Amira Dhat Himma
الأميرة ذات الهمة: أطول سيرة عربية في التاريخ
Genres
وهكذا اتهم الرشيد جعفر بن يحيى البرمكي بالاشتراك في حادث التهريب، والضرب بعرض الحائط بأوامره وغضبه ورغباته.
حتى إذا ما وصل إلى أسماع الرشيد عن طريق عيونه المشرعة على جعفر بن يحيى البرمكي، وعلم أنه بدوره يعد في الخفاء خطة محكمة للهرب والرحيل، هو وأتباعه وبيته، بحجة خروجه للصيد والقنص، بعث في طلبه وقربه إليه وهو يضمه إلى صدره، إلى أن أجلسه معه على كرسي الخلافة وهو يقبله في وجهه وما بين حاجبيه، محاولا أن يثنيه عن السفر غداة اليوم التالي بمختلف الحجج والمغريات.
وكان يوم جمعة حين أرسل الرشيد في طلبه مرتديا بذلة من الحرير «زرد»، وعلى رأسه خوذة فولاذية، وعن يمينه وشماله نحو مائة مملوك من الخواص، ومائة من الأتراك، كلهم بصدور الزرد، وبأيديهم السيوف والعمد، والرشيد جالس على ركبتيه آمرا سيافه مسرور بفرش «قبة الأديم» بالرماد، وحراستها بثلاثمائة غلام من النوبيين والسودانيين بسلاحهم المشهر.
ثم بعث الرشيد بمسرور لإحضار جعفر البرمكي مقسما: «وحق اتصالي بحمزة وعقيل، لئن لم تفعل ما أمرتك به لآخذن روحك من بين جنبيك.»
ولعلها كانت أقسى وأشق مهمة اضطلع بها سياف هارون الرشيد «مسرور»، وهو يتراجع عن الرشيد الغاضب لا يعرف له مهربا من مأزقه وهو يعتلي متن مهرته السوداء ليلا إلى حيث ضياع الوزير جعفر، داقا بواباتها الواحدة تلو الأخرى إلى أن وصل إليه لاهثا في مضجعه؛ لينهي إليه أمر الرشيد بالحضور.
هنا تعرفه جعفر البرمكي وقرأ ما يعتمل داخله محاولا تأجيل الزيارة لمطلع النهار دون خلجة واحدة من عيني مسرور، الذي تهاوى بكامل جثته لا يقوى على مجرد الإجابة بالقبول أو الرفض، حتى إن جعفر بن يحيى البرمكي أكمل ارتداء ملابسه واصطحب مسرورا المكفهر الوجه
وكان الرشيد قد أمر سيافه مسرور باستدراجه لجعفر إلى «قبة الأديم» وضرب عنقه، وأن يأتيه برأسه.
وهكذا قاد السياف صديقه إلى القبة المشعلة بآلاف الشموع الموقدة، كما لو كانت شموع العرس الدامي للبرمكي الذي قرأ الشهادة ، وطلب من السياف السماح له بصلاة الوداع داخل القبة المزدانة بالشموع الموقدة التي تحيل ليل ساحة القصر إلى نهار جلي.
وحين انخرط جعفر في صلاته وسجد متضرعا ضربه مسرور فنزع رأسه عن جسده، وحملها إلى الرشيد؛ «فلما رآها صرخ صرخة عظيمة وسقط عليها مغشيا عليه.»
إلى أن علق الرشيد جثته في حراسة أربعة وعشرين عريفا، وأمرهم بقتل كل من بكاه أو رثاه، ونادى المنادي في شوارع بغداد وساحاتها: «كل من رثى جعفر البرمكي بنصف بيت شعر أو بكى عليه لا يشاور عليه ولو كان مهما كان.»
Page inconnue