الكتاب وحيث قد ذكرنا ما يصحب في سفره من الطعام فلنذكر ما يحضرنا ويتهيأ ذكره من الآداب المتعلقة بالاكل بحسب ما يهدينا إليه واهب الألباب فنقول ان الطعام يحضر بين يدي الانسان إلا بعد ان يولى الله جل جلاله بيد قدرته وحكمته ورحمته وداعيته واختياره وارادته انشاء السماوات والأرضين والبحار والأنهار والغيوث والغيوم والأمطار وفصول الصيف والشتاء والربيع والخريف وما فيها من المنافع والاسرار ويستخدم في ذلك من يختص بهذه المصالح من الملائكة ومن يقوم بتدبير الخلائق من الأنبياء والأوصياء والرعايا والولاة وأصحاب الصنائع والأكرة والحدادين والنجارين والدواب التي يحتاج إليها لهذه الأسباب ومن يقوم بمصالح ذلك ومهماته، من ابتدائه إلى حين طحنه وخبزه وحمله إلى بين يدي من يأكله أوقات حاجاته، فالمنة فيه لله - جل جلاله - أعظم من المؤنة على مائدة بني إسرائيل فيجب أن يكون العبد عارفا وذاكرا وشاكرا لهذا الانعام الجزيل الجليل، وجالسا عند اكله بين يدي الله جل جلاله ليأكل من طبق ضيافته كما يجلس العبد بين يدي سلطان قد عمل له طعاما واستخدم فيه نفسه وخواصه ومن يحتاج إليه من أهل دولته، والسلطان ناظر إلى الذي يأكل، كيف شكره لنعمته وكيف حفظه لحضور السلطان وحرمته وكيف يتأدب في جلوسه بين يديه وكيف يقصد بأكل الطعام ما يريد به السلطان مما يقربه إليه أقول ثم يكون العبد ذاكرا وشاكرا انه إذا اكل الطعام انه لولا ما وهبه الله جل جلاله من الجوارح تعينه على حمله واكله ومضغه والريق الذي يأتي بقدر حاجته من غير زيادة على اللقمة فكانت الزيادة تجرى من فمه ولا نقيصه فكانت اللقمة تكون يابسه أو غير ناعمة أقول وليكن ذاكرا وشاكرا انه إذا صار الطعام في معدته فإن الله
Page 57