وما رمنَ حتَّى أرسلَ الحيُّ داعيًا ... وحتى بدا الصُّبحُ الذي كان تاليا
وحتى استبانَ الفجرُ أبيضَ ساطعًا ... كأنَّ على أعلاهُ ريطًا شآميا
فأدبرنَ يخفضنَ الشُّخوصَ كأنَّما ... قتلنَ قتيلًا أو أتينَ دواهيا
وأصبحنَ صرعى في البيوتِ كأنَّما ... شربنَ مداما لا يجبنَ المناديا
ألا نادِ في آثارهنَّ الغوانيا ... سقينَ سمامًا ما لهنَّ وما ليا
وراهنَّ ربِّي مثلَ ما قد ورَينني ... وأحمى على أكبادهنَّ المكاويا
وقائلةٍ والدَّمعُ يحدرُ كحلها ... أهذا الذي وجدًا يبكِّي الغوانيا
أشارتْ بمدراها وقالت لتربها ... أعبد بني الحسحاسِ يزجي القوافيا
رأتْ قتبًا رثًَّا وسحقَ عباءةٍ ... وأسودَ مما يملكُ النَّاسُ عانيا
يرجِّلنَ أقوامًا ويتركنَ لمَّتي ... وذاكَ هوانٌ ظاهرٌ قد بدا ليا
فلو كنتُ وردًا لونهُ لعشقنني ... ولكنَّ ربّي شانني بسواديا
وما ضرَّني إن كانتْ أمِّي وليدةً ... تصرُّ وتبري للِّقاحِ التَّواديا
ذهبنَ بمسواكي وألقينَ مذهبًا ... من الصَّوغِ في صغرى بنانِ شماليا
فعزَّيتُ نفسي واجتنبتُ غوايتي ... وقرَّبتُ حرْجوجًا من العيسِ ناجيا
مروحًا إذا صام النهارُ كأنَّما ... كسوتُ قتودي ناصعَ اللَّونِ طاويا
شبوبًا تحاماهُ الكلابُ تحاميًا ... هو اللَّيثُ معدوًّا عليه وعاديا
حمتهُ العشاءَ ليلةٌ ذاتُ قرَّةٍ ... بوعساءَ رملٍ أو بعرنانَ خاليا
يثيرُ ويبدي عن عروقٍ كأنَّها ... إعنَّةُ خرَّازٍ جديدا وباليا
ينحِّي ترابا عن مبيتٍ ومكنسٍ ... ركامًا كبيتِ الصَّيدناني دانيا
فصبَّحهُ الرَّامي من الغوثِ غدوةً ... بأكلبهِ يغري الكلابَ الضَّواريا
فجالَ على وحشيِّهِ وتخالهُ ... على متنهِ سبًَّا جديدا يمانيا
يذودُ ذيادَ الخامساتِ وقد بدتْ ... سوابقها من الكلابِ غواشيا
فدعْ ذا ولكن هل ترى ضوءَ بارقٍ ... يضيءُ حبيًَّا منجدًا متعاليا
يضيءُ سناهُ الهضبَ هضبَ متالعٍ ... وحبَّ بذاكَ البرقِ لو كان دانيا
نعمتُ بهِ بالا وأيقنتُ أنَّهُ ... يحطُّ الوعولَ والصُّخورَ الرَّواسيا
فما حرَّكتهُ الرِّيحُ حتَّى حسبتهُ ... بحرَّةِ ليلى أو بنخلةَ ثاويا
فمرَّ على الأنهاءِ فالتجَّ مزنهُ ... فعقَّ طويلًا يسكبُ الماءَ ساجيا
ركاما يسحُّ الماءَ عن كلِّ فيقةٍ ... كما سقتَ منكوبَ الدَّوابرِ حافيا
فمرَّ على الأجبالِ أجبال طيِّءٍ ... فغادرَ بالقعيانِ رنقًا وصافيا
أجشَّ هزيمًا سيلهُ متدافعٌ ... ترى خشبَ الغلاَّنِ فيه طوافيا
له فرَّقٌ يُنتَّجنَ حولهُ ... يُفقِّئنَ بالميثِ الدِّماثِ السَّوابيا
فلما تدلَّى للجبالِ وأهلها ... وأهلِ الفراتِ قاطعَ البحرَ ماضيا
شكا شجوهُ واغتاظَ حتَّى حسبته ... من البعدِ لمَّا جلجلَ الرَّعدُ حاديا
فأصبحتِ الثِّيرانُ غرقى وأصبحت ... نساءُ تميمٍ يلتقطنَ الصَّياصيا
غزلية جران العود النميري
قالوا: ومن الغزليات المختارة المقدمة قصيدة جران العود النميري، وإنما لقب بجران العود لقوله لامرأتيه:
خذا حذرا يا جارتيَّ فإنَّني ... رأيتُ جرانَ العودِ قد كادَ يصلحُ
يعني سوطًا قده من جران جمل مسن، وكان جران العود غزلا وصافا، يصف ويفرط في نسيبه، ومما كذب فيه قوله:
فأصبحَ من حيثُ التقينا غنيمةً ... سوارٌ وخلخالٌ ومرطٌ ومُطرفُ
ومنقطعاتٌ من عقودٍ تركنها ... كجمرِ الغضا في بعضِ ما يُتخطرفُ
والقصيدة
ذكرتُ الصِّبا فانهلَّتْ العينُ تذرفُ ... وراجعكَ الشَّوقُ الذي كنتَ تعرفُ
وكانَ فؤادي قد صحا ثمَّ حاجهُ ... حمائمُ ورقٌ بالمدينةِ هتَّفُ
كأنَّ الهديلَ الظالعَ الرِّجلِ وسطَها ... من البغي شرِّيبٌ يغرِّدُ منزفُ
يذكِّرننا أيامنا بسويقةٍ ... وهضبيْ قساسٍ والتَّذكُّرُ يشعفُ
وبيضًا يُصلصلنَ الحجولَ كأنَّها ... ربائبُ أبكارِ المها المتألِّفُ
1 / 70