فضحكت زبيدة استخفافا بهذه النبوءة؛ لأنها لا تدل على معرفة، فأدرك سعدون غرضها فنظر إليها وهو يتحاشى التفرس في وجهها تأدبا وقال: «لا أقول ذلك تعمية أو إبهاما، ولكنني أعني أنها ليست من عامة الناس، بل من أصل عريق في الكرامة والوجاهة وإن كانت اليوم في جملة الجواري.»
فقطعت زبيدة كلامه قائلة: «إذا كنت على ثقة مما تقول فأنبئنا عن حقيقة حالها بصراحة.»
قال: «وأقول ذلك أمامها؟» فقالت: «قل.»
فأعاد النظر إلى القدح ثم نظر في وجهها وقال: «إنها بنت وزير مات مقتولا.»
فلما قال ذلك اقشعر بدن الفتاة وامتقع لونها، والتفت الأمين إلى أمه لفتة ظافر فرآها لا تقل دهشة عنه ولكنها تجاهلت وقالت: «ربما كنت مصيبا فيما قلته.» ومدت يدها إلى كتاب بهزاد وقبضت عليه بكفها وقالت: «وما الذي بيدي؟» قال: «كتاب.»
فقهقهت وقالت: «بورك في مهارتك، إن الأطفال يعرفون ذلك. فإذا كنت رئيس المنجمين كما يسمونك فقل ماذا في هذا الكتاب.»
قال: «يسوءني يا سيدتي استخفافك بعلمي، وقد يجدر بي بعد ما سمعته أن أسكت عما أعلمه، ولكنني أقول لك إنك تقبضين على كتاب من نار، بل النار أخف وطأة على هذه اليد اللطيفة مما في هذا الكتاب. إن بيدك كتابا من رجل فارسي إلى هذه الفتاة وفيه من نصرة الفرس والغض من مقام العباسيين ما يسوءك ويسوء مولاي أمير المؤمنين. وإذا لم يقنعك هذا الإجمال فصلته تفصيلا. إن هذا العلم لم يكذبني من قبل، ولا أدري إذا كان قد صدقني الآن.»
فبغتت زبيدة ولم تعد تستطيع إخفاء الإعجاب فقالت: «صدقت أيها الملفان، وإذ قد علمت سر الكتاب فأعلمنا عن صاحبه أين هو الآن؟»
قال: «هو بعيد يا سيدتي. إنه في خراسان.»
قالت: «وما علاقة هذه الفتاة به؟»
Page inconnue