فنظرت فاطمة إلى ذلك الرأس فلم تعرفه فقالت: «رأس من هذا؟»
قال: «تفرسي فيه. ألم تعرفيه؟»
فتفرست فيه وقالت: «لا، لم أعرفه.»
قال: «رأس جعفر القتيل الثاني.»
فصاحت: «رأس جعفر؟ جعفر بن يحيى؟»
قال: «نعم يا أماه، إنه رأس جعفر المقتول غدرا.» وحدثته نفسه أن يبوح لأمه بحبه لميمونة، ثم أطرق وهو يراجع في ذهنه ما سمعه من الغرائب في تلك الساعة.
قالت: «وكيف عثرت عليه يا بني؟»
قال: «ألم تعلمي أن الرشيد غدر به وقتله ولم يكتف بقتله، بل قطع بدنه قطعتين نصب كلا منهما على جسر من جسور بغداد ونصب الرأس على جسر ثالث. معرضة للحر والبرد والشمس والمطر سنتين حتى سافر الرشيد إلى الري، وعند رجوعه عزم على الإقامة بالرقة فمر ببغداد وأمر أن تنزل جثة جعفر وتحرق وكنت أثناء نصب الجثة قد وكلت إلى سلمان أن يسعى في الحصول على الرأس فلما أنزلوا الجثة احتال على الموكل بالإحراق وأخذ منه الرأس، فحفظته في هذا الصندوق حتى جمعت إليه رأس جدي.»
فأعجبت فاطمة بما أتاه ولدها، فقبلته وقالت: «ضع هذين الرأسين في الصندوق، وضع الخنجر معهما، حتى يأتي وقت تجريده فتتقلده وأنت فائز بإذن الله. ولكن اكتم ما ذكرته لك عن كل إنسان، وسيأتي يوم تتقلد فيه هذا الخنجر وتقتل به عدوك، تقتل به بعض أبناء قاتل جدك، ولكن احذر يا بني أن تظهر للملأ ما تعمله، فإذا دعيت إلى الحرب فلا تكن قائدا أو أميرا.»
فقال: «ذلك ما عزمت عليه؛ فإنه لا أرب لي إلا في الانتقام.»
Page inconnue