ولا يزيد عليها؛ وهذا يجرى مجرى أن تقول: هو موزون. وقال مالك بن أسماء ابن خارجة الفزارىّ (١):
وحديث ألذّه هو ممّا ... ينعت الناعتون يوزن وزنا (٢)
منطق صائب وتلحن أحيا ... نا وخير الحديث ما كان لحنا
وهذا الوجه الّذي ذكرناه أشبه بمراد الله تعالى فى الآية، وأليق بفصاحة القرآن/ وبلاغته الموفيتين (٣) على فصاحة سائر الفصحاء وبلاغتهم؛ فأمّا قول الشاعر الّذي استشهدنا بشعره: «وتلحن أحيانا» فلم يرد اللّحن فى الإعراب الّذي هو ضد الصواب (٤)؛ وإنما أراد الكناية عن الشيء والتعريض بذكره والعدول عن الإفصاح عنه؛ على معنى قوله تعالى:
وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ. [محمد: ٣٠]، وقول الشاعر (٥):
ولقد وحيت لكم لكيما تفطنوا ... ولحنت لحنا ليس بالمرتاب (٦)
وقد قيل: إن اللحن الّذي عنى فى البيت هو الفطنة وسرعة الفهم؛ على ما روى عن
_________
(١) هو مالك بن أسماء بن خارجة بن حصن الفزارى؛ شاعر إسلامى غزل. (الشعر والشعراء ٧٥٦ - ٧٥٨).
(٢) حواشى الأصل، ت، ف: «حديث معطوف على كلام قبله؛ أى لها وجه، ولها حياء، ولها حديث، أو مثل ذلك. وقوله: «ألذه»، أى استلذه؛ يقال: لذذت به ولذذته، وقوله: «مما ينعت الناعتون»، أى مما ينعته الناعتون. وقوله: «مما يوزن وزنا»، أى موزونا، فهو فى موضع الحال».
(٣) حاشية الأصل: «الموفيتين: المشرفتين».
(٤) حواشى الأصل، ت، وف: «المسألة محتملة لأنه يريد باللحن ضد صواب الإعراب؛ لأن مقابل المنطق الصائب الملحون، واللحن من الغوانى والفتيات غير مستكره ولا منكر، بل قد يستحب ذلك منهن؛ لأنه بالتأنيث أشبه، وللشهوة ادعى، ومع الغزل أحرى؛ والإعراب جد، وليس الجد من التعشق والتغزل بشيء، ثم ما الموجب لأن يتمحل للبيت وجه يسلبه حسن الطباق؟ ولو أراد به الملاحنة التى هى الفطانة لكان ملغيا بذكر اللحن؛ لأن اللحن فى هذا المعنى صائب، فيذهب الاتساق بذهاب الطباق؛ فبان لك أن المعنى هو اللحن الّذي يضاد صواب
الإعراب وإقامته؛ وإن كان كذلك المعنى الثانى محتملا».
(٥) هو القتال الكلابى؛ والبيت فى (الأمالى ١: ٥، واللسان- لحن)، وقبله:
هل من معاشر غيركم أدعوهم ... فلقد سئمت دعاء يا لكلاب! .
(٦) حاشية الأصل: «الوحى: الإشارة والرسالة والكلام الخفى؛ يقال: وحيت إليه فى الكلام، -
1 / 14