Amir Omar Touson
الأمير عمر طوسون: حياته – آثاره – أعماله
Genres
الإهداء
تمهيد
1 - الأمير عمر طوسون في صباه
2 - الأمير عمر طوسون في شبابه
3 - أفضال الأمير عمر طوسون على التاريخ المصري
4 - الأمير عمر ومحاضراته الثقافية
5 - فضل الأمير عمر طوسون على النهضات الوطنية
6 - نخوة الأمير عمر طوسون
7 - مآثر الأمير عمر طوسون على الجمعية الزراعية الملكية، وجهاده لتنشيط النهضة الزراعية والصناعية
8 - هباته الإنسانية ومبراته
Page inconnue
9 - الجمعيات التي يشترك فيها
10 - أفضاله على القطر الشقيق
11 - صفاته المحببة وديمقراطيته العظيمة
12 - ذكريات مطوية من ذيول الحرب الكبرى الماضية!
13 - وصيته الأخيرة ومعانيها الفاضلة
14 - آثاره المجيدة، أو بعض أفكاره السديدة!
15 - مسألة الوقف الأهلي
16 - المرأة والعمل في رأي سمو الأمير عمر طوسون
17 - إصلاح القرية المصرية وترقية شئونها الصحية
18 - ما يراه في شئوننا الاجتماعية
Page inconnue
19 - حول تغيير لباس الرأس في الجيش المصري
20 - منافسة المرأة للرجل في ميدان العمل
الإهداء
تمهيد
1 - الأمير عمر طوسون في صباه
2 - الأمير عمر طوسون في شبابه
3 - أفضال الأمير عمر طوسون على التاريخ المصري
4 - الأمير عمر ومحاضراته الثقافية
5 - فضل الأمير عمر طوسون على النهضات الوطنية
6 - نخوة الأمير عمر طوسون
Page inconnue
7 - مآثر الأمير عمر طوسون على الجمعية الزراعية الملكية، وجهاده لتنشيط النهضة الزراعية والصناعية
8 - هباته الإنسانية ومبراته
9 - الجمعيات التي يشترك فيها
10 - أفضاله على القطر الشقيق
11 - صفاته المحببة وديمقراطيته العظيمة
12 - ذكريات مطوية من ذيول الحرب الكبرى الماضية!
13 - وصيته الأخيرة ومعانيها الفاضلة
14 - آثاره المجيدة، أو بعض أفكاره السديدة!
15 - مسألة الوقف الأهلي
16 - المرأة والعمل في رأي سمو الأمير عمر طوسون
Page inconnue
17 - إصلاح القرية المصرية وترقية شئونها الصحية
18 - ما يراه في شئوننا الاجتماعية
19 - حول تغيير لباس الرأس في الجيش المصري
20 - منافسة المرأة للرجل في ميدان العمل
الأمير عمر طوسون
الأمير عمر طوسون
حياته - آثاره - أعماله
تأليف
قليني فهمي
الإهداء
Page inconnue
مرفوع بيد الإجلال والإكبار لمقام حضرة صاحب الجلالة مولانا الملك المحبوب.
فاروق الأول المعظم.
مولاي صاحب الجلالة
لي الشرف العظيم، بأن أرفع لمقامكم السامي الكريم، بكل ولاء وإخلاص، وبفيض من التعظيم والتكريم، كتابي في حياة فقيد مصر والشرق جميعا، المغفور له الأمير الجليل عمر طوسون - طيب الله ثراه - أحد أعضاء أسرتكم المجيدة، الذي كان عمادا للكثير من الهيئات العامة في النواحي الاقتصادية والاجتماعية والصناعية والزراعية في البلاد، فضلا عن رئاسته للعديد من المؤسسات الإنسانية البارة التي عم الخير منها أبناء الشعب، الذي تحبونه جلالتكم، وتسهرون على توفير أسباب السعادة له؛ إذ كانت مبادئه القويمة في كل خدماته النافعة مطابقة لمبادئ جلالتكم، ومحققة لرغباتكم النبيلة في الخدمة العامة.
وإني لأرجو يا مولاي، أن ينال كتابي هذا لدى جلالتكم قبولا وارتياحا، وآمل أن يكون فيه خير حافز للعاملين على إذاعة فضائل عظمائنا البارزين، معتبرا هذا الأثر بمثابة طاقة من الزهور، أضعها في خشوع وتقدير على جدث الأمير الطاهر المبرور، إقرارا بأفضاله، واعترافا بعظيم أعماله، رحمه الله وجعل الجنة مثواه، والله تعالى أسأل أن يديم حياة جلالتكم الغالية لرعاياكم الأوفياء ذخرا، ويحفظكم للشعب نصيرا، وللبلاد فخرا.
خادمكم الأمين
قليني فهمي باشا
تمهيد
كلمة المؤلف
إن تاريخ العظماء في كل أمة هو عنوان مجدها، ورمز حضارتها.
Page inconnue
ولقد اهتم المفكرون وذوو الرأي السديد في كل أقطار العالم بتدوين سير العظماء والأعلام الذين أفادت منهم الإنسانية، بما أدوه لها من جلائل الأعمال، مصورين حياتهم، واصفين محاسن شمائلهم، ساردين مآثرهم؛ لتكون كالشهاب الثاقب، يستضيء بنوره أبناء الأجيال الحاضرة والمقبلة؛ لاكتساب المفاخر والمناقب التي تجعل منهم أبناء بررة ورجالا عاملين!
المغفور له فقيد الشرق الأمير الجليل عمر طوسون.
والأمم برجالها، والرجال بأعمالها، وأصحاب الهمم العالية والعزائم القوية هم أرباب الأعمال المجيدة، والآثار المفيدة! وهم بدورهم أبطال التاريخ، وجبابرة الشعوب!
وعظماء الناس في كل جيل وقبيل، وفي كل زمان ومكان، هم أولئك الذين تفاخر بهم الإنسانية على توالي الأعوام. فهم كالكواكب الساطعة ينيرون ظلمة العالم، أو هم «كالملح» - كما يقول «نابليون بونابرت» - يصلحون طعام الوجود!
فالناظر في تاريخ العظماء - وما فيه من عظات وعبر - يدرك أن عظمتهم، وما تركوه وراءهم من تراث لا يفنى، إنما هو ميراث للبشرية جمعاء، وأن الناس كلما استعادوا ذكراها، أو استفادوا بها، إنما هم يستنزلون وحي ما لهم من بطولة على الصدور، كأن الأحياء الدارجين على رقعة الأرض يقاسمونهم خلودهم، وهم بين الرمس وفي طيات الثرى!
وفي حياة كل العظماء مادة لا تنفد ولا ينضب لها معين لكل من يريد أن يتناولها بالعرض والتحليل، فالأعلام في الأمم هم الذين يتضاءل الموت حيال أسمائهم، بل يظلون خالدين مذكورين على كل لسان! وتظل أعمالهم منقوشة على صفحات الصدور على الدوام، تستروح منها الدنيا أرجا جميلا يلهم الأفكار السامية، ويحض على عظائم الأمور والأعمال الحسان! •••
ونود الآن أن نطبق على فقيد مصر والسودان، والأقطار الشرقية على العموم؛ الأمير الجليل المغفور له ساكن الجنان «عمر طوسون» - طيب الله ثراه - هذه الآراء، فنذكر أن حياته تكاد تكون في مجموعها - جملة وتفصيلا - صفحة حافلة رائعة، من خيرة الصفحات التي يزهو بها تاريخ مصر الحديث، مزدانة بأنصع وأنفع السطور التي هي من مجد البطولة، ومن وحي الذكاء والفطنة، ناطقة كلها بالفضل العميم، والإيثار في سبيل المجموعة، والبذل والتضحية للخير العام!
وحسب تاريخ هذا الأمير الكريم فخرا أن يجد فيه شباب الشرق وأبناء الأجيال الناشئة هداية يسترشدون بها إلى سبيل هذه الفضائل التي كانت تتجسم في شخصه العظيم. وحسب أعماله تخليدا أن ينبعث منها النور الوهاج الذي يسطع في عقول العاملين ليلهمهم معنى الجهاد في سبيل استكمال رقي البلاد، والكفاح للوصول إلى المثل الأعلى في تحقيق وسائل النجاح، بما يطبعون به حياتهم من حميد صفاته، وسامي تضحياته، وباهر أعماله، وفاخر فعاله. •••
وبعد، فهذا هو كتابه المجيد.
وهو تحية العرفان لفضله العتيد الذي لا تحيط به الأقلام!
Page inconnue
تحية التقدير الذي ينطق به وادي النيل من منبعه إلى مصبه ومن مصر إلى شقيقها السودان!
وهو رمز البر بذكراه العطرة، ودلالة الاعتراف بجميل صنيعه، الذي سوف يبقى مذكورا مشكورا، ما بقيت في الصدور مشاعر الإخلاص والوفاء، وفي النفوس أحاسيس المحبة وشعائر الولاء!
وإني إذ أنهض بأداء هذا الواجب نحو الفقيد العظيم إنما أؤدي له بعض ما طوق به عنقي من حب خالص متبادل، وود عال مشترك، ورعاية دائمة، مبتهلا إلى الذي بيده ملكوت كل شيء، أن يتغمده بواسع رحمته، ويعوض البلاد والشرق كله في فقده خيرا، ويلهم أنجاله الكرام أصحاب السمو الأمراء النبلاء، جميل الصبر وحسن العزاء.
قليني فهمي باشا
مقدمة
بقلم محمد حلمي عيسى باشا
أطلعني صديقي قليني فهمي باشا على بعض ما كتب في سيرة الأمير الجليل المغفور له عمر طوسون. ومن عرف قليني باشا كما عرفناه استقر في نفسه أنه «معجم» حي، ملم بحياة وتاريخ كل من عاصرهم وعاصروه، وعاشرهم وعاشروه، حباه الله ذاكرة قوية لا تخونه، وإن طال القدم، ووهبه نشاطا فتيا، لا تصيبه الشيخوخة، وإن تقدم به الزمن! شغوف بإظهار مواهب الرجال، ذوي الفضل والأثر في تاريخ الأمة المصرية، وتقدمها، وتطور نهضتها؛ والعمل على رقيها، واستظهار مجدها في التاريخ القديم والحديث، وله ميزة إبراز الحوادث المؤثرة في النفوس، الدالة على حضور الذهن وسرعة فض المشكلات، والتخلص من الوقوع في الأزمات والورطات - سياسية كانت أو اجتماعية - ينطق بذلك ما كتبه، وما ألفه، ويشهد به من سمع قليني باشا في أحاديثه الطريفة.
فمن سمعه راوية كمن قرأه كاتبا، لا تحوير ولا تبديل، ولا تنميق في اللفظ أو العبارة! فلا غرو إذا رأيناه شغف بالإسراع في إظهار كتاب حوى تاريخ أمير جليل، وهو الأمير عمر طوسون: عرف الناس قدره حيا وميتا، فأجلوه وعظموه، وكان لهم من حياته درس نافع ومثل يقتدى. فمع سمو حسبه، وشرف مرتبته، لم يخلد للسكون، بل اشتغل عالما ومؤرخا لا ينقب إلا عما فيه مجد مصر، وفخر مصر. واشترك في الجمعيات العلمية والزراعية عاملا فيها على ما يقوي ويثبت دعائمها، وأسس نهضاتها لتتبوأ مكانها اللائق بها.
معالي حلمي عيسى باشا.
كما كان أسوة حسنة في القيام بمباشرة أعماله بنفسه، والتنقل في مزارعه بتعهدها والإشراف عليها بشخصه!
Page inconnue
وإنا لنتمنى أن يتجه أبناء مصر جميعا، على سائر طبقاتهم، هذا الاتجاه الذي اتجه إليه واضع الكتاب؛ من إذاعة فضل الناس وصاحب السيرة الحميدة، ليقتفي أثره كل من يحب وطنه وقومه. والسلام على من اتبع الهدى.
8 مارس سنة 1944
الفصل الأول
الأمير عمر طوسون في صباه
تمهيد
من الخير لمحبي التاريخ، بل نقول إن الأجدى لأولئك الذين يرغبون في الاستقصاء عن الحقائق - عندما يعرضون لتحليل شخصية عظيمة لأحد هؤلاء البارزين من أعلام البشر - أن يتناولوا النشأة الأولى لميلاده؛ حتى يأتي تاريخه سفرا كاملا حافلا، يطالعه الناس فيلموا بالأسباب التي كونت عناصر حياته الزاهرة وملأتها بالمكارم وأسرار البطولة!
ساكن الجنان الأمير عمر طوسون.
وهم حين ينهجون هذا النهج إنما يكشفون عن الجوانب الثمينة التي تنطوي عليها نفسه الفتية، مما يصح أن يكون مبعث فخار، ومثار مجد وزهو لأمته حيال الأمم الأخرى!
وعلى هذا الأساس، فنحن نورد تاريخ الأمير الجليل المغفور له ساكن الجنان عمر طوسون منذ مولده السعيد.
النشأة الأولى
Page inconnue
ولد أميرنا العظيم - رحمه الله - في مدينة الإسكندرية، في يوم الأحد (5 رجب سنة 1291ه) الموافق (8 سبتمبر سنة 1872م)، وكان والده هو الأمير محمد طوسون باشا، نجل والي مصر العظيم المغفور له محمد سعيد باشا، ابن المغفور له محمد علي باشا الكبير، رأس الأسرة العلوية الكريمة، ومنشئ مصر الحديثة، ويعتبر أبوه من أعاظم أمراء البيت المالك في مصر.
وقد توفي والده الكريم والأمير لم يكمل من سنيه الرابعة؛ فكفلته جدته لأبيه خير كفالة، وعنيت بتربيته على أحسن الوجوه، هو وإخوته وأخواته الكرام. وقد تلقى سموه وهو في حداثته مبادئ العلوم على أيدي أساتذة مختارين، في قصر والده، فنشأ محبا للدرس، مولعا بالبحث، ولما شب عن الطوق سافر إلى سويسرا للعلم والتحصيل، فأكب على الاغتراف من مناهل المعرفة، ودرس في كبرى جامعاتها دراسة مستفيضة، حيث استكمل تعليمه، وغدا في أسمى درجات الكمال.
سياحاته إلى الخارج
وقد قام الأمير عمر بعد ذلك بعدة سياحات في البلدان الهامة من أوروبا؛ فنزع إلى بلاد الإنجليز، وفرنسا وغيرها للدراسة، ووقف خلال سياحاته على أسرار تقدم هذه الأمم في النواحي الاجتماعية، وانتفع بهذه الرحلة، بإحاطته بأسباب الحضارة العصرية السائدة في هذه الأمم، وتمييزه بين الغث والسمين فيها، وتدقيقه وبحثه في العوامل التي كفلت تفوقها الصناعي والعلمي والزراعي؛ مما أفاده في النهاية فوائد جزيلة، استغلها في التوجيه الذي كان يشير أو ينصح أن تتجه إليه البلاد، لاقتباس ما يلائم طبيعتها وبيئتها وتقاليدها منه، من دون أن تصطدم بقوميتنا التي كان يحرص سموه على الاستمساك بها!
اللغات التي كان يجيدها
وحين عاد الأمير عمر طوسون من رحلته، بعد أن اختمرت نفسه بالرؤية والدرس، تفاعلت مشاهداته مع ما كان يعتمل في صدره من الرغبات القوية لخدمة بلاده؛ فبعثت فيه عقلا صقلته مباهج المعرفة، وهمة وثابة تحفزها حماسة الشباب إلى عظائم الأمور، وسعة إدراك بالمشكلات الكبرى التي تشغل أذهان المفكرين في العالم المتمدين، وجعلت منه كل هذه المواهب، مفكرا حصيفا، وألمعيا يشار إليه بالبنان.
وقد دفعته رغبته في الاطلاع، ومحبته للقراءة على إجادة عدة لغات حية، أهمها - فوق العربية - التركية والإنجليزية والفرنسية؛ مما ينم على سعة دائرة المعارف التي كان يحيط بها، ويقف منها على كل نافع ومفيد.
اقترانه وأنجاله
وفي 14 أغسطس من سنة 1898، عندما ناهز الأمير عمر طوسون السادسة والعشرين من عمره، تزوج بإحدى كريمات المغفور له الأمير حسن باشا نجل الخديوي العظيم المغفور له إسماعيل. وقد أنجب من البنين «النبيل سعيد طوسون» في 7 يناير سنة 1901، و«النبيل حسن طوسون» في أول ديسمبر سنة 1901، و«النبيلة أمينة طوسون» في 2 فبراير سنة 1903، «والمغفور لها النبيلة عصمت طوسون» في 17 مارس سنة 1904. وقد سهر سموه على تعليمهم وتثقيفهم بما يتفق وما هو عليه من سمو الهمة، وعالي الإدراك، وبما يطابق طالعهم السعيد، حتى غدا كل منهم - لا سيما نجليه الكريمين - خير خلف لأحسن سلف - أو كما يعبرون - «هذا الشبل من ذاك الأسد!»
عادات الأمير ورحلاته وهوايته
Page inconnue
ومنذ كان الأمير في صباه، حين كان لين العود، ريق الشباب، وهو مولع بالسياحة، محب للرياضة، وشغفه بالفروسية - على وجه التحديد - يعرفه كل من كان له به صلة، فهو من الرماة المهرة، وله في الصيد قدم راسخة.
وظل شغفه هذا بالرياضة ملازمه في كل مراحل حياته العامرة بالمجد، والجد، والدأب على العمل، ولما تقدمت به السن، استحال هذا الشغف إلى رعاية كريمة، كان يوليها للهيئات الرياضية في البلاد. فكانت أياديه البيضاء عليها تحفزها إلى الإقرار بأفضاله، وتنشط همتها، وتضاعف عزيمتها لرفع شأن البلاد، وكان دائما يختار رئيسا لها بالإجماع من حين إلى حين.
أما سياحاته فتنطق بها آثاره المشهورة، وكان كلفه بها داعيا له على أن يجعل له حاشية خاصة ترافقه إلى الجهات النائية التي يرحل إليها، باحثا منقبا. والجميع يعلمون أن سموه كان رحالة بحاثة، وإليه يرجع الفضل في التعريف بالكثير من مجاهل طرابلس، والصحراء الغربية، والأمكنة التي لم تكن معروفة في مريوط ووادي النطرون. ولعله المصري الوحيد الذي أحاط بدقائق المعلومات عن هذه الأماكن، بدوام تردده عليها، ومخالطته لأهليها، وتدارسه عن عاداتها مع علمائها وعلية الناس فيها!
كما لا ينسى أحد ما كان لرحلاته إلى الواحات الخارجة وغيرها عن طريق الصحراء من عميم النفع، وما توصل إليه في هذه الرحلة العظيمة من المعلومات المفيدة، وزيارته لدير المحرق في عام 1935، وما أثمرته هذه الرحلة وسواها من المؤلفات النفيسة التي أصدرها سموه ناطقة بأمجاد تاريخنا، مما سنفصله في الفصول القادمة.
الفصل الثاني
الأمير عمر طوسون في شبابه
اضطلاعه بإدارة أعماله
من يقف على أطوار هذه الحياة النافعة التي عاشها فقيد الشرق العظيم الأمير عمر طوسون، يعجب أشد العجب من ممارسته لمتعدد الأعمال، في غير ضجر أو تعب، واستغلاله لكل لحظة فيها بما يعود بالخير على البلاد، في غير سآمة أو ملل!
فما كاد سموه يعود إلى موطنه بعد استكمال دراسته، وإتمام سياحته، حتى كان قد بلغ أشده، وأشرف على سن رشده، فتولى شئون دائرته، وأمسك بزمامها بنفسه: يصرف أمورها على تعدد أعبائها في حكمة، ورصانة؛ تشهد له بالمهارة والاقتدار!
وأخذ الأمير عمر من هذا اليوم يطوف بمزارعه شرقا وغربا، ويمارس الفلاحة إلى جانب أهل القرى، وكلما وقع على رأي في كتب الفنون الزراعية أشار بإدخاله، مطبقا العلم على العمل، جاهدا في الوقوف على الأصول العلمية لاستثمار الأرض، مراجعا للمسائل الإدارية التي يقتضيها إشرافه الكامل على زراعاته الواسعة، حتى أصبح سموه بعد قليل مزارعا من القلائل الذين خبروا أحوال الزراعة المصرية وعرفوا أسباب تقدمها ، وعوامل تأخرها. وقد كانت معارفه، واختباراته وليدة الأسس الصحيحة التي بنى عليها سموه شهرته كمزارع؛ فقد انتفع بتجاربه، التي هي ثمرة الدرس والعمل معا في هذه الناحية الحيوية الهامة، وما يتصل بها من الجوانب الاقتصادية. فكان للبلاد المعلم الحكيم والمرشد الأمين، في كل معضلة، فقد كان ينير لها بسديد آرائه الظلمات المدلهمة في مسالك الوجود!
Page inconnue
سموه يدير أعمال بعض الأمراء
ولقد اكتسب سمو الأمير من ألوان التجارب في إدارته لمزارعه ونهوضه بأمورها الإدارية والمالية ما لا يحيط به البيان. ويكفي أنه لم تمض فترة طويلة حتى كانت مواهبه الطبيعية قد أهلته لأن يكون في طليعة المزارعين العظام؛ في سعة الاطلاع، وفي الشئون الاقتصادية التي غدا فيها جميعا يشار إليه بالبنان. ومن هنا عهد إليه بالإشراف على إدارة دائرتي الأمير حسن باشا ابن الخديوي العظيم إسماعيل والأميرة خديجة هانم، مع ملاحظة شئون دائرة الأمير محمد إبراهيم وغيره من أفراد الأسرة العلوية المجيدة. وكان سموه في كل هذه الأعمال، وما تستلزمه من التضحيات الثمينة بالوقت النفيس، والجهد الجهيد، متفضلا متطوعا، غير مبال بتعب أو حافل ببذل - شأنه في كل خدماته العامة، يحدوه حب الخير الغريزي، وإسداء المعروف لذاته - سواء للقريب أو البعيد بغير أدنى مفاضلة. ولعله من تقرير الوقائع، وإيراد الحقائق، أن نذكر أنه بفضل همة الأمير عمر، وحسن إرشاداته، وجميل رعايته، أصبحت هذه الدوائر في الناحية الإدارية مثالا يحتذى، وأصبحت في مقام ملحوظ، مدعم الأساس، على أكمل الوجوه!
من علامات حسن إدارته
كان سمو الأمير عمر - منذ شبابه الباكر - يميل للعمل، فلم يطاوع في حياته الأهواء، بل كان يملأ كل يوم من أيام عمره المبارك، بكل ما يدر الخير، ويؤتي أطيب الثمرات. وفي ذلك يقول عنه صاحب السمو الملكي الأمير الجليل محمد علي - أطال الله حياته - في حديث نشرته جريدة «المصري» الغراء لسموه مع مندوبها عن الأمير عمر طوسون ما نصه بالحرف الواحد:
كان سمو الأمير عمر طوسون أصغر أنجال طوسون باشا. نشأ على حب الدين والشرق؛ فكان يحافظ على التقاليد الشرقية والإسلامية محافظة دقيقة، لدرجة أنه في أيام شبابه لم نسمع عنه أنه انقاد لأهواء الشباب وميوله كسائر الشبان، بل حافظ على كرامة نفسه، فكان يصرف كل أوقاته في الأعمال النافعة كتنظيم دائرته وإصلاح أراضيه في حزم وقوة إرادة، عاملا على استرداد الأطيان والأملاك التي كان يبيعها أخوه وأخته، وذلك بأن اشتراها لحفظ ثروة المرحوم والده كاملة لأولاده. واستمر سموه على إدارة شئون الدائرة التي استلمها سموه مرهقة بالديون دون ملل، وبكل ما أوتي من جهد ونشاط مدة خمسين عاما تقريبا مسددا للديون، ومشتريا للأطيان المذكورة.
وهذه الشهادة العظيمة التي يفضي بها سمو الأمير الجليل محمد علي هي آية عظيمة، تنطق من تلقاء نفسها بحسن إدارة سموه لأعماله، وهي تغني عن كل إفاضة. ويستطيع المؤرخ أن يتأملها في روية، ليتضح له من بين السطور أن عنايته وجهوده قد كفلتا لكل ما بذله من خدمة ألوان النجاح والتوفيق؛ مما مكنه من المحافظة على أملاك والده، بتسديده ما عليها من التزامات، مع توسيع نطاقها بشراء نصيب شقيقه وشقيقته، وبمثل هذا المثال القويم فليعمل العاملون!
صاحب السمو الملكي الأمير الجليل محمد علي.
أياديه على النهضة الزراعية
إن كل إنسان يعلم أن مصر الزراعية في حاجة على الدوام لإنهاض الزراعة: فالزراعة هي أساس ثروتها القومية. وأولئك الذين اطلعوا على جهود سمو الأمير في هذه الناحية الهامة، أو استمعوا لآرائه، يدركون أن سموه كان معلما منيرا يوجه بتعاليمه وإرشاداته إلى السبل التي تكفل تحقيق هذه النهضة المنشودة. والمقربون إلى سموه يحدثونك عن دوام تنقلاته إلى ضيعاته الزراعية في متعدد القرى من ريف مصر، فلم يكن يمر شهر إلا ويمضي منه جانبا كبيرا بين المزارعين، مشرفا على سير الأعمال الجارية، متعهدا شئون موظفيه وعماله، ومستأجري أراضيه، وذلك فضلا عن جهوده في الجمعية الزراعية منذ زهاء 40 سنة التي تولى رئاستها بعد المغفور له ساكن الجنان السلطان حسين كامل، وسيأتي فيما بعد تفصيل جهوده في توسيع نطاقها؛ مما جعل نفعها أعم، بحسن توجيهاته، وبما كفل للبلاد هذه النهضة الزراعية الزاهرة، التي يعود إليه نصيب كبير من فضلها، بدوام ترقيته للشئون الزراعية، وعنايته بتقدمها؛ الأمر الذي أسفر في النهاية عن أعظم الآثار في الحياة الزراعية المصرية.
الفصل الثالث
Page inconnue
أفضال الأمير عمر طوسون على التاريخ المصري
مؤرخ القومية المصرية
أولع سمو الأمير العظيم عمر طوسون بالتاريخ منذ أيام الصبا والشباب، فلم ينقطع يوما عن البحث في نفائس المؤلفات التي كتبها الأفراد أو الجماعات التي يعنيها الوقوف على حقائق الأمم، في مختلف الأقطار متتبعين في ذلك ما خلفه الأقدمون من آثار!
ودفعه غرامه بالكشف عن النواحي الخفية من تاريخنا القومي إلى أن يقتني مكتبة عامرة بالكتب الفريدة، والمراجع النادرة. ولم يكن يمر يوم دون أن ينفق منه سموه شطرا كبيرا باحثا أو معلقا، على سفر من هذه الأسفار التي تحتشد بالبينات الرائعات عن أمجادنا القومية. وقد وقف سموه بدوام بحثه وتنقيبه على جوانب العزة والمجد في تاريخنا؛ فكشف عنها، وأضاء بثاقب بصيرته ظلماتها، التي كان العلماء - قبل سموه - يتخبطون فيها، ويجهلون أوجه الصواب منها. وقد أشربت روحه العالية بالغيرة المتقدة على تراثنا من هذا التاريخ، مع الاستمساك بالحقائق الثابتة - مهما كان وضعها - لأن هدف سموه كان إقرار الحق، بوضع الأمور في نصابها؛ وبذلك كان في كل أفضاله التاريخية مثالا للنزاهة والصدق وعنوانا على الجد والإخلاص!
وهكذا يستطيع كل مصري، أن يطلق على الأمير عمر لقب «مؤرخ القومية المصرية» بحق. وبذلك يصح فيه قول الشاعر:
خدم التاريخ وليس أشرف عنده
من أن يسمى خادما لبلاده!
استقلال رأيه أبرز صفاته
ومن ينظر في مؤلفات الأمير عمر التاريخية - التي أربى عددها على 39 مؤلفا - يجد تلك الآثار الحميدة ناطقة في أجلى بيان، بما كان لسموه من استقلال الرأي وأصالته كمؤرخ، مع صادق الخبرة، والبعد عن الأهواء، وكمال الدراية التي يعز نظيرها بين كل من تصدوا لتناول شئون التاريخ بالبحث والتسجيل، ولا بدع في ذلك فمن كان على مثال سموه (ورث السيادة كابرا عن كابر) لا بد أن تستهويه الحقيقة فيذكرها مجردة لوجه التاريخ . ولا غرابة في أن سموه بفطرته السليمة، ومبادئه القويمة، قد اضطلع بأمانة التاريخ؛ فكان الصدق ألزم صفاته وأجلى آياته!
ومن هنا كانت الهيئات العالمية في مختلف الأمم تتلقف آثاره التاريخية بالشغف الزائد، والشوق العظيم؛ فتقف فيها على الدقائق التي لا يمتري فيها اثنان، في بليغ بيان وفصيح برهان؛ لأنه كان موضحا للحقائق، مبرزا معالمها، منيرا خفاياها؛ لتبدو جلية للعيان كما تبدو الشمس المشرقة ساطعة في كبد السماء!
Page inconnue
إن كل هذه الفضائل التي اقترنت بصراحة المؤرخ الأمير، وجماع هذه المواهب والصفات التي عرف بها، كانت تبلغ من قلوب الناس - المنتفعين بالآثار الطلية التي سجل فيها سموه مفاخر تاريخنا القومي ما تبلغه عظمة الحقائق التي يقررها، وروعة الأساليب التي يؤديها بها، بما جعل مفعولها نافذا، وأثرها على العقول وفي الصدور قويا بارزا. وهذا وحده هو غاية الرفعة والجلال، ونهاية ما تصبو إليه نفوس عظماء الرجال من مراتب العزة والكمال!
سموه حجة للمؤرخين
وإن من يطالع مؤلفات الأمير عمر التاريخية العديدة، يجدها جميعا تتصل بالحقبة التي قطعتها مصر في مراحل التقدم ومعارج الرقي، منذ ولي أمرها المغفور له محمد علي باشا الكبير، ومن خلفوه من الولاة، مع بعض كتب عن الصلات الوثيقة التي تربط بين شطري النيل رباطا لا تتقطع أوصاله. والأمير في تلك النواحي التي خصص لها عنايته كباحث كان يعتبر حجة، لا ينازعه مكانته العلمية فيها منازع - في الشرق أو الغرب - ومن هنا كان رجال التاريخ يعدونه المرجع الأمين لهم، فإذا أعياهم الاهتداء إلى وجه الصواب في إحدى مسائل التاريخ المصري تكون إرشاداته وآراؤه هي وحدها المصدر الذي يلهمهم حقيقتها بعيدا عن كل مظنة أو خطأ قد يقعون فيه إذا لم يرجعوا إليه في أبحاثهم!
دعايته لمصر في مؤلفاته
وكان الأمير عالما بأن هذه الناحية التي تعرض لتناولها في تاريخنا في حاجة لمن يكشف عنها؛ ولذلك فقد أسدى إلى تاريخ مصر والسودان، ونهضتهما العسكرية والبحرية، وفتوحات ولاتها التي امتدت إلى أبواب استانبول ومجاهل بلاد الحبشة خدمات لا تقدر؛ إذ لولاه لظلت هذه الأمجاد التي نفاخر بها مجهولة في طوايا هذا التاريخ، تكتنفها الظلمات من جهل العالمين بها، في حين أنها في طليعة نفائسنا ومقدمة مفاخرنا القومية!
وكان سموه يفسر التاريخ تفسيرا صحيحا، فهو حين يتناول ذكر موقعة من المواقع، أو يعرض لبيان حالة البلاد الاجتماعية في زمن ما، لا يعنيه سرد الحوادث، إلا بمثل ما يعنيه ذكر النتائج التي أسفرت عنها؛ ولهذا كان يؤمن بأن تاريخنا القومي ليس مجرد روايات وحوادث، أو ذكر أشخاص، وإنما هو يصور مرحلة من مراحل التقدم العمراني في عصر مضى، وهو يتوخى أن يكون لمصر في هذا التاريخ، أعظم دعاية أمام أمم الدنيا بأسرها.
أسماء مؤلفاته الفرنسية
ونكتفي بعد هذا العرض بذكر مؤلفاته الفرنسية، ولها أصل بالعربية أيضا، وأسماؤها تغني عن الإفاضة في شرح ما تضمنته من المعلومات العظيمة، وما تحتويه في تضاعيف صفحاتها من المباحث الهامة التي تناقلتها أندية العالم بمزيد العناية؛ وهي:
أولا:
تاريخ أفرع النيل القديمة (جزءان).
Page inconnue
ثانيا:
تاريخ النيل.
ثالثا:
مالية مصر من عهد الفراعنة إلى الآن.
رابعا:
جغرافية مصر في عهد العرب.
خامسا:
سليا وأديرتها (مذكرات عن صحراء ليبيا).
سادسا:
فتح مصر «لابن الحكم».
Page inconnue
سابعا:
وصف فنار الإسكندرية.
ثامنا:
مذكرة عن عمود السواري في سنة 1843.
تاسعا:
المسألة السودانية.
عاشرا:
وادي النطرون.
حادي عشر:
الإسكندرية في سنة 1868.
Page inconnue
أسماء مؤلفاته العربية
أما مؤلفات سمو الأمير عمر باللغة العربية ولم تترجم إلى اللغات الأجنبية، فهي تتسم بسداد الرأي، وبالرغبة في التوجيه إلى تحقيق الإصلاح، وجلاء الحقائق في أسلوب مشرق مشوق خلاب، والحق يقال أن مؤلفاته تزين المكتبة المصرية؛ وهي:
أولا:
كتاب «خط الاستواء» (ثلاثة أجزاء).
ثانيا:
كتاب «البعثات العلمية» في عهد محمد علي باشا وعهدي عباس الأول وسعيد باشا.
ثالثا:
كتاب «الصنائع والمدارس الحربية» في عهد محمد علي باشا.
رابعا:
كتاب «11 يوليو سنة 1882».
Page inconnue
خامسا:
صفحة من تاريخ مصر والجيش البري والبحري من عهد محمد علي باشا.
سادسا:
أعمال الجيش المصري في المكسيك.
سابعا:
مذكرة عن الوقف.
ثامنا:
كلمات في سبيل مصر.
تاسعا:
مذكرة بما صدر عنا منذ فجر النهضة الوطنية.
Page inconnue
عاشرا:
تاريخ خليج الإسكندرية وترعة المحمودية.
حادي عشر:
المسألة السودانية.
ثاني عشر:
وادي النطرون ورهبانه وأديرته وتاريخ البطاركة.
ثالث عشر:
مذكرتان: «لبيب باشا الشاهد» عن أعمال الجيش المصري في السودان.
رابع عشر:
مذكرة: «ضحايا مصر في السودان وخفايا السياسة الإنجليزية»، وهذان مطبوعان على نفقة سموه.
Page inconnue
خامس عشر:
الأطلس التاريخي الجغرافي لمصر السفلى منذ الفتح الإسلامي للآن.
سادس عشر:
فتح دارفور.
سابع عشر:
مصر والسودان.
ثامن عشر:
مذكرة عن مسألة السودان بين مصر وإنجلترا.
وسمو الأمير عمر في كل هذه المؤلفات كان يضرب بسهم وافر في العلوم التاريخية، حتى غدت مهوى اطلاع القدماء والمحدثين من محبي التاريخ. وأذكر - على سبيل المثال لا الحصر - أني تناولت بالعرض والتنويه بعض هذه المؤلفات في الصحف. وأنشر فيما يلي إحدى هذه الآثار للذكرى والتاريخ:
مؤلفان ثمينان (1)
Page inconnue