Je suis le sultan, la loi de l'existence
أنا سلطان قانون الوجود
Genres
لحظة قمر
فجأة، رأيت القمر.
وليست هناك خدعة ما في التعبير؛ فصحيح أن الإنسان أبدا لا يرى القمر فجأة، فالقمر لا يظهر فجأة، والشمس لا تشرق فجأة؛ إذ المفاجأة دائما في العمل غير المنتظر، وغياب القمر وشروق الشمس أعمال لا مفاجأة فيها ولا جديد. ولكنك بالتأكيد ستحس بصدمتي وأنا أرى القمر فجأة في شريحة من شرائح القاهرة، شريحة تسمح لك برؤية السماء، رأيت القمر عجيبا جدا.
الشريحة السماوية التي تبدى منها كانت مسافة بين عمارتين عاليتين من عمائر القاهرة، عاليتين إلى درجة تكاد تحجب عنك رؤية السماء كلها. ولولا المسافة الكائنة بينهما ما سمحت لهذه الفرجة السماوية أن تظهر. وقد كان حريا بظهورها ألا يثير أدنى دهشة أو ابتئاس لولا أن تلك الشريحة السماوية كانت تحوي، في هذا الوقت بالذات القمر، القمر في محاقه الأخير، القمر حين يبدو الجزء المضيء منه مخنوقا بعض الشيء. من لون البدر يتناول تدريجيا فاقدا لمعة فضيته، ثم بياضه مكتسبا بعض الصفرة، بعض العتمة، حين يكاد نوره يصبح وكأنه نور قادم من عمود نور البلدية، أو هو بالضبط كما بدا لي من خلال فرجة السماء هذه القائمة بين عمارتين، شققهما العليا مفجرة الأضواء والضجيج، بدا لي وكأنه النور القادم من شقة ثالثة مفروشة ومؤجرة للسياح ومن الباطن، حتى لو كان هذا الباطن على تلك الدرجة الشاهقة من العلو، فالمهم أن نور القمر المخنوق اختلط بأنوار الكهرباء الباذلة جهدها كي تلعلع وتبرق ومع ذلك فهي بالكاد تصل إلى مستوى نور القمر المخنوق هذا.
فجأة، رأيت القمر.
ويبدو أيضا أن المفاجأة كانت كاملة وكان من المستغرب تماما في ظروف القاهرة تلك، ظروف الخروج من المعركة والاستعداد الكامل المطلق لأي معركة مقبلة ، أن يكون هناك قمر.
ربما نحن نسيناه تماما. نسينا الكون الأكبر المحيط بنا، ضعنا تماما في اختناقاتنا اليومية الصغيرة المستمرة المتكثرة التي نغرق فيها وتغرقنا، ومع هذا فمفروض ونحن غرقى هكذا أن نفكر في إنقاذ أنفسنا؛ بل ونقوم بهذا الإنقاذ فعلا، ويخيل لنا أن كل شيء قد انتهى إلى لا شيء مرة، ومرة أخرى أدهى يخيل إلينا كما لو كان أي شيء قد استحال إلى كل شيء. وما بين اللاشيء وكل شيء رحنا نرقص، رقصا لا ضابط له ولا نغم، نحن فيه على وجه الدقة كرة «بنج بونج» مضروبة مضروبة، لكي تقتحم أرض الخصم، لكي تدافع مضروبة، من اليمين التي نزاولها بمنتهى عدم الدهشة وبمنتهى الجدية والخطورة، رقصة التفتت والتحلل إلى اللاشيئية لتصبح الكل شيئية. أنستنا هذه الرقصة المحمومة، ليس فقط أننا نرقص أو أننا أحياء، ولكن يبدو وكأنها أنستنا أيضا أننا جزء من كون هائل الضخامة كبير، عوالم أخرى، شموس وأفلاك ومجرات، حركة تاريخ ضاربة إلى أسحق بعد من الماضي وواضح أيضا إلى أسحق بعد في المستقبل.
أجل، نسينا هذا كله. كل مراكز عقولنا محملة فوق طاقتها بأكوام من الأرقام والحسابات والديون والمطالب والاحتمالات وخراب البيوتات، المركز الواحد أمامه طابور أفكار برمته ولا طابور الجمعية.
نسينا القمر.
وفجأة، رأيت القمر.
Page inconnue