ومن أمثالهم: ليس الرِّيُّ عن التَّشاف، يريد ليس الريّ أن يشرب كل شيء في الإناء، والتَّشاف تفاعل من الشفاهة، ويقال: فلان إذا شرب اشتفَّ، وإن أكل لفَّ.
ويقال: قد تصابَّ إناءه، إذا أخذ صبابته، ويقال: ما بقي من الدنيا إلاّ صبابة كصبابة الإناء يتصابُّها صاحبها.
أسماء القداح: الفذّ والتوأم والرَّقيب والحِلس، ويقال: الحِلس على مثال الكتف وهو الأصل، والنَّافس والمصفح والمعلَّى، فهذه ذوات الأنصباء، والسَّفيح والمنيح والوغد لا أنصباء له، ولكن كلما خرجت ردَّت في القداح، تكثيرًا لها.
حكى الأصمعي، قال: كان رجل من العرب دخل مع إخوة له غارًا، فسقط عليهم الغار، فهلك أخوته وأفلت هو، وتزوج في قوم من العرب بعد ذلك، وأحدث فيهم حدثًا، فخافهم، فغبر عنهم دهرًا غائبًا، ثم انصرف إليهم، وأشكل عليهم معرفة أهله، فجعل يقتري الظعائن ويقول: هل سمعت ببني أمٍّ ماتوا غمًّا إلاّ فتيًّا ما فعل فعلة، ما رأى خالًا فعلها ولا عمًّا، فيقول: إليك عني، فلم يزل كذلك حتَّى مر بامرأته فعرفته، فألقت إليه ابنه وكانت بابنه شامة فقالت: الأشيم فخذنه، وأخانا فدينه، والقوم فاحذرنه. فاحتمل ابنه فانطلق، فقال للأشيم: ما ترى؟ وهو الذي به شامة، فقال: أرى عوطًا بوطًا يجري في لباتها السوط، يعني باللبات لبات الفرس، والغوط: ضرب من الركض والطلب، والبوط: اتباع العوط. قال له: انظر ما ترى؟ قال: أرى على جارك واركًا مستمسكًا أو هالكًا، ثم قال له: ما ترى؟ قال: أرى حدرة بدرة من خيلنا أو خيل آل مرَّة، فقال: انزل حدرة بدرة، أي: حادرة بادرة.
ومن أمثالهم: افعل ذاك ما دام سرحك آمنًا، وتفسير هذا ما روى بعضهم أنه قال: فلان لا ينزع عن كذا حتَّى يصيبه الله بصاعقة أو بقارعة ينفر منها شأوه. وللشاعر في طريقته قوله:
إذا زُفَّ راعي البهْمِ والبهمُ نافرُ
مسألة من الأبنية زعم الخليل أنه ليس في كلامهم على مثال فعالَّة غير ثلاثة أحرف وهي: حمارَّة، وصبارَّة الشتاء، وزعارَّة الخلق، وقد جاء: أتيته على حبالَّة ذلك، أي: على حين ذلك، وألقى عليه عبالَّته، أي ثقله، وجاء القوم بزرافَّتهم، أي: بجماعتهم، وقد حكى زرافي أيضًا، يريد الزُّرافات، ويروى عن الحجاج أنه قال: إيَّاي وهذه الزَّرافي، أي: الجماعات.
وهذه جرابَّة فلان، أي: عياله إذا كانوا مسانَّ، ويقال: جربَّة أيضًا، وأنشد الأصمعي:
جرَبَّةٌ كحُمرِ الأبَكِّ ... لا ضرَعٌ فيهم ولا مذَّكُ
وفيه مذارَّة: أي تبذير مال، وفيه دعارَّة: أي خبث، ومنه العود الدَّعر وهو الكثير الدخان، والحمارَّة هبريَّة الرأس.
فصل
مما نسب الخليل فيه إلى التصحيف أو التقصير
زعم أن الغين معجمة والهاء والميم لا تجتمع في كلمة، وأنكر الهميغ الموت، وقال: هو الهميع بالعين، وهذا صحيح مروي، واشتق من همغ رأسه أي شدخه، ويقال: انهمغ الشيء، أي: انفسخ، وقُرحة منهمغة أي مبتلة.
ويقال للظلمة: غيهم وغيهب. وذكر في باب الحاء والقاف القارح: القوس التي بان وترها من مقبضها، وإنما هو الفارج.
وفي باب الخاء المعجمة والصاد: الخِصب، الحية، وإنما هو الخِضب.
وفي باب الحاء غير المعجمة: الحبير، الزَّبد، وإنما هو: الخبير بالخاء معجمة، قال الهذلي:
تغذَّمنَ في حافتيهِ الخبي ... رَ وهَى خرجُهُ واستُبيحا
تغذَّمنَ أي: مضغن، والخبير: الزبد، وهذا مثل ضربه للسحاب، ومعنى: وهى خرجه، يعني: ماءه، كأن الأرض استباحته وذهبت به.
وقال في باب الذال معجمة والباء: شيء ربيذ أي: منضود، وإنما هو: رثيد بالثاء والدال.
وقال في باب الزاي والراء مع الباء: كبش زبير، أي: أعجر مملوء بتقديم الزاء، وإنما هو: ربيز بتأخيرها.
وقال في باب الكاف والتاء مع الميم: التَّكمَة مشي الأعمى بلا قائد، وإنما هو: التَّكمَّهُ من الأكمه، وهو الذي يولد أعمى.
وذكر في باب القاف والياء في اللفيف: تقيَّأت المرأة لزوجها إذا تثنَّت عليه متغنِّجة، وإنما هو تفيَّأت بالفاء.
وقال في باب المعتل: الملقات رأس الجبل على مثال مفعلة وجمعها الملاقي، وإنما الملقَات وجمعها ملقة على مثال علقة.
وزعم أن العين والحاء لا يأتلفان في كلمة أصلية الحروف، وقد وُجد، يقال: اتْعنجح الماء بمعنى انفجر.
بيت معنى
1 / 26