[٣] مجلس آخر «*» [المجلس الثالث:]
تأويل آية [فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ]
إن سأل سائل فقال: ما تقولون فى قوله تعالى حكاية عن موسى ﵇: فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ [الشعراء: ٣٢]، وقال فى موضع آخر: وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ (١) [القصص: ٣١].
والثّعبان هو الحيّة العظيمة الخلقة، والجانّ الصغير من الحيّات، فكيف اختلف الوصفان والقصة واحدة؟ وكيف يجوز أن تكون العصا فى حالة واحدة من صفة ما عظم خلقه من الحيّات، وبصفة ما صغر منها؟ وبأىّ شيء
تزيلون التناقض عن هذا الكلام؟ .
الجواب: أول ما نقوله (٢): إن الّذي ظنه السائل من كون الآيتين خبرا عن قصة واحدة باطل؛ بل الحالتان مختلفتان؛ فالحال [التى أخبر عن العصا فيها بصفة الجان] (٣) كانت فى ابتداء النبوّة، وقبل مصير موسى ﵇ إلى فرعون، والحال التى صارت العصا فيها ثعبانا كانت عند لقائه فرعون وإبلاغه الرسالة؛ والتلاوة تدلّ على ذلك؛ وإذا اختلفت القصّتان فلا مسألة.
على أن قوما من المفسّرين قد تعاطوا الجواب عن هذا السؤال؛ إمّا لظنّهم أن القصة واحدة، أو لاعتقادهم أن العصا الواحدة لا يجوز أن تنقلب فى حالتين: تارة إلى صفة الجانّ،
_________
* كذا فى ت، وفى الأصل، ف: «مجلس آخر ثالث».
(١) حواشى الأصل، ت، ف: «لم يعقب: لم يرجع؛ وقيل لم يلتفت، وقيل لم يعطف ولم ينتظر؛ يقال: كر على القوم وما عقب. ويرى أهل النظر أنه مأخوذ من العقب؛ وروى عن سفيان: لم يعقب:
لم يمكث، ويقال: عقب فى الأمر إذا تردد فى طلبه مجدا؛ وقوله تعالى: لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ؛ أى لا يحكم بعد حكمه حاكم، والمعقب: الّذي بكر على الشيء، وقوله تعالى: لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، أى للإنسان ملائكة يعقب بعضهم بعضا. وقال الفراء: ملائكة الليل تعقب ملائكة النهار؛ يعنى أنهم يتعاقبون ليلا ونهارا».
(٢) ت، د: «أول ما نقوله فى هذا».
(٣) ت: «فالحال التى أخبر أن العصا صارت فيها بصفة الجان ...».
1 / 25