المفصل في أحكام الأضحية

Husam al-Din Affaneh d. Unknown

المفصل في أحكام الأضحية

المفصل في أحكام الأضحية

Genres

المفصل في أحكام الأضحية تأليف الدكتور حسام الدين عفانه الأستاذ المشارك في الفقه والأصول كلية الدعوة وأصول الدين جامعة القدس

1 / 1

بسم الله الرحمن الرحيم

1 / 3

مقدمة إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستهديه ونستغفره ونسترشده، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾. ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾. ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾. أما بعد: فإن الأضحية شعيرةٌ من شعائر الله واجبٌ تعظيمها كما قال تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾. وسنة من سنن الرسول ﷺ ينبغي الالتزام بها، وإحياؤها بالعمل بها ونشرها. فرغبت في جمع كتاب في الأضحية، أبين فيه بالتفصيل، أحكامها وشروطها وسننها وآدابها، وما يتعلق بالمضحي من شروط وسنن وآداب، ونحو ذلك على نسق الكتاب الذي سبق وألفته بعنوان [أحكام العقيقة في الشريعة الإسلامية]. وقد جمعت مادة هذا الكتاب من بطون كتب التفسير، وشروح السنة، وأمهات كتب الفقه، وصغت ذلك بأسلوب سهل ميسور، وأقول ما قاله العلامة ابن منظور صاحب لسان العرب: [وليس لي في هذا الكتاب فضيلة أَمُتُّ بها، ولا وسيلة أتمسك بها، سوى أني جمعت فيه ما تفرق في كتب السابقين]. ولما كنت أتبع منهج المحققين من الفقهاء، الذين يعتنون في كتبهم بذكر الأدلة، من كتاب الله وسنَّة رسول الله ﷺ، حرصت على الاستدلال لكل مسألة من مسائل الكتاب.

1 / 4

فإن جمال الفقه وروحه الدليل، ولذا عُنيتُ بتخريج الأحاديث التي أستدل بها، فما كان في صحيحي البخاري ومسلم، أو في أحدهما اكتفيت بذلك، وما كان فيما عداهما من كتب السنة، ذكرت أقوال المحدثين في الحكم عليه، كالحافظ ابن عبد البر، والإمام النووي، والحافظ الهيثمي، والحافظ ابن حجر، والحافظ الزيلعي من المتقدمين، ومن المتأخرين محدث العصر الشيخ محمد ناصر الدين الألباني. وقد جمعت أقوال العلماء من الصحابة - فهم سادات المفتين والعلماء - والتابعين، ومن أصحاب المذاهب الفقهية وأتباعهم، ونظرت في أدلتهم، ورجحت ما وسعني الترجيح، من غير تعصب لمذهب أو إمام، وإنما حسب ما يؤيده الدليل، وأرجو أن يكون ما رجحته هو الصواب، فإن كان كذلك، فالحمد لله أولًا وأخيرًا، وإن كانت الأخرى، فأستغفر الله وأتوب إليه، وذلك من خطئي وتقصيري، وأخيرًا أقول ما قاله القاضي البيساني يرحمه الله: [إني رأيت أنه لا يكتب إنسانٌ كتابًافي يومه، إلا قال في غده: لو غُيِّرَ هذا لكان أحسن، ولو زِيدَ كذا لكان يستحسن، ولو قُدِمَ هذا لكان أفضل، ولو تُرِكَ هذا لكان أجمل، وهذا من أعظم العبر، وهو دليلٌ على استيلاء النقص على جملة البشر]. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين كتبه د. حسام الدين بن موسى عفانة أبوديس/القدس صباح يوم الاثنين الخامس عشر من شوال ١٤١٩ وفق الأول من شباط ١٩٩٩

1 / 5

شكرٌ وتقديرٌ يقول الرسول ﷺ (من لا يشكر الناس لا يشكر الله). أتقدم بجزيل الشكر والتقدير إلى جمعية الإصلاح - لجنة إحياء التراث - في بيت المقدس التي بادرت إلى طبع هذا الكتاب، كما طبعت غيره من الكتب النافعة والمفيدة. فجزى الله القائمين على اللجنة خير الجزاء، وبارك الله فيهم، وفي جهودهم الطيبة. المؤلف

1 / 6

الطبعة الأولى شوال ١٤١٩ كانون الثاني ١٩٩٩ مطبعة الأمل - القدس تلفون: ٢٤٤٩٠٦٤ حقوق الطبع محفوظة للمؤلف

1 / 7

الفصل الأول حكم الأضحية وشروطها المبحث الأول تعريف الأضحية لغةً واصطلاحًا تعريف الأضحية لغةً: الأضحية في لغة العرب فيها أربع لغات كما نقل الجوهري عن الأصمعي قوله:

1 / 8

[وفيها أربع لغات، إضْحِيَّةٌ. وأُضْحِيَّةٌ والجمع أضاحي. وضَحِيَّةٌ على فعيلة والجمع ضحايا. وأضْحَاةٌ والجمع أضحىً كما يقال أرطاةٌ وأرْطىً ...] (١). ويقال ضحى تضحيةً، إذا ذبح الأضحية وقت الضحى، هذا هو الأصل فيه كما قال أهل اللغة (٢). تعريف الأضحية عند الفقهاء: عرَّف الفقهاء الأضحية بعدة تعريفات منها: ١. هي ذبح حيوان مخصوص بنية القربة في وقت مخصوص (٣). ٢. هي اسم لحيوان مخصوص بسن مخصوص يذبح بنية القربة في يوم مخصوص عند وجود شرائطها وسببها (٤). ٣. هي ما يذبح من النعم تقربًا إلى الله تعالى من يوم العيد إلى آخر أيام التشريق (٥). ٤. والذي أختاره في تعريف الأضحية أنها: اسمٌ لما يُذكى من النَّعم تقربًا إلى الله تعالى في أيام النحر بشرائط مخصوصة. فالتذكية هي إزهاق روح الحيوان ليتوصل إلى حلِّ أكله، فتشمل الذبح والنحر، بل تشمل العقر أيضًا، كما لو شرد ثورٌ أو بعير فطُعِنَ برمح أو نحوه مع التسمية ونية الأضحية. من النعم: لأن الأضحية تكون من الأنعام فقط، على الراجح من أقوال أهل العلم كما سيأتي. والأنعام هي الإبل والبقر والغنم وتشمل الضأن والماعز. في أيام النحر: وهذا لبيان وقت الأضحية الشرعي كما سيأتي تفصيله في محله.

(١) الصحاح للجوهري مادة ضحا ٦/ ٢٤٠٧، وانظر لسان العرب ٨/ ٢٩ - ٣٠ مادة ضحا، تاج العروس ١٩/ ٦١٥ - ٦١٦ مادة ضحو. (٢) المصباح المنير ص٣٥٩. (٣) الدر المختار شرح تنوير الأبصار ٦/ ٣١٢. (٤) أنيس الفقهاء ص٢٧٩. (٥) مغني المحتاج ٦/ ١٢٢، الإقناع ٢/ ٢٧٧.

1 / 9

تقربًا إلى الله تعالى: فلا يعد من الأضحية ما يُذكى لغير التقرب إلى الله تعالى، مثل ما يُذكى للبيع أو الأكل أو إكرام الضيف، وكذلك لا يُعَدُ من الأضحية، ما يذكى تقربًا إلى الله تعالى في غير أيام النحر كالعقيقة (١). بشرائط مخصوصة: وسيأتي تفصيل شروط الأضحية في موضعها إن شاء الله تعالى. المبحث الثاني مشروعية الأضحية وفضلها أولًا: مشروعية الأضحية: الأضحية مشروعة بكتاب الله ﷿ وسنة رسوله ﷺ القولية والفعلية وانعقد الإجماع على ذلك.

(١) انظر الموسوعة الفقهية ٥/ ٧٤.

1 / 10

أما الكتاب الكريم فقوله تعالى:﴾ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ﴿سورة الكوثر الآية ٢. قال القرطبي: [قوله تعالى:﴾ فَصَلِّ ﴿أي أقم الصلاة المفروضة عليك، كذا رواه الضحاك عن ابن عباس. وقال قتادة وعطاء وعكرمة:﴾ فَصَلِّ لِرَبِّكَ ﴿صلاة العيد يوم النحر. ﴾ وَانْحَرْ ﴿نُسُكك. وقال أنس: كان النبي ﷺ ينحر ثم يصلي فأُمِرَ أن يصلي ثم ينحر. وقال سعيد بن جبير أيضًا: صل لربك صلاة الصبح المفروضة بجمع – أي مزدلفة – وانحر البدن بمنى ...] (١). وقال ابن كثير: [قال ابن عباس وعطاء ومجاهد وعكرمة والحسن، يعني بذلك نحر البدن ونحوها. وكذا قال قتادة ومحمد بن كعب القرظي والضحاك والربيع وعطاء الخراساني والحكم وسعيد بن أبي خالد وغير واحد من السلف وهذا بخلاف ما كان عليه المشركون من السجود لغير الله والذبح على غير اسمه كما قال تعالى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ ...﴾ الآية] ثم قال ابن كثير بعد أن ذكر أقوالًا أخرى في تفسير الآية: [والصحيح القول الأول أن المراد بالنحر ذبح المناسك] (٢). ومن أهل العلم من يرى أن المراد بقوله تعالى:﴾ فَصَلِّ لِرَبِّكَ ﴿أي صلاة العيد وبقوله: ﴾ وَانْحَرْ ﴿أي نحر الأضحية. ولا يخفى أن صلاة العيد داخلة في عموم قوله تعالى:﴾ فَصَلِّ لِرَبِّكَ ﴿وأن الأضحية داخلة في عموم قوله تعالى:﴾ وَانْحَرْ ﴿(٣) وهذه الأقوال في تفسير الآية محتملة.

(١) تفسير القرطبي ٢٠/ ٢١٨. (٢) تفسير ابن كثير ٤/ ٥٥٨. (٣) انظر فتح القدير ٥/ ٥٠٢، أضواء البيان ٥/ ٤١٦.

1 / 11

وأما السنة النبوية الفعلية، فقد ثبت أن النبي ﷺ كان يضحي وكان يتولى ذبح أضحيته بنفسه ﷺ فمن ذلك: أ. ما رواه البخاري بإسناده عن أنس ﵁ قال: (ضحى النبي ﷺ بكبشين أملحين، فرأيته واضعًا قدمه على صفاحهما يسمِّي ويكبر فذبحهما بيده). ورواه مسلم، ولفظه: (عن أنس قال: ضحى رسول الله ﷺ بكبشين أملحين أقرنين قال: ورأيته يذبحهما بيده ورأيته واضعًا قدمه على صفاحهما قال: وسمَّى وكبر) (١). ب. وعن عائشة ﵂: (أن رسول الله ﷺ أمر بكبش أقرن، يطأ في سواد، ويبرك في سواد، وينظر في سواد، فأُتِيَ به ليضحي به، فقال لها: يا عائشة هلمي المدية، ثم قال: اشحذيها بحجر. ففعلت ثم أخذها وأخذ الكبش، فأضجعه ثم ذبحه ثم قال: باسم الله اللهم تقبل من محمد وآل محمد، ومن أمة محمد ثم ضحَّى به) رواه مسلم (٢). ج. وعن ابن عمر ﵄ قال: (أقام رسول الله ﷺ بالمدينة عشر سنين يضحي) رواه أحمد والترمذي وقال: هذا حديث حسن (٣). د. وعن جابر ﵁ قال: (شهدتُ مع رسول الله ﷺ الأضحى بالمصلى، فلما قضى خطبته نزل من منبره، وأُتِيَ بكبش فذبحه رسول الله ﷺ بيده، وقال: بسم الله والله أكبر هذا عني وعمَّن لم يضح من أمتي) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة وأحمد، وقال الشيخ الألباني: صحيح (٤). وأما السنة النبوية القولية، فقد وردت أحاديث كثيرة في الأضحية منها: أ. عن البراء ﵁ قال: (قال النبي ﷺ: إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي، ثم نرجع فننحر، من فعله فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبل فإنما هو لحم قدمه لأهله ليس من النسك في شيء.

(١) صحيح البخاري مع الفتح ١٢/ ١١٤، صحيح مسلم بشرح النووي ٥/ ١٠٤. (٢) صحيح مسلم بشرح النووي ٥/ ١٠٥ - ١٠٦. (٣) سنن الترمذي مع شرحه التحفة ٥/ ٨٠، الفتح الرباني ١٣/ ٦٥. (٤) صحيح سنن أبي داود ٢/ ٥٤٠، سنن الترمذي مع شرحه التحفة ٥/ ٩٤، سنن ابن ماجة ٢/ ١٠٤٣، الفتح الرباني ١٣/ ٦٣.

1 / 12

فقام أبو بردة بن نيار وقد ذبح فقال: إن عندي جذعة فقال: إذبحها ولن تجزئ عن أحدٍ بعدك.) رواه البخاري ومسلم (١). ب. وعن جندب بن سفيان ﵁ قال: (شهدتُ الأضحى مع رسول الله ﷺ فلم يعدُ أن صَلَّى وفرغ من صلاته سَلَّمَ، فإذا هو يرى لحم أضاحِيَّ قد ذُبحت قبل أن يفرغ من صلاته، فقال: من كان ذبح أضحيته قبل أن يصلي أو نصلي فليذبح مكانها أخرى، ومن كان لم يذبح فليذبح باسم الله) رواه البخاري ومسلم واللفظ له (٢). ج. وعن أم سلمة ﵂ أن النبي ﷺ قال: (إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي، فلا يمس من شعره ولا بشره شيئًا) رواه مسلم (٣). وغير ذلك من الأحاديث. وقد أجمع المسلمون على مشروعية الأضحية (٤). ثانيًا: فضل الأضحية: قال الإمام ابن العربي المالكي: [ليس في فضل الأضحية حديثٌ صحيحٌ، وقد روى الناس فيها عجائب لم تصح، منها قوله: (إنها مطاياكم إلى الجنة)] (٥). وقد وردت بعض الأحاديث في فضل الأضحية، ولكنها ضعيفة، وبعضها موضوع مكذوب، وأمثل الأحاديث الواردة في فضل الأضحية ما رواه الترمذي بإسناده عن عائشة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: (ما عمل آدمي من عمل يوم النحر، أحب إلى الله من إهراق

(١) صحيح البخاري مع الفتح ١٢/ ٩٨، صحيح مسلم بشرح النووي ٥/ ٩٩. (٢) صحيح البخاري مع الفتح ١٢/ ١١٧، صحيح مسلم بشرح النووي ٥/ ٩٥ - ٩٦. (٣) صحيح مسلم بشرح النووي ٥/ ١١٩. (٤) المغني ٩/ ٤٣٥. (٥) عارضة الأحوذي ٦/ ٢٢٨.

1 / 13

الدم، إنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع من الأرض فطيبوا بها نفسًا) قال الترمذي: [وفي الباب عن عمران بن حصين وزيد بن أرقم. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب لانعرفه من حديث هشام بن عروة إلا من هذا الوجه قال أبو عيسى: ويروى عن النبي ﷺ أنه قال في الأضحية لصاحبها بكل شعرة حسنة، ويروى بقرونها] (١). ورواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد. ولم يخرجاه. فتعقبه الذهبي بقوله: قلت سليمان واهٍ وبعضهم تركه (٢). وضعفه المنذري وأبو حاتم والشيخ الألباني (٣). وأما حديث عمران بن حصين الذي أشار إليه الترمذي فنصه: (عن عمران بن حصين ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: يا فاطمة قومي إلى أضحيتك فاشهديها، فإنه يغفر لك عند أول قطرة تقطر من دمها كل ذنب عملتيه، وقولي: إن صلاتي ونسكي، ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا من المسلمين. قال عمران: قلت يا رسول الله هذا لك ولأهل بيتك خاصة فأهل ذاك أنتم، أم للمسلمين عامة؟ قال: بل للمسلمين عامة). رواه الحاكم وقال: هذا حديث صحيح الإسناد. ولم يخرجاه وشاهده حديث عطية عن أبي سعيد. وتعقبه الذهبي فقال: بل أبو حمزة ضعيف جدًا وإسماعيل ليس بذاك (٤). وقال الشيخ الألباني عن الحديث: منكر (٥). وأما حديث زيد بن أرقم الذي أشار إليه الترمذي ونصه: (عن زيد بن أرقم ﵁ قال: قال أصحاب رسول الله ﷺ: يا رسول الله ما هذه الأضاحي؟ قال: سنة أبيكم إبراهيم. قالوا: فما لنا فيها يا رسول الله؟ قال: بكل شعرة حسنة.

(١) سنن الترمذي مع شرحه عارضة الأحوذي ٦/ ٢٢٨ - ٢٢٩. (٢) المستدرك ٤/ ٢٤٦. (٣) سلسلة الأحاديث الضعيفة ٢/ ١٤ حديث رقم ٥٢٦. (٤) المستدرك ٤/ ٢٤٧. (٥) سلسلة الأحاديث الضعيفة ٢/ ١٥ حديث رقم ٥٢٨.

1 / 14

قالوا: فالصوف يا رسول الله؟ قال: بكل شعرة من الصوف حسنة). رواه ابن ماجة وقال في الزوائد: في إسناده أبو داود واسمه نفيع بن الحارث، وهو متروك واتهم بوضع الحديث. ورواه البيهقي ثم قال: قال البخاري عائذ الله المجاشعي عن أبي داود روى عنه سلام بن مسكين لا يصح حديثه. ورواه أحمد، وقال الشيخ الألباني: إنه حديث موضوع (١). وأما الحديث الذي ذكره الإمام ابن العربي المالكي وأوردته في أول المبحث فقد ورد بألفاظ مختلفة منها: (عظموا ضحاياكم فإنها على الصراط مطاياكم) وفي لفظٍ آخر (استفرهوا ضحاياكم فإنها مطاياكم على الصراط) وغيرهما من الألفاظ. فهذا الحديث بألفاظه المختلفة غير ثابت عن الرسول ﷺ بل هو ضعيف جدًا. قال الحافظ ابن حجر: [لم أره] ونقل عن ابن الصلاح قوله: [هذا الحديث غير معروف ولا ثابت فيمنا علمناه] ثم ذكر أن صاحب مسند الفردوس قد رواه وفيه راوٍ ضعيف جدًا (٢). وقال الشيخ العجلوني: [إنه ضعيف جدًا] (٣). وقال الشيخ الألباني: [لا أصل له بهذا اللفظ (عظموا ضحاياكم فإنها على الصراط مطاياكم)] (٤). وقال الشيخ الألباني في موضع آخر: (استفرهوا ضحاياكم فإنها مطاياكم على الصراط) ضعيف جدًا (٥). وقال الحافظ ابن عبد البر: [وقد روي في فضل الضحايا آثار حسان، فمنها ما رواه سعيد بن داود ... عن ابن عباس قال: قال رسول الله ﷺ: ما من نفقة بعد صلة الرحم أعظم عند الله من إهراق الدم] (٦).

(١) سنن ابن ماجة ٢/ ١٠٤٥، سنن البيهقي ٩/ ٢٦١، الفتح الرباني ١٣/ ٥٧، سلسلة الأحاديث الضعيفة ٢/ ١٤. (٢) التلخيص الحبير ٤/ ١٣٨. (٣) كشف الخفاء ١/ ١٢١. (٤) السلسلة الضعيفة ١/ ١٠٢ حديث ٧٤. (٥) السلسلة الضعيفة ٣/ ٤١١ حديث ١٢٥٥. (٦) فتح المالك ٧/ ١٨، وقال محققه: ذكره بالكنز برقم ١٢٢٣٩ وعزاه السيوطي للديلمي عن ابن عباس.

1 / 15

المبحث الثالث الحكمة من مشروعية الأضحية قال أهل العلم إن الأضحية شرعت لحكم كثيرة منها: أولًا: إحياءً لسنة إبراهيم الخليل ﵊، حينما رأى في المنام أنه يذبح ولده إسماعيل، ورؤيا الأنبياء حق وصدق، قال الله تعالى:﴾ وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (٩٩) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠٠) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (١٠١) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي

1 / 16

إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (١٠٢) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (١٠٣) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ (١٠٤) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٠٥) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (١٠٦) ﴿سورة الصافات. قال صاحب الظلال يرحمه الله: [ثم تجيء الحلقة الثانية من قصة إبراهيم ... لقد انتهى أمره مع أبيه وقومه. لقد أرادوا به الهلاك في النار التي أسموها الجحيم، وأراد الله أن يكونوا هم الأخسرين؛ ونجاه من كيدهم أجمعين. عندئذ استدبر إبراهيم مرحلة من حياته ليستقبل مرحلة؛ وطوى صفحة لينشر صفحة: ﴾ وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴿. هكذا .. إني ذاهب إلى ربي .. إنها الهجرة. وهي هجرة نفسية قبل أن تكون هجرة مكانية. هجرة يترك وراءه فيها كل شيء من ماضي حياته. يترك أباه وقومه وأهله وبيته ووطنه وكل ما يربطه بهذه الأرض، وبهؤلاء الناس. ويدع وراءه كذلك كل عائق وكل شاغل. ويهاجر إلى ربه متخففًا من كل شيء، طارحًا وراءه كل شيء، مسلمًا نفسه لربه لا يستبقي منها شيئًا. موقنٌ أنَّ ربه سيهديه، وسيرعى خطاه، وينقلها في الطريق المستقيم. إنها الهجرة الكاملة من حال إلى حال، ومن وضع إلى وضع، ومن أواصر شتى إلى آصرة واحدة لا يزحمها في النفس شيء. إنه التعبير عن التجرد والخلوص والاستسلام والطمأنينة واليقين. وكان إبراهيم حتى هذه اللحظة وحيدًا لا عقب له؛ وهو يترك وراءه أواصر الأهل والقربى، والصحبة والمعرفة، وكل مألوف له في ماضي حياته، وكل ما يشده إلى الأرض التي نشأ فيها، والتي انحسم ما بينه وبين أهلها الذين ألقوه في الجحيم! فاتجه إلى ربه الذي أعلن أنه ذاهب إليه. اتجه إليه يسأله الذرية المؤمنة والخلف الصالح: ﴾ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ﴿. واستجاب الله دعاء عبده الصالح المتجرد، الذي ترك وراؤه كل شيء، وجاء إليه بقلب سليم ...﴾ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ ﴿.

1 / 17

وهو إسماعيل - كما يرجح سياق السيرة والسورة – وسنرى آثار حلمه الذي وصفه ربه به وهو غلام. ولنا أن نتصور فرحة إبراهيم الوحيد المفرد المهاجر المقطوع من أهله وقرابته. لنا أن نتصور فرحته بهذا الغلام الذي يصفه ربه بأنه حليم. والآن آن أن نطلع على الموقف العظيم الكريم الفريد في حياة إبراهيم. بل في حياة البشر أجمعين. وآن أن نقف من سياق القصة في القرآن أمام المثل الموحى الذي يعرضه الله للأمة المسلمة من حياة أبيها إبراهيم ﴾ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴿. يالله! ويالروعة الإيمان والطاعة والتسليم. هذا إبراهيم الشيخ. المقطوع من الأهل والقرابة. المهاجر من الأرض والوطن. هاهو ذا يرزق في كبرته وهرمه بغلام. طالما تطلع إليه. فلما جاءه غلامًا ممتازًا يشهد له ربه بأنه حليم. وهاهو ذا ما يكاد يأنس به، وصباه يتفتح، ويبلغ معه السعي، ويرافقه في الحياة ... وها هو ما يكاد يأنس ويستروح بهذا الغلام الوحيد، حتى يرى في منامه أنه يذبحه. ويدرك أنها إشارة من ربه بالتضحية. فماذا؟ إنه لا يتردد، ولا يخالجه إلا شعور الطاعة، ولا يخطر له إلا خاطر التسليم .. نعم إنها إشارة. مجرد إشارة. وليست وحيًا صريحًا، ولا أمرًا مباشرًا. ولكنها إشارة من ربه ... وهذا يكفي ... هذا يكفي ليلبي ويستجيب. ودون أن يعترض. ودون أن يسأل ربه ... لماذا يا ربي أذبح ابني الوحيد؟! ولكنه لا يلبى في انزعاج، ولا يستسلم في جزع، ولا يطيع في اضطراب ... كلا إنما هو القبول والرضى والطمأنينة والهدوء. يبدو ذلك في كلماته لابنه وهو يعرض عليه الأمر الهائل في هدوء وفي اطمئنان عجيب:﴾ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ ﴿ فهي كلمات المالك لأعصابه، المطمئن للأمر الذي يواجهه، الواثق بأنه يؤدي واجبه. وهي في الوقت ذاته كلمات المؤمن، الذي لا يهوله الأمر فيؤديه، في اندفاع وعجلة ليخلص منه وينتهي، ويستريح من ثقله على أعصابه!

1 / 18

والأمر شاق – ما في ذلك شك – فهو لا يطلب إليه أن يرسل بابنه الوحيد إلى معركة. ولا يطلب إليه أن يكلفه أمرًا تنتهي به حياته ... إنما يطلب إليه أن يتولى هو بيده. يتولى ماذا؟ يتولى ذبحه .. وهو – مع هذا – يتلقى الأمر هذا التلقي، ويعرض على ابنه هذا العرض؛ ويطلب إليه أن يتروى في أمره، وأن يرى فيه رأيه! إنه لا يأخذ ابنه على حين غرة لينفذ إشارة ربه. وينتهي. إنما يعرض الأمر عليه كالذي يعرض المألوف من الأمر. فالأمر في حسه هكذا. ربه يريد. فليكن ما يريد. على العين والرأس. وابنه ينبغي أن يعرف. وأن يأخذ الأمر طاعة وإسلامًا، لا قهرًا واضطرارًا. لينال هو الآخر أجر الطاعة، وليسلم هو الآخر ويتذوق حلاوة التسليم! إنه يحب لابنه أن يتذوق لذة التطوع التي ذاقها؛ وأن ينال الخير الذي يراه هو أبقى من الحياة وأقنى فماذا يكون من أمر الغلام، الذي يعرض عليه الذبح، تصديقًا لرؤيا رآها أبوه؟ إنه يرتقي إلى الأفق الذي ارتقى إليه من قبل أبوه:﴾ قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴿.. إنه يتلقى الأمر لا في طاعة ولا استسلام فحسب. ولكن في رضى كذلك وفي يقين ..﴾ يَاأَبَتِ ﴿.. في مودة وقربى. فشبح الذبح لا يزعجه ولا يفزعه ولا يفقده رشده. بل لا يفقده أدبه ومودته. ﴾ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ﴿فهو يحس ما أحسه من قبل قلب أبيه. يحس أن الرؤيا إشارة. وأن الإشارة أمر. وأنها تكفي لكي يلبى وينفذ بغير لجلجة ولا تمحل ولا ارتياب. ثم هو الأدب مع الله، ومعرفة حدود قدرته وطاقته في الاحتمال؛ والاستعانة بربه على ضعفه ونسبة الفضل إليه في إعانته على التضحية، ومساعدته على الطاعة: ﴾ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴿... ولم يأخذها بطولة. ولم يأخذها شجاعة. ولم يأخذها اندفاعًا إلى الخطر دون مبالاة. ولم يظهر لشخصه ظلًا ولا حجمًا ولا وزنًا ... إنما أرجع الفضل كله لله إن هو أعانه على ما يطلب إليه، وأصبره على ما يراد به:﴾ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴿. ياللأدب مع الله! ويالروعة الإيمان. ويالنبل الطاعة. ويالعظمة التسليم!

1 / 19

ويخطو المشهد خطوة أخرى وراء الحوار والكلام .. يخطو إلى التنفيذ:﴾ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ﴿.. ومرةً أخرى يرتفع نبل الطاعة. وعظمة الإيمان. وطمأنينة الرضى وراء كل ما تعارف عليه بنو الإنسان .. إن الرجل يمضي فيكب ابنه على جبينه استعدادًا. وإن الغلام يستسلم فلا يتحرك امتناعًا. وقد وصل الأمر إلى أن يكون عيانًا. لقد أسلما .. فهذا هو الإسلام. هذا هو الإسلام في حقيقته. ثقة وطاعة وطمأنينة ورضى وتسليم .. وتنفيذ .. وكلاهما لا يجد في نفسه إلا هذه المشاعر التي لا يصنعها غير الإيمان العظيم. إنها ليست الشجاعة والجراءة. وليس الاندفاع والحماسة. لقد يندفع المجاهد في الميدان، يَقْتُلُ ويُقْتَلُ. ولقد يندفع الفدائي وهو يعلم أنه قد لا يعود. ولكن هذا كله شيء والذي يصنع إبراهيم وإسماعيل هنا شيء آخر .. ليس هنا دم فائر، ولا حماسة دافعة ولا اندفاع في عجلة تخفي وراءها الخوف من الضعف والنكوص! إنما هو الاستسلام الواعي المتعقل القاصد المريد، العارف بما يفعل، المطمئن لما يكون. لا بل هنا الرضى الهادئ المستبشر المتذوق للطاعة وطعمها الجميل! وهنا كان إبراهيم وإسماعيل كانا قد أديا. كانا قد أسلما. كانا قد حققا الأمر والتكليف. ولم يكن باقيًا إلا أن يذبح إسماعيل، ويسيل دمه، وتزهق روحه .. وهذا أمر لا يعني شيئًا في ميزان الله، بعدما وضع إبراهيم وإسماعيل في هذا الميزان من روحهما وعزمهما ومشاعرهما كل ما أراده ربه منهما. كان الابتلاء قد تم. والامتحان قد وقع. ونتائجه قد ظهرت. وغاياته قد تحققت. ولم يعد إلا الألم البدني. وإلا الدم المسفوح. والجسد الذبيح. والله لا يريد أن يعذب عباده بالابتلاء. ولا يريد دمائهم وأجسادهم في شيء. ومتى خلصوا له واستعدوا للأداء بكلياتهم، فقد أدوا وقد حققوا التكليف، وقد جازوا الامتحان بنجاح. وعرف الله من إبراهيم وإسماعيل صدقهما، فاعتبرهما قد أديا وحققا وصدقا: ﴾ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ (١٠٤) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴿

1 / 20

قد صدقت الرؤيا وحققتها فعلًا. فالله لا يريد إلا الإسلام والاستسلام بحيث لا يبقى في النفس ما تكنه عن الله أو تعزه عن أمره أو تحتفظ به دونه، ولو كان هو الابن فلذة الكبد، ولو كانت هي النفس والحياة. وأنت - يا إبراهيم - قد فعلت. جدت بكل شيء. وبأعز شيء. وجدت به في رضى وفي هدوء وفي طمأنينة وفي يقين. فلم يبق إلا اللحم والدم. وهذا ينوب عنه ذبح. أي ذبحٍ من دم ولحم! ويفدي الله هذه النفس التي أسلمت وأدت. يفديها بذبح عظيم. قيل: إنه كبش وجده إبراهيم مهيأ بفعل ربه وإرادته ليذبحه بدلًا من اسماعيل! وقيل له:﴾ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴿.. نجزيهم باختيارهم لمثل هذا البلاء. ونجزيهم بتوجيه قلوبهم ورفعها إلى مستوى الوفاء. ونجزيهم بإقدارهم وإصبارهم على الأداء. ونجزيهم كذلك باستحقاق الجزاء! ومضت بذلك سنة النحر في الأضحى، ذكرى لهذا الحادث العظيم الذي يرتفع منارةً لحقيقة الإيمان. وجمال الطاعة. وعظمة التسليم. والذي ترجع إليه الأمة المسلمة لتعرف فيه حقيقة أبيها إبراهيم، الذي تتبع ملته، والذي ترث نسبه وعقيدته. ولتدرك طبيعة العقيدة التي تقوم بها أو تقوم عليها، ولتعرف أنها الاستسلام لقدر الله في طاعة راضية واثقة ملبية لا تسأل ربها لماذا؟ ولا تتلجلج في تحقيق إرادته عند أول إشارة منه وأول توجيه. ولا تستبقي لنفسها في نفسها شيئًا، ولا تختار في ما تقدمه لربها هيئةً ولا طريقةً لتقديمه إلا كما يطلب هو إليها أن تقدم! ثم لتعرف أن ربها لا يريد أن يعذبها بالابتلاء ولا أن يؤذيها بالبلاء، إنما يريد أن تأتيه طائعةً ملبيةً وافيةً مؤدية. مستسلمةً لا تقدم بين يديه، ولا تتألى عليه، فإذا عرف منها الصدق في هذا أعفاها من التضحيات والآلام. واحتسبها لها وفاء وأداء. وقبل منها وفدّاها، وأكرمها كما أكرم أباها] (١). وقد نقلت لك أخي القارئ كلام صاحب الظلال رغم طوله لبيان عظمة موقف إبراهيم الخليل وكيف أنه أقدم طائعًا لتنفيذ الرؤيا يذبح ولده الوحيد إسماعيل وموقف ذلك الولد

(١) تفسير ظلال القرآن ٧/ ٦١ - ٦٦.

1 / 21