وأخذت نموذج جدل بين اثنين، منهم من يؤيد خروج المرأة من بيتها للعمل وآخر يمانع، وتأويل كل منهما حول الآية الثالثة والثلاثين من سورة «الأحزاب»:
وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ، كنموذج للتأويل والتأويل المضاد. نحن نحتاج إلى منهج للقراءة السياقية؛ القراءة التي تنظر للمسألة من منظور أوسع، هو منظور مجمل السياق التاريخي/الاجتماعي - القرن السابع الميلادي - سياق نزول الوحي عبر سياقات أسباب النزول، وترتيب النزول، وسياق السرد القرآني، ومستوى التركيب اللغوي، ومن بعد مستوى التحليل النحوي والبلاغي، وليست البلاغة التقليدية القديمة فقط، بل بتوظيف البلاغة الحديثة بأدوات علم تحليل الخطاب وعلم تحليل النصوص في إنجازاتها المعاصرة، وأيضا سياق المقارنة بين ما كان قبل الإسلام وما بعده من خلال المنطقة المشتركة بينهما التي تمثل منطقة التقاء القديم والجديد.
تتبعت النصوص الدينية المتعلقة بقضايا المرأة في القرآن الكريم، والتي جعلت لها مقصدا أساسيا من مقاصد الخطاب القرآني، وهو المساواة بين الرجل والمرأة، مثل قوله تعالى:
ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا (سورة النساء: آية 124) (وأيضا النساء: 1؛ والنحل: 97؛ والأعراف: 189؛ وغافر: 40؛ والتوبة: 71 و72). ثم تناولت النصوص القرآنية التي أتت في سياق سجالي للرد على دعاوى المشركين العرب الذين نسبوا لله الإناث بمقولتهم إن الملائكة بنات الله، مثل آيات سورة النجم (19-28)، والخطاب القرآني يدين ممارسات العرب ضد البنات مثل:
ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون * وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم * يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون (سورة النحل: 57-59) (وسورة الزخرف: 15-19؛ والصافات: 149-155؛ والإسراء: 40). ونصوص الآيات التي وردت في سياق وصفي خلال سرد قصصي، ومن شأنه يكون تعبيرا عن المتكلم، مثل ما ورد على لسان «أم مريم» في سورة آل عمران (35-37).
وتناولت الآية الرابعة والثلاثين من سورة النساء التي تناولت قوامة الرجال على النساء، وطرحت السؤال: «هل الآية تشرع للقوامة أم تصف واقع الحال في عصر ما قبل الإسلام؟» وبالنظر في مجمل السياق القرآني حينما يذكر القرآن التفضيل الإلهي لبعض البشر على بعض، فوجدت أن المقصود هو وصف التفاوت الاجتماعي الاقتصادي الملحوظ بين البشر والذي تحكمه قوانين السنن، وذلك الوصف هو من أجل العظة والاعتبار، كما لاحظ ابن خلدون في استخدام الفعل «انظر » في الآية:
انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا (الإسراء: 21). فالقوامة إذن ليست تشريعا بقدر ما هي وصف للحال. ثم تناولت النصوص التشريعية بحثا عن معناها الذي فهمه المسلمون الأوائل في فترة نزول الوحي، ومن المعنى ننتقل إلى مغزاها لنا الآن. وقد وردت معظم هذه النصوص في سورة «النساء» التي نزلت في المدينة المنورة بعد هزيمة المسلمين في غزوة أحد في السنة الرابعة من الهجرة، واستشهاد عدد كبير من المسلمين؛ مما نتج عنه وجود عدد كبير من اليتامى والأرامل؛ فجاءت أحكام الزواج والطلاق والمواريث، فناقشت هذه النصوص، وناقشت تعدد الزوجات والميراث والحجاب والعورة. إن التلاعب الدلالي بالنص الديني - قرآنا وسنة - دون اعتبار لطبيعة تلك النصوص، تاريخا وسياقا وتركيبا، لغة ودلالة، هو ما يؤدي إلى التأويل والتأويل المضاد.
كتبت مراجعتين بالإنجليزية لكتاب «الجنة المفقودة، صراع الإثنيات في الشرق الأوسط»، الذي كتبه «كان نيوفهجيذ» نشر في مايو، وعرضا نقديا لكتاب «صورة النبي محمد في الغرب، دراسة في فكر «مرجليوث» و«وات»»، نشر في أغسطس في مطبوعة «ببلو ثيكا لدراسات الاستشراق»، ودراسة بالإنجليزية عن «تحديث الإسلام أم أسلمة الحداثة؟» نشرت في لندن سنة تسع وتسعين.
وكتبت بالعربية مراجعة لعمل «ألفت الروبي وثقافة الاستبعاد ... مؤامرة ضد فن القص»، وبجهد صديقي «نافيد كرماني» الذي قابلته في أروقة جامعة القاهرة ببداية التسعينيات، وجهده في ترجمة كتابات لي إلى الألمانية، وجهد الصديقة العزيزة د. «شريفة مجدي»، وأذكر الأيام الأربعة التي قضيناها في بيت «نافيد» بعد ميلاد مولودته، يسجلون معي تسجيلات صوتية من أجل كتابة كتاب عن سيرتي الذاتية باللغة الألمانية، وها هو الكتاب يخرج هذا العام عن دار نشر «هردر». وفي عشاء بمدينة «فرايبورج» بألمانيا في برد ديسمبر، احتفالا بالكتاب، قال لي الناشر عن رغبة الدار في نشر كتيبات تخاطب القارئ الأوروبي العادي عن أعلام الروحانية في الشرق والغرب. واقترح الدكتور «والتر»، مسئول النشر في الدار، أن أكتب كتابا جديدا عن «ابن عربي» مساهمة مني في هذه السلسلة، ويكون الكتاب باللغة الإنجليزية ليسهل ترجمته إلى الألمانية بسرعة.
ترجمت إلى العربية دراستي المنشورة بالإنجليزية عام ستة وتسعين عن «الفكر الإسلامي وحقوق الإنسان بين الواقع والمثال»؛ لتنشر ضمن كتاب يجمع كتابي الصغير في بداية التسعينيات «المرأة في فكر الأزمة»، إلى كتاباتي التي كتبتها في موضوع المرأة منذ ذلك، في كتاب واحد بعنوان «دوائر الخوف، قراءة في خطاب المرأة»، ويصدر هذا العام عن المركز الثقافي العربي ببيروت. كتبت دراسة محببة إلى قلبي؛ لأنها تأخذني إلى عالم التصوف، «اللغة/الوجود/القرآن، دراسة في الفكر الصوفي»، نشرت في العدد اثنين وستين، شتاء سنة تسع وتسعين، من مجلة «الكرمل» التي تصدر من «رام الله» بفلسطين. والتجربة الصوفية في جوهرها محاولة لتجاوز حدود التجربة الدينية العادية؛ التجربة العادية التي تقتصر على مجرد الوفاء بالتكاليف الشرعية والامتناع عن فعل المحرمات، لكن الصوفي يطمح إلى الدخول في تخوم الإحسان الذي قال عنه الملك جبريل عليه السلام: «أن تعبد الله كأنك تراه، وإن لم تكن تراه فإنه يراك.»
Page inconnue