - حق (٢) .
٤١- والشفاعة التي ادخرها لهم حق، كما روي في الأخبار (٣) .
٤٢- والميثاق الذي أخذه الله تعالى من آدم وذريته حق (٤)
_________
(١) ...قلت: يعني من آيات ربه الكبرى، وأما القول بأنه ﵊ رأى ربه ليلتئذ بعينه، فلم يثبت كما تقدم التنبيه عليه قريبًا. ولذلك قال الشارح وغيره: «والصحيح أنه رآه بقلبه ولم يره بعين رأسه» . (ن)
(٢) ...قلت: والأحاديث التي جاء ذكر الحوض فيها كثيرة جدًا حتى بلغت مبلغ التواتر كما صرح بذلك جمع من الأئمة، ورواها من الصحابة بضع وثلاثون صحابيًا، وقد استقصى طرقها الحافظ ابن كثير في «النهاية» في آخر تاريخه، وعقد لها الحافظ ابن أبي عاصم في «كتاب السنة» سبعة أبواب، (رقم ١٥٥-١٦١) ورقم الأحاديث (٦٩٧ - ٧٧٦- بتحقيقي)، أشار في آخرها إلى تواترها بقوله: «والأخبار التي ذكرناها في حوض النبي ﷺ توجب العلم» . (ن)
(٣) ...وهي متواترة أيضًا، وقد عقد لها ابن أبي عاصم في «السنة» ستة أبواب (١٦٣-١٦٨) رقم الأحاديث (٧٨٤-٨٣٢) وساق طائفة منها الشارح ﵀ في شرحه، تضمنت أن شفاعته ﷺ ثمانية أنواع، فليراجعه من شاء البحث والتحقيق فإنه هام. (ن)
(٤) ...قلت: يشير إلى بعض الأحاديث المصرحة بأن الله تعالى استخرج الذرية من صلب آدم ﵊، وقد ذكر في الشرح أربعة منها، وهي مخرجة في تعليقي عليه وفي:
=... «تخريج السنة» (رقم ١٩٥-٢٠٥)، وقد كنت استثنيت في التعليق المشار إليه (ص٢٦٦- الطبعة الرابعة) من الصحة مسح الظهر الوارد في حديث عمر وكان ذلك سهوًا مني أسأله تعالى أن يغفره لي، فقد تنبهت إلى أن له شاهدًا حسنًا من حديث أبي هريرة وهو مذكور في «الشرح» وآخر من حديث ابن عباس بسند ضعيف خرجته في «السنة» (٢٠٣) فاقتضى التنبيه. . (ن)
1 / 18
[الإيمان بعلم الله]
٤٣- وقد علم الله تعالى فيما لم يزل عدد من يدخل الجنة وعدد من يدخل النار جملة واحدة، فلا يزاد في ذلك العدد ولا ينقص منه (١) .
[أفعال العباد]
٤٤- وكذلك أفعالهم فيما علم منهم أن يفعلوه، وكل ميسر لما خلق له (٢) .
_________
(١) ...يشير المؤلف ﵀ إلى حديث عبد الله بن عمرو قال: خرج علينا رسول الله ﷺ وفي يده كتابان، فقال: «أتدرون ما هذان الكتابان؟» فقلنا: «لا يا رسول الله إلا أن تخبرنا»، فقال للذي في يده اليمنى: «هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل الجنة، وأسماء آبائهم وقبائلهم، ثم أجمل على آخرهم فلا يزاد فيهم، ولا ينقص منهم أبدًا» . ثم قال للذي في شماله: «هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل النار وأسماء أبائهم وقبائلهم، ثم أجمل على آخرهم فلا يزاد فيهم ولاينقص منهم أبدًا» فقال أصحابه: ففيم العمل إن كان أمر قد فرغ منه؟ فقال: سددوا وقاربوا، فإن صاحب الجنة يختم له بعمل أهل الجنة، وإن عمل أي عمل، وإن صاحب النار يختم له بعمل أهل النار، وإن عمل أي عمل، ثم قال رسول الله ﷺ بيديه فنبذهما ثم قال: فرغ ربكم من العباد ﴿فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ﴾ [الشورى: ٧] . أخرجه الترمذي وصححه هو وغيره، وهو مخرج في «الصحيحة» (٨٤٨) . (ن)
(٢) ...هو قطعة من حديث علي المروي في «الصحيحين»، وقد خرجته في «تخريج السنة» برقم (١٧١) . وقد صح أن بعض الصحابة لما سمعوا هذا الحديث منه ﷺ قالوا: إذًا نجتهد. وفي رواية: فالآن نجد، الآن نجد، الآن نجد. انظر «السنة» . (١٦١ و١٦٧) ففيه رد صريح على الجبرية المتواكلة الذين يفهمون من الحديث خلاف فهم الصحابة فتأمل. (ن)
1 / 19
[الأعمال بالخواتيم]
والأعمال بالخواتيم (١)، والسعيد من سعد بقضاء الله والشقي من شقي بقضاء الله (٢) .
[الإيمان بالقضاء والقدر]
٤٥- وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه (٣)
_________
(١) ...هذا طرف من حديث لسهل بن سعد الساعدي، أخرجه أحمد والبخاري، وهو مخرج في المصدر السابق (٢١٦) . (ن)
(٢) ...أ) قال الحافظ ابن رجب والإيمان بالقدر على درجتين؛ إحداهما: الإيمان بأن الله سبق في علمه ما يعمله العباد من خير وشر وطاعة ومعصية قبل خلقهم وإيجادهم ومن هو منهم من أهل الجنة ومن هو منهم من أهل النار وأعد لهم الثواب والعقاب جزاء لأعمالهم قبل خلقهم وتكوينهم، وأنه كتب ذلك عنده وأحصاه وأن أعمال العباد تجرى على ما سبق في علمه وكتابه، والدرجة الثانية: أن الله خلق أفعال العباد كلها من الكفر والإيمان والطاعة والعصيان وشاءها منهم فهذه الدرجة يثبتها أهل السنة والجماعة وتنكرها القدرية والدرجة الأولى أثبتها كثير من القدرية ونفاها غلاتهم كمعبد الجهني، وقد قال كثير من أهل السلف؛ ناظروا القدرية بالعلم فإن أقروا به خصموا وإن جحدوا كفروا وما أحسن قول الإمام الشافعي؛
فما شئت كان وإن لم أشأ
وما شئت إن لم تشأ لم يكن
خلقت العباد على ما علمت
ففي العلم يجري الفتى والمسن
على ذا مننت وهذا خذلت
وهذا أعنت وذا لم تعن
فمنهم شقي ومنهم سعيد
ومنهم قبيح ومنهم حسن (م)
ب) هذا معنى حديث أخرجه البزار وغيره من حديث أبي هريرة مرفوعًا بلفظ: «الشقي من شقي في بطن أمه، والسعيد من سعد في بطن أمه» . وسنده صحيح كما بينته في «الروض النضير» (١٠٩٨) و«تخريج السنة» (١٨٨) . (ن)
(٣) ...قال الشارح، أصل القدر سر الله في خلقه وهو كونه أوجد وأفنى وأفقر وأغنى وأمات وأحيا وأضل وهدى والذي عليه أهل السنة والجماعة أن كل شيء بقضاء الله وقدره، وأن الله تعالى خالق أفعال العباد قال تعالى ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ وأن الله تعالى
=...يريد الكفر من الكافر ويشاؤه ولا يرضاه ولا يحبه فيشاؤه كونًا ولا يرضاه دينًا قلت وهذه الإرادة هي الإرادة الكونية القدرية وأما إرادة الإيمان من المؤمن وسائر الأعمال الصالحة فهي إرادة كونية قدرية شرعية وكل أفعال العباد من طاعة ومعصية وكفر وإيمان وقع ذلك منهم بمشيئة الله تعالى وهذا معنى ما شاء الله كان وما لم يشأن لم يكن (م)
1 / 20