وقالت السيدة وهي تمد رجليها متألمة: آه يا ولدي، ما أشد هذه الآلام التي أعانيها، كنا نود تبديل الهواء لعل هذه الآلام تفارقني، ولكن كيف أسافر هكذا، والمشاكل التي لا تنتهي، والقاهرة التي تحترق؟ النهاية يا سيد، الحمد الله على السلامة! لقد حزنت والله عندما علمت بما حدث لك، ولا أدري ما هذه السياسة التي تعذبون أنفسكم فيها، رحم الله والدك العزيز يا منى، كم قلت له أن يبعد عن السياسة، ولكن الحمد الله على كل حال يا سيد، قولي له يا منى كيف كنا نقول: «أين سيد؟»
فقالت منى ضاحكة: قبل أن يشرب القهوة يا ماما؟
وكانت الخادمة في تلك اللحظة داخلة تحمل صينية القهوة، فأخذت فنجانا كنت محتاجا إليه، واستمرت السيدة في حديثها، وكان كل حديثها أو أكثره عن محمد خلف باشا وولده محمود: الباشا يحسب عشرة آلاف جنيه على التركة، ويزعم أنه صرفها لحمادة الأصفر، مع أن الجميع يعرفون الحقيقة، وإيراد العزبة البحرية يهبط إلى النصف، خمسمائة فدان لا يزيد إيرادها على عشرة آلاف جنيه مع أنها من أجود الأطيان، والحديقة مائة فدان لا تأتي بأكثر من عشرين ألفا، الأسعار هابطة لورثة السيد أحمد جلال خاصة، والأقطان لا يبيعها بسبعة وعشرين جنيها؛ لأن البرلمان سيرفع الأسعار، ثم ينحل البرلمان والسيد محمود خلف يبقى في مصر ليمشي على هواه، ومع ذلك فالباشا يطلب تحديد يوم الاحتفال بالعقد كأن السيد أحمد جلال مات من عدة سنين، وإذا طلبنا التأجيل إلى بعد مرور سنة على الوفاة أصر الباشا على تصفية الحساب وأخذ الأطيان، كل الأطيان، ثمانمائة فدان من أجود الأطيان، ومن البساتين في نظير ديونه، ومنى تزيد الأمور تعقيدا بإصرارها على الرفض.
ونظرت إلى منى عندما وصلت إلى هذا الحديث، وقالت: انظر يا سيد كيف صارت عقول بناتنا؟
وقامت منى خارجة من الغرفة، فاستطعت أن أقول: أظن أن هذه الأمور تحتاج إلى روية، ولا فائدة من سردها هكذا.
فقالت السيدة: وماذا نستطيع يا سيد؟ نحن في يد الباشا.
فقلت: هذا ما أقصده بقولي: إن هذه الأمور تحتاج إلى الروية، حتى لا نضر بمصلحتكم ولا بمستقبل منى.
فقالت: حقا إن محمود ولد فاسد، ولكن هكذا الشبان اليوم، وأظنك توافق أن نتصرف بحكمة.
فقلت: المهم أولا أن نفرق بين تسوية المصالح وبين موضوع العقد.
فقالت: اسمع يا سيد يا ابني، أنت مثل ولدي والسيد أحمد كان يقول إنك شاب عاقل ومثل ولده، ويجب علينا أن نتصرف بحكمة . يعني يا ابني نضيع أنفسنا؟ ما معنى هذا العناد وكلما كلمتها قالت: «يكفينا أقل ما عندنا» ألست توافقني يا سيد على رأيي؟
Page inconnue