L'espoir et l'utopie dans la philosophie d'Ernst Bloch
الأمل واليوتوبيا في فلسفة إرنست بلوخ
Genres
26
ويساعد الجو الليبرالي
27
المستنير من حوله على مواصلة الحلم والتفكير والعمل والشعور بإحساس المواطن الحر المنتمي لتراثه القومي من ناحية، والمتمسك من ناحية أخرى بتراثه اليهودي الغني بحكمته وأساطيره وحكاياته وكتاباته الصوفية السرية ونزعات الخلاص وأشواق مملكة الميعاد الكامنة فيه. وتتبلور كنوز التراثين في أسلوب مزدحم بالصور والاستعارات والتشبيهات والأمثال والحكم الموجزة التي تكاد تغرق خيوط الفلسفة المتسقة والتفكير المنهجي الدقيق. وينطلق الملاح العنيد الحالم في هذا البحر بحثا عن تلك الأرض التي لم توجد من قبل ولم تطأها قدم إنسان، تهديه منارة «ذاتيته» المتوهجة بأشعة الأمل الذي لم تلح سفينته في الأفق فتكشف له أبعاد الواقع الموضوعي المنتظر في غد لن يتأخر إذا استطاع البشر بعلمهم وعملهم وجهدهم أن يصلوا «الكائن» بما «سوف يكون». (1) مؤثرات فلسفية
يواصل الحالم الشاب رحلة كفاحه مع التراث البشري فتصبح نواة فكرته عن الأمل موسوعة ضخمة. وعلى الرغم من أن جذور فلسفته ضاربة في التراث الألماني بوجه خاص، إلا أن تكوينه العقلي قد تشكل من تيارات عديدة تكاد أن تشمل الحضارة البشرية بأكملها: من الفلسفة الكلاسيكية القديمة والتراث الصوفي إلى الفلسفات الشرقية والغربية. وهكذا ارتبط الوجود الحاضر بالماضي الذي انقضى والمستقبل الذي لم يأت بعد. وتحققت دلالة العبارة الشهيرة التي قالها ليبنتز (فيلسوف الممكن الذي يتحقق في الواقع بحكم الضرورة المنطقية والعناية الإلهية): «إن الحالة الحاضرة لأي جوهر بسيط هي بطبيعتها نتيجة مترتبة على حالته السابقة، بحيث إن الحاضر يحمل المستقبل في أحشائه.»
28
بيد أن ليبنتز، الذي قامت فلسفته على استيعاب المستقبل في الحاضر، لم يستطيع أن يستخلص منها «أنطولوجيا» كاملة أو نظرية واضحة عن الوجود كما فعل بلوخ في كتابه الأكبر «مبدأ الأمل». ولم يكن من المستطاع تصور ذلك قبل منطق هيجل الذي ربط في المقولة الأولى منه بين الوجود والعدم والصيرورة ربطا محكما، ولا كان من الممكن أيضا أن يتحول التفكير في الغد وما بعد الغد حتى نهاية الزمن إلى تجربة حقيقية بغير الدفعة الثورية التي أطلقتها عاصفة التغيير الاجتماعي على يد ماركس.
لا جدال في أن أي فيلسوف يستحق هذا الاسم يتأثر بفلاسفة قبله ويؤثر على آخرين بعده. ولا يمكن مثلا أن نتصور ماركس وفلسفته المادية التاريخية وتحليلاته لرأس المال بغير نظريات الاقتصاد السياسي الكلاسيكية ومنطق هيجل الجدلي، ولا بغير الفلسفات المادية السابقة ابتداء من ديمقريطس الذي أعد عنه رسالته في الدكتوراه. والأمر كذلك بالنسبة لبلوخ، فلا شك أن تنوع ثقافته وثراءها قد امتد من التراث الفلسفي قديمه وحديثه. فقد التقى في مكتبة مدينة مانهايم المقابلة لمسقط رأسه لود فيجز هافن - والتي كان يتردد عليها دائما - بأهم الكنوز الفلسفية التي أثرت على حياته فيما بعد. هناك استطاع أن يقرأ لعدد من الفلاسفة من ليبنتز إلى هيجل وتلاميذه، كما استطاع أن يقرأ لفشته وشيلنج في سن مبكرة. ربما يكون قد أساء فهم الكثير من نصوصهم، ولكنه أساء فهمها على طريقته الخاصة، وربما كانت كلمة سوء الفهم علامة دالة على طريقة فهمه لتاريخ الفلسفة، فهو لم يفهم العدد الكبير من الفلاسفة من أرسطو إلى ماركس بطريقة تقليدية؛ إذ كان يتوقف عند الأفكار التي تصب في تيار عصره أو تتوجه إلى المستقبل، وكان يهتم بالكثير من الخيوط الفكرية التي لم يلتفت إليها المفسرون التقليديون. لقد نظر إلى التاريخ الفلسفي كله من جهة التطلع إلى المستقبل، ورأى فيه الوجه الآخر لتاريخ الفلسفة، أي فلسفة المستقبل التي لم ينتبه إليها المؤرخون. ومن الصعب تتبع كل الفلاسفة الذين أثروا على فلسفة بلوخ، كما أن من الصعب الدخول في المقارنات عن تأثير بعض الفلاسفة عليه لأن هذه مسألة خلافية، خاصة إذا لم يكن التأثير قويا وواضحا، وإذا لم يكن قد دخل في جدال فكري وحوار مع الفلاسفة الذين تأثر بهم، ولذلك سنكتفي بذكر بعض الفلاسفة الذين ظهر تأثيرهم عليه بشكل مباشر، أو الذين دخل معهم في حوار صريح مثل أرسطو وهيجل وماركس. وسوف يتعرض البحث لفلاسفة آخرين من خلال عرض نسق بلوخ الفكري، وفي المواضع التي يتضح فيها تأثيرهم عليه، مثل ليبنتز وتأثير فكرته عن الوعي المسبق عليه. (أ) أرسطو (384-322ق.م.)
بهذا المعنى السابق فهم بلوخ أرسطو فهما غير تقليدي، اعتمد فيه على تفسير المعلم الأول للمادة أو بالأحرى على تفسير بلوخ الخاص لهذا التفسير. والواقع أن جذور فلسفته المادية تكمن في مفهوم أرسطو عن المادة بوصفها إمكانية وجود، كما ترتبط بفكرته المعروفة عن الموجود بالقوة والموجود بالفعل. أخذ بلوخ هذا المفهوم وأكد الطابع الحيوي الذي يميزه ثم طوره إلى مقولة الإمكان التي تعتبر أهم المقولات الأساسية في نسقه الفلسفي. وقد أفاض في شرح مفهوم أرسطو عن القوة والفعل وتابع تطور هذه الفكرة من بعض فلاسفة العصر الوسيط وعصر النهضة حتى العصر الحديث. ويكفي في هذا الموضوع أن نلخص المفهوم الجدلي للمادة عند بلوخ بالقول بأن الماهية الأساسية لكل موجود أنه في حركة دائمة. ولكن أرسطو - كما هو معروف - هو مؤسس المنطق الصوري ونظرية المقولات، وقد يبدو هذا لأول وهلة أمرا متناقضا مع ما سبق قوله عن تأثر بلوخ بمفهوم المادة عنده من حيث هي إمكان ذو طابع حيوي، فالمنطق يدرك الموجود في حالة سكونه أو إحدى أحواله. ومن ثم فإن أي قول ثابت عن موجود متحرك لا يمكن أن يكون صحيحا إلا إذا تغير هذا القول نفسه أيضا، ومن هنا يمكن فهم نظرة بلوخ إلى المقولات التي فهمها كذلك فهما جدليا وأنطولوجيا في آن واحد كما سيتضح بعد ذلك بالتفصيل في الفصل الخاص بأنطولوجيا ال «ليس-بعد». (ب) ياكوب بوهمه
Jakob Boehme (1575-1624م)
Page inconnue