108

والأديب الذي يقصر جهده على التسلية وإزجاء الفراغ خادم جسد، وليس بصاحب رسالة في عالم العقل والروح، والعلاقة بين الكاتب وقارئه علاقة تعاون واشتراك لا يغني فيها الجهد المفرد على الجهدين المتساندين.

فالقارئ الذي يفرد الكاتب بواجب التفهيم لا يستحق من الكاتب أن يلتفت إليه؛ لأنه واحد من ثلاثة: فإما رجل يظن أن القراءة لا تستحق التعب وهو يتعب في طلب اللهو والتسلية، فلا نفع فيه.

وإما رجل يتعب فكره ولا يصل بالتعب إلى نتيجة فذلك أيضا لا نفع فيه، وإما رجل لا تهمه نتيجة القراءة التي يتسلى بها أو يتعب فيها، فهو كصاحبيه لا نفع فيه. •••

وإيماني بالشهرة والثناء كإيماني بالثواب والجزاء فما أجفلت قط من نقد، ولا توسلت قط إلى ثناء، ويعزيني عن كثير من الثناء أن الناس لا يبذلونه لمن يكبرونه بل يبذلونه لمن لا يملأ قلوبهم بالإكبار، ولا يبلغون من إعظامه مبلغا يحسدونه وينفسونه عليه، وأن الأدب شيء هين كل الهوان إن ضاعت قيمته بكلمة حاسد أو جاءت قيمته من كلمة كاذب منافق، فإذا كانت له قيمة فلا خوف عليها، وإن لم تكن له قيمة فلا حرص عليه. •••

وبعد، فإيماني كله في العقيدة والأخلاق والمعاملة والأدب يوزن بميزان واحد وهو ميزان المثل الأعلى، أو طلب الكمال؛ لأنه إيمان يغنينا عن طلب الجزاء، ويعزينا عن فقدان الحمد والثناء ... (2) لو عدت طالبا

من قديم الزمن يشعر كل طالب في حياته المدرسية بالتنازع بين قطبين متقابلين، أحدهما ما نسميه «بالنظام» والآخر ما اشتهرت به الطفولة والشباب من حب التمرد والهرب ومخالفة النظام.

فالتلمذة بغير نظام مستحيلة، ولا بد لكل مدرسة من مواعيد وفصول وواجبات في المدرسة، وواجبات في خارجها، ولا بد للتلميذ من القيام بهذه الواجبات إذا أراد أن يضمن النجاح، ومن لم يأخذ نفسه برعايتها حقا فهو على الأقل مضطر إلى رعايتها غشا وتزييفا؛ لأنها لا يمكن أن تخرج كل الخروج من الحساب ...

لا بد للتلمذة من نظام ...

ولكن من القول في الطفولة أو في الصبا الباكر على العموم، وكلاهما ملازم للتلمذة في أدوارها الأولى؟

هل يمكن أن تخلو الطفولة من قلق وعربدة و«شقاوة»، وولع بالشيطنة والمخالفة؟

Page inconnue