فصاح مصطفى عجوة: فلسفة!
وقام الشيخ هائجا وقال: بل وقاحة!
فلم أعبأ بما سمعت منهما وقلت مستمرا: هذا الإحسان الذي تقدمه يا سيدي طعاما للناس يجعلهم يأكلون وهم يشعرون بسطوتك. هم يعرفون أنك تتفضل عليهم لكي يشكروك، ولكنهم لا يحسون في نفوسهم شكرا صادقا، بل أقول لك بالصراحة إنهم يقولون من وراء ظهرك ما لا يقول هؤلاء أمام وجهك.
فعاد الشيخ إلى ثورته، وجعل يهز ذراعه مهددا، وصاح متفجرا: هل جئت هنا لتشتمنا وتسفه أحلامنا وتتهمنا بالرياء؟
فانفجرت كذلك قائلا: لست أجيب على هذه الألفاظ الرخيصة؛ لأنها لا ترهبني. أبطل يا سيدي هذه المآدب والولائم، وإذا أردت الإحسان الصحيح، فاجعل ثمن هذا كله زيادة في أجر عمالك. دعهم يذهبون إلى بيوتهم ليأكلوا مع أولادهم ونسائهم وهم يشعرون أنهم مدينون لعملهم وحده. سيحرصون على عملك عند ذلك ويشكرونه لك كما يشكر الرجل الحر صاحبه.
الذين يركعون تحت قدميك ليشكروك على عطائك لا يحملون لك غير الرهبة. حرر قلوبهم من أسر الإحسان المذل، ولا تستعبدها.
وكان وجه السيد أحمد يدل على شدة ضيقه وارتباكه، وبدأت أشعر بأني أسأت إليه إساءة كبرى، وغمرني الخجل لأني عرضته لمناقشة عامة لا شك في أنها مست صميم كبريائه.
ووجدت أن بقائي هناك لا يزيد موقفي إلا حرجا فقلت معتذرا: أنا آسف يا سيدي على هذا الحديث كله، وكنت أتمنى لو لم أتدخل فيه.
والتفت مسرعا لأخرج وفي داخلي مرجل يغلي وعلى جسمي فيض من العرق.
ولما خلوت في غرفتي تلك الليلة أخذت أفكر فيما أفعل في الصباح التالي. أأذهب إلى عملي أم أنقطع عنه؟ وكان أول رأيي أن أنقطع لأن السيد أحمد لا بد أن يكون غاضبا علي بعد ما حدث مني، وحزنت حزنا شديدا لتورطي في شأن كنت في غنى عن التورط فيه.
Page inconnue