L'Allemagne nazie : une étude de l'histoire européenne contemporaine (1939-1945)
ألمانيا النازية: دراسة في التاريخ الأوروبي المعاصر (١٩٣٩–١٩٤٥)
Genres
وفي أثناء ذلك كله عظم الاهتمام بمعرفة شيء مما كان يجري من حوادث خلف تلك الجدران العالية التي شيدها النازيون حول قلعتهم الأوروبية، والتي ظنوا أن أحدا لن يجد بها ثلمة ينفذ منها ليشهد بناظريه ما كان يفعله النازيون عند تطبيق هذا النظام الجديد الذي بشرت به دعايتهم. وكانت قد أتيحت لي الفرصة قبل ذلك، فدرست شيئا عن النازية وأساليبها في السنوات القليلة التي سبقت نشوب الحرب الهتلرية، ووجدت في نفسي ميلا إلى مواصلة هذه الدراسة، لا سيما عندما بدأ «روميل» زحفه في الصحراء صوب الإسكندرية، وحدث في غضون ذلك أن ندبتني وزارة المعارف في أغسطس 1941 مفتشا بالتعليم الثانوي فوجدت لدي في أثناء السفر الطويل من بلد إلى آخر متسعا من الوقت قرأت فيه ما وقعت عليه يداي من مؤلفات ومطبوعات تتناول تاريخ الأمة الألمانية والحركة النازية والسياسة الأوروبية في السنوات التي سبقت قيام الحرب الهتلرية، ووصلت من دراستي هذه إلى نتيجتين: أولاهما أن هذا النظام الجديد الذي روج له النازيون إنما هو شر نظام أنتجته قريحة إنسان، وثانيتهما أن تطبيق هذا النظام في أوروبا سوف يكون الأداة التي يهدم بها النازيون أنفسهم تلك القلعة التي خيل إليهم أنهم قد أحكموا تأسيس بنيانها، ثم وجدت من واجبي أن أبسط شيئا مما وصلت إليه من نتائج، فشجعني على إلقاء بحث في هذا الموضوع جميع إخواني من أساتذة مدرسة الزقازيق الثانوية الكرام، وعلى رأسهم حضرة المربي النابه الأستاذ الكريم السيد هاشم عوض ناظرها وقتذاك. وفي مساء 10 مايو 1943 ألقيت بالقاعة اليونانية بالزقازيق محاضرة موضوعها: (النازي والنظام الجديد في أوروبا)، وقد شجعني ما لقيته من اهتمام حضرات الأفاضل الذين تكرموا بالاستماع إلى هذه المحاضرة على المضي في دراستي منذ ذلك الحين إلى وقت زوال الهتلرية. والآن أقدم إلى القارئ الكريم قصة انهيار ألمانيا السريع، وهي قصة مروعة حقا، راجيا أن أكون قد وفقت في إبراز صورة واضحة لذلك النظام الذي أرادت ألمانيا الهتلرية أن تفرضه على أوروبا فأثارت مقاومة الشعوب ضدها، وكان تطبيقه السبب الذي أدى إلى انهيارها في النهاية.
على أن هذا البحث ما كان يمكن أن يتم في صورته الحاضرة من غير تلك المعاونة الصادقة التي تفضل علي بها حضرات الإخوان الكرام الأساتذة المحترمين عبد المقصود العناني المدرس الأول للمواد الاجتماعية بمدرسة الحلمية الثانوية، وسيد محمد خليل المدرس بالقبة الثانوية، والأستاذ فؤاد بطرس زكي ليسانسيه في التاريخ من كلية الآداب بجامعة الملك فؤاد الأول، وعبد الرحمن محمود عبد التواب مفتش الآثار العربية ... فلحضراتهم جميعا خالص شكري وتقديري.
دكتور محمد فؤاد شكري
القاهرة: ديسمبر سنة 1947
الفصل الأول
الريخ الثالث
في شهر نوفمبر من عام 1918 سرت روح التمرد والعصيان في صفوف الجيش والبحرية الألمانية واندلع لهيب الثورة في «كييل» و«همبورج» وعدة مدن أخرى؛ ففي برلين خرجت الجماهير الصاخبة إلى الشوارع تطلب «الصلح والحرية والخبز!» وفي 8 نوفمبر أعلن قادة هذه الثورة من الاشتراكيين الديمقراطيين أن «آل هوهنزلرن» قد نزلوا عن عرش أجدادهم، ثم نادوا بقيام الجمهورية، وأرغم القيصر «ولهلم الثاني» على ترك العرش، وأعلن الاشتراكيون الديموقراطيون الجمهورية، ومع ذلك ظلت المظاهرات على شدتها ووقعت الالتحامات العنيفة في طول البلاد وعرضها، وخصوصا بين الاشتراكيين والشيوعيين. ووسط هذه الثورات والاضطرابات تغير وجه التاريخ في ألمانيا؛ فقد انعقدت الجمعية الوطنية لوضع دستور «ويمار»، ووقع الوفد الألماني في «فرساي» على شروط الصلح - في 28 يونية 1919 - وفي أغسطس من السنة نفسها بدأت قانونا حياة «الريخ الثاني» أو«جمهورية فرساي» - على حد قول الهر هتلر - وهي جمهورية ويمار المعروفة.
ومع أن تاريخ هذه الجمهورية يشتمل على العوامل التي مهدت بشتى الطرق لقيام السيطرة النازية في ألمانيا، فيكفي أن نشير الآن إلى كثرة ظهور الأحزاب السياسية التي تألفت في حياة هذه الجمهورية، وكانت هذه الأحزاب جميعها ترغب في إعادة الطمأنينة إلى البلاد، وتنشد الاستقرار الداخلي وتريد غسل العار الذي لحق بألمانيا المغلوبة في معاهدات فرساي، وتعمل على رد اعتبارها بين مجموعة الدول الأوروبية الكبيرة. وكان من بين هذه الجماعات السياسية حزب العمال الألمان لمؤسسة «أنتون دركسلر
Anton Drexler » وهو من العمال المتعطلين، وكان عدد أعضاء هذا الحزب عند إنشائه في عام 1919 ستة، ما لبثوا أن صاروا سبعة عندما انضم إليهم في العام نفسه «أدولف هتلر». ومن ذلك الحين بدأت هذه الجماعة صفحة جديدة من حياتها، فأخذ الحزب ينمو، واتسعت دائرة نشاطه، وأطلق عليه هتلر اسم «حزب العمال الألمان الوطني الاشتراكي».
ومع أنه لا يعنينا في هذا الفصل سرد تاريخ هذا الحزب، فمن الواجب أن نشير إلى حقيقة واحدة: هي أنه ظل ينمو ويقوى ساعده في الوقت الذي ساءت فيه أحوال ألمانيا الاقتصادية، سواء أكان ذلك من أثر التضخم المالي الذي قضى على الطبقة المتوسطة، أم من أثر الأزمة العالمية الاقتصادية المعروفة في الثلاثينات الماضية، وهي الأزمة التي طوحت بملايين العمال إلى خارج المصانع، ونشرت البطالة في كل بلد ودولة، فقد أعطت هذه الظروف جماعة هتلر النازيين الفرصة لرد أسباب ذلك الاضطراب الكبير إلى قسوة معاهدات الصلح في فرساي، وإلى جشع اليهود، وإلى خيانة الشيوعيين وأعداء الوطن الداخليين الذين تعمدوا إشعال الثورة فطعنوا جيش القيصرية في ظهره، ومكنوا حلفاء الحرب العالمية الماضية من الانتصار على ألمانيا وإذلالها، كما جعلت هذه الظروف من السهل على الحزب النازي أن يسرف في بذل الوعود يوزعها ذات اليمين وذات الشمال، حتى يستميل إلى صفوفه جماعة العسكريين الناقمين بسبب الهزيمة وكبار رجال المال الحانقين لضياع أرباح صناعة الحرب، والسياسيين المحترفين من رجال العهد البائد التواقين إلى استئناف نشاطهم السياسي، وأفراد الطبقة المتوسطة «البورجوازي» الذين هدر الإملاق كرامتهم، والعمال المتعطلين الذين تذوقوا مر العيش وشظفه، وغير هؤلاء من الطوائف والجماعات التي حنت إلى يد الزعيم القوي تسيطر من جديد على تنظيم حياتها ونشاطها، وتتكفل بمسئولية تصريف شئونها حتى تصل بها إلى بر السلامة دون أن تحملها مشقة التفكير في تدبير شيء من ذلك: شأن الألمان في كل زمان ومكان.
Page inconnue