153

وقمت من مجلسي فدخلت إلى غرفتي وبدأت أخلع ملابسي لأستعد للنوم الذي طاوع جفني بعد أن كان نافرا عنهما، وكان من عادتي أن أخرج ما في جيوبي من الأوراق لأضعها في طربوشي قبل أن أنام، فلما أخرجتها رأيت بينها الصحيفة الزرقاء التي جاءتني في الصباح من أختي، فجلست أقرؤها مرة أخرى وأنا أهدأ مما كنت في المساء، وكان عجبي شديدا عندما وصلت إلى آخر الخطاب، وقرأت الحاشية التي كتبتها منيرة؛ فقد ظهر لي أن للحاشية بقية على ظهر الصفحة، والعبارة الكاملة هي: «وأما منى فإنها بخير وتسلم عليك وتسأل عن صحتك وبهذه المناسبة أقول لك إن أمي كلفتني أن أكتب إليك هذا الخطاب مستعجلا لأرجوك أن تحضر إلى دمنهور ولو يوما واحدا لتقول لك شيئا هاما!»

وكنت قد رميت بالظرف في سلة الأوراق المهملة بمكتبي، ولم ألاحظ أنه كان مستعجلا لما كنت فيه من التعب، فما كدت أقرأ هذه الكلمة حتى هاجت مخاوفي وتحفزت كل مشاعري وقلت في نفسي: شيئا هاما! لا شك أنه يتصل بمنى، وماذا يكون يا ترى؟ وبغير أن أقف للتفكير لحظة نظرت في الساعة وكانت قد بلغت الحادية عشرة إلا ربعا.

فالقطار الصعيدي ما يزال ينتظر على الرصيف، وأستطيع أن أدركه إذا بادرت بالسير من لحظتي، وفي دقيقة واحدة كنت خارج الباب وجريت إلى الشارع لأبحث عن سيارة أجرة، فكنت في المحطة قبل سفر القطار بخمس دقائق.

الفصل العشرون

كانت عودتي إلى منزلنا في الصباح مفاجأة سارة عندما فتحت أمي الباب ورأتني أمامها، وصاحت قائلة: سيد؟ صباح الخير يا حبيبي، صباح النور!

وكانت منيرة واقفة وراءها تقول في مرح: طبعا يا ستي هل الهلال.

وصافحتني بعد أن تركتني أمي وهزت يدي قائلة: ها هو ذا لم ينقص شيئا يا أمي، أتدري يا سيد أنها حلمت بالأمس أنها رأت الهلال يظهر لها مثل خيط رفيع فاعتقدت أنك مريض؟ الحمد لله على السلامة!

وأخذت أمي تدعو لي ونحن صاعدون في السلم، واستمرت منيرة تتحدث من ورائنا قائلة: أتعرف يا سيد من كان عندنا أمس؟ ألا تذكر عمتنا «بهانة»؟ لم أكن أعرف أنها ظريفة هكذا، وعمي محمود وأولادهم عمر وسيد وحليمة.

وقالت أمي: اسم الله عليه سيد، عاشت الأسامي، الخالق الناطق هو سيد بعينه.

فقالت منيرة: أظنه أجمل قليلا.

Page inconnue