138

وصيرني يأسي من الناس واثقا

فاستحسنت البيتين، وتبركت بهما، وثاب علي عقلي، فأقبلت على الرجل، وقلت له: تفضل أعزك الله تعالى، بإعادة البيتين.

فقال لي: ويحك يا إسماعيل ولم يكنني ما أسوء أدبك، وأقل عقلك ومروءتك(1)، ومن ذلك دخلت إلي ولم تسلم علي تسليم المسلم على المسلم، ولا توجعت لي توجع المبتلي للمبتلي، ولا سألتني مسألة الوارد على المقيم، حتى إذا سمعت مني بيتين من الشعر الذي لم يجعل الله فيه(2) خيرا، ولا أدبا ولا جعل لك معاشا غيره، لم تذكر ما سلف منك فتتلافاه، ولا أعتذرت مما قدمته، وفرطت فيه من الحق، حتى استنشدتني مبتدءا كأن بيننا أنسا قديما، ومعرفة سابقة، وصحبة تبسط المنقبض.

فقلت له: تعذرني متفضلا فدون ما أنا فيه يدهش.

قال: وفي أي شيء أنت؟ إنما تركت قول الشعر الذي كان جاهك عندهم وسبيلك إليهم، فحبسوك حتى تقول، وأنت لا بد من أن تقوله فتطلق، وأنا يدعى بي الساعة، فاطلب بعيسى بن زيد بن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإن دللت عليه، فقتل، لقيت الله بدمه، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خصمي فيه، وإلا قتلت مكانه، فأنا أولى بالحيرة منك، وأنت ترى احتسابي وصبري.

فقلت: يكفيك الله، وأطرقت خجلا منه.

فقال: لا أجمع عليك التوبيخ والمنع، إسمع البيتين، فاحفضهما، فأعادهما(3) مراراحتى حفظتهما، ثم دعي به وبي، فلما قمنا، قلت: من أنت أعزك الله. قال: أنا حاضر صاحب عيسى بن زيد.

فأدخلنا على المهدي. فلما وقف بين يديه، قال له: أين عيسى بن زيد؟

فقال: ما يدريني ، أين عيسى طلبته وأخفيته فهرب منك في البلاد، وأخذتني فحبستني، فمن أين أقف على موضع هارب منك وأنا محبوس.

وقال له: وأين كان متواريا؟ ومتى كان(4) آخر عهدك به وعند من لقيته؟

Page 138