من اللغة وكلام العرب؛ لأن الواجب على من يتعاطى تفسير غريب الكلام والشّعر أن يذكر كلّ ما يحتمله الكلام من وجوه المعانى؛ فيجوز (١) أن يكون أراد المخاطب كلّ واحد منها منفردا، وليس عليه العلم بمراده بعينه؛ فإن مراده مغيّب عنه، وأكثر ما يلزمه ما ذكرناه من ذكر وجوه احتمال الكلام.
فصل [ذكر بعض أخبار الشعراء المتقدمين ممن كان على مذاهب أهل العدل]
قال الشريف المرتضى رضى الله عنه: وممّن كان من مشهورى الشعراء ومتقدّميهم على مذاهب أهل العدل ذو الرّمة؛ واسمه غيلان بن عقبة، وكنيته أبو الحارث، وذو الرّمة/ لقب لقّب به لبيت قاله، وهو قوله فى صفة الوتد:
* أشعث (٢) باقى رمّة التّقليد*
والرّمة: القطعة البالية من الحبل؛ يقال: حبل أرمام؛ إذا كان ضعيفا باليا؛ وقيل إنه إنما لقّب بذى الرّمة لأنه كان- وهو غلام- يتفزّع، فجاءته أمّه بمن كتب له كتابا وعلّقته عليه برمّة من حبل؛ فسمّى ذا الرّمة.
ويشهد بمذهبه فى العدل ما أخبرنا به أبو عبيد الله محمد بن عمران المرزبانىّ قال حدّثنا ابن دريد قال حدثنا أبو
عثمان الأشناندانىّ عن التّوزيّ عن أبى عبيدة قال:
اختصم رؤبة وذو الرّمّة عند بلال بن أبى بردة، فقال رؤبة: والله ما فحص طائر أفحوصا، ولا تقرمص سبع قرموصا (٣) إلّا بقضاء من الله وقدر؛ فقال له ذو الرّمة: والله ما قدّر الله على الذّئب أن يأكل حلوبة (٤) عيائل (٥) ضرائك؛ فقال رؤبة: أفبقدرته أكلها؟ هذا كذب
_________
(١) حاشية الأصل (من نسخة): «ويجوز».
(٢) حاشية الأصل: «بكسر الثاء؛ لأن قبله:
* وغير مشجوج القفا موتود* ... أشعث ...
وفى حاشية ف: «رمة التقليد؛ أى الرمة التى يجيء منها تقليد الوتد بها»، والبيت فى ديوانه:
١٥٥.
(٣) فى حاشيتى الأصل، ف «تقرمص؛ أى اتخذ قرموصا، وهو الموضع الّذي يأوى إليه».
(٤) فى حاشيتى الأصل، ف: «الحلوبة: التى بها لبن يحلب؛ وأكثر ذلك فى النوق، وقد تستعمل فى غيرها».
(٥) فى حاشيتى ت، ف: «عيال الرجل: من يعوله، وواحد العيال عيل، مثل جيد وجياد وجيائد. والضريك: الضرير البائس الفقير؛ ولا يصرف له فعل، ولا يقال: ضركه بمعنى ضره؛ والجمع ضرائك وضركاء».
1 / 19