L'Allemagne nazie : une étude de l'histoire européenne contemporaine (1939-1945)
ألمانيا النازية: دراسة في التاريخ الأوروبي المعاصر (١٩٣٩–١٩٤٥)
Genres
وكان النازيون يعتقدون أنه لا معدى لهم عن إخضاع القارة الأوروبية لسيطرتهم الجرمانية؛ حتى يتسنى لهم إحراز السيطرة العالمية. واستندوا في ضرورة امتلاك القارة إلى أنه كما تحتم عليهم أن يقيموا في داخل ألمانيا كتلة صلدة متماسكة قوية تمكن الريخ من احتلال ذلك المركز المعد له في أوروبا، فإنه تحتم عليهم كذلك أن يضموا إلى هذا الريخ أرضا شاسعة في القارة الأوروبية ذاتها؛ حتى يؤلفوا من هذه الممتلكات كتلة أخرى صلدة متماسكة تمكن الجرمانية من فرض سيطرتها التامة على سائر أنحاء العالم؛ لأن النازيين كانوا يعتبرون أوروبا مركز العالم أو المحور الذي يشد إليه ويجذب حوله أقاليم الأرض وبلدانها بفضل الروابط التاريخية والثقافية والاقتصادية والصناعية والعسكرية التي ربطت بين أوروبا وكل أقطار العالم.
ولذلك فكر فلاسفة النازيين وجهابذتهم تفكيرا طويلا عميقا في الطرق والوسائل التي يجب أن يتبعوها من أجل «جرمنة» القارة الأوروبية، وأسفر هذا التفكير الطويل العميق عن نظرية عرجاء مشوهة هي نظرية «الحكم بحق الدم»، وهي تكمل في الحقيقة نظرية «الزعامة المسئولة»، ومعناها أن تكون السيطرة الحكومية في جميع البلدان المفتتحة والتي خضعت لقواعد النظام الجديد من نصيب الجنس الجرماني وحده؛ فيباشر أبناؤه شئون الحكم بها ويحرم أهلها في الوقت نفسه من ضمانات القانون الألماني والأنظمة الألمانية التي وضعت لصون نقاوة الدم والشرف الألماني، وكان ذلك منشأ الصلة بين هذه النظرية ونظرية الدم السابقة. بيد أنه مما تجدر الإشارة إليه أن السادة النازيين ما كانوا يقصدون في يوم من الأيام تطهير أو تنقية دماء تلك الأجناس الوضيعة غير الجرمانية؛ لأنهم امتنعوا عن إدماجها في الجنس الجرماني «المبجل».
وعلى ذلك فقد سلك النازيون عند محاولة «جرمنة» أوروبا طريقين: فقد ميزوا بين المناطق التي يقطن بها جرمانيون أنقياء الدم - وما زالت واقعة خارج حدود دولة الريخ الثالث وقتذاك - والمناطق التي تقطن بها شعوب غير جرمانية؛ فسموا الأولى «المناطق المفقودة»؛ أي تلك التي خسرها الجرمان في العصور السابقة وبات من واجبهم أن يعيدوها إلى أحضان الجرمانية ويدمجوها في الريخ الألماني بشريطة أن يجري ذلك من غير إعداد أو تهيئة سابقة، فتسري عليها القوانين الألمانية مباشرة وتخضع بمجرد هذا الاندماج لجميع الأنظمة النازية. وأما عند جرمنة المناطق الأخرى فقد وجدوا من الضروري إجراء إعداد وتهيئة سابقة قبل إدماج هذه المناطق في الريخ الألماني نهائيا. واتبع النازيون في ذلك عملية ذات شبه كبير بما يعرف بنظام الدوائر ذات المركز الواحد. وتفسير ذلك أن النازيين كانوا يبدءون باعتبار الريخ مركزا لدائرة أولى يضم محيطها عدة أقاليم تقطن بها أجناس غير جرمانية، فصاروا يعملون لإعداد وتهيئة هذه الأقاليم الواقعة في داخل محيط الدائرة حتى إذا ما فرغوا من ذلك أدمجوها في مركز الدائرة وهو الريخ الألماني واستطاعوا بفضل ذلك أن يؤلفوا من الريخ والأقاليم المندمجة فيه مركزا ثانيا لدائرة أخرى جديدة أجروا بداخلها نفس العملية، وهكذا دواليك حتى يتمكنوا من «جرمنة» شطر من القارة الأوروبية قبل أن تنزل بساحتهم الهزيمة.
وكان الأسلوب الذي اتبعه النازيون في تهيئة وإعداد الأقاليم التي أرادوا إدماجها في الريخ الألماني سهلا، قوامه ضمان سيادة الجنس الجرماني أولا، ثم ربط هذه الأقاليم بالريخ الألماني ربطا وثيقا من الناحية الاقتصادية على أساس أن يكون الغنم كله في نصيب الألمان والغرم كله واقعا على الأهلين الذين صاروا يسخرون في خدمة الريخ. وفضلا عن ذلك فإن النازيين ما كانوا يتورعون عن استخدام جميع الحيل والطرق الشيطانية لإبادة العناصر الأجنبية في الأقاليم التي أرادوا إعدادها قبل إدماجها في الريخ. فكان من وسائلهم تلك الهجرة الاختيارية التي أسفرت عن «إرغام» اليهود على مغادرة ألمانيا، ثم اقتلاع أسرات بأكملها من مواطنها بقضها وقضيضها للعيش والعمل في مناطق غريبة بعيدة، كما فعلوا مع التشيك واليهود في بقية أوروبا، ثم إقفار البلاد من أهلها وسكانها، وذلك بمنع النسل إما بالتفرقة بين الزوج وزوجه على غرار ما فعلوا مع البولنديين عندما نقلوهم للعمل الإنتاجي في الريخ، وإما بتعقيم الأفراد تعقيما إجباريا، أو العمل بنصيحة فلاسفة النازيين أمثال «بانز
Banse » و«جونثر
Geunther » وغيرهما ممن أشاروا باستخدام الطرق العلمية لتقليل العناصر الأجنبية أو إبادتها، وكان غرضهم من ذلك التخلص من البولنديين وإفناءهم، ومن هذه الطرق قتل المرضى وذوي العاهات بدعوى الإشفاق عليهم من أن تستبد بهم الآلام على نحو ما فعلت ألمانيا مع الأشرار والمعتوهين والمرضى الميئوس من شفائهم وغير المرغوب في وجودهم عموما. واستطاع النازيون أن يقتلوا حوالي مائة ألف شخص في داخل الريخ نفسه في مدة عامين «1939-1940»، وتولى هذا العمل الرهيب رجال الجستابو، فاختاروا مراكز هذه المجزرة في البلدان الثلاثة الآتية: «جرافنيك
Grafeneck » بالقرب من «شتوتجارت»، «هارثيم
Hartheim »، و«بيرنا
» بالقرب من درسدن.
وكان من أثر هذه الأساليب الجهنمية أن انتشرت «موجات الانتحار» التي ذهب ضحيتها كثيرون في بلدان أوروبا المقهورة، من ذلك ما جاء في جريدة «لونوفوطان» البارسية في عدد 16 يناير 1941 أن حوالي نصف سكان بلدة «أبفيل
Page inconnue