علم اللغة العربية
علم اللغة العربية
Maison d'édition
دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع
Genres
مقدمة
هذا الكتاب محاولة لتقديم الأسس العامة للبحث التاريخي والمقارن في اللغة العربية. ويقوم هذا الكتاب على النظرية العامة لعلم اللغة الحديث من جانب، وعلى الاهتمام بالتراث اللغوي العربي من الجانب الآخر.
فإذا كان علم اللغة الحديث قد حقق بمناهجه الدقيقة تقدمًا ملحوظًا في مجالاته المختلفة، فإن الإفادة من وضوح الرؤية ودقة المناهج التي طورها علم اللغة في القرنين التاسع عشر والعشرين قد أصبحت ضرورة علمية. لقد شغل عدد من الباحثين بدراسة النحو المقارن للغات السامية، وأتاح هذا المنهج رؤية جديدة للعربية في ضوء اللغات السامية. واهتم كثير من الباحثين في اللغات المختلفة بقضية التأريخ اللغوي، ولا يزال البحث في اللغة العربية بحاجة إلى جهود كثيرة تفيد من كل المصادر المتاحة لإيضاح الجوانب المختلفة من تاريخ اللغة العربية.
وهدف هذا الكتاب أن يقدم للدارسين والطلاب في صورة مركزة الملامح العامة والمعلومات الأساسية للبحث العلمي في اللغة العربية في ضوء النظرية الحديثة لعلم اللغة العام وعلم اللغات السامية المقارن والتراث العربي، وآمل أن يحقق هذا الكتاب ما ينشده القارئ من وضوح موضوعي ورؤية علمية
محمود فهمي حجازي
1 / 3
الفهرس
الفصل الأول: اللغة والحياة اللغوية
١- طبيعة اللغة ١٠
٢- وظيفة اللغة ١٦
الفصل الثاني: علم اللغة الحديث
١- علم اللغة وعلم النصوص القديمة ٣١
٢- علم اللغة المقارن ٣٥
٣- علم اللغة الوصفي ٣٧
٤- علم اللغة التاريخي ٣٩
٥- علم اللغة التقابلي ٤٠
٦- علم اللغة والبحث النحوي ٤٢
٧- علم اللغة العام ٤٣
٨- التسميات المختلفة لعلم اللغة ٤٧
٩- علم اللغة وعلم النفس ٤٨
١٠علم اللغة والعلوم الاجتماعية ٥١
١١- علم اللغة وتعليم اللغات ٥٢
١٢- علم اللغة بين العلوم ٥٤
الفصل الثالث: علوم اللغة في التراث العربي
١- النحو وعلم العربية ٥٩
٢- اللغة وعلم اللغة وفقه اللغة ٦٥
٣- علم اللسان وعلوم الأدب والعلوم العربية ٦٨
1 / 5
الفصل الرابع: كتب طبقات النحويين واللغوين
١- كتب الطبقات ٧٣
٢- كتاب الفهرست ٧٥
٣ كتب التراجم ٧٦
٤ المراجع العامة الحديثة في التراث ٨١
الفصل الخامس: المكتبة النحوية
١- كتاب سيبويه والنحاة البصريون ٨٤
٢- النحاة الكوفيون في القرن الثاني والثالث ٨٧
٣- نحاة القرن الرابع ٨٨
٤- الكتب النحوية التعليمية والمنظومات ٩١
٥- الموسوعات النحوية والشروح ٩٢
الفصل السادس: المكتبة اللغوية
١- جمع اللغة وتأليف المعاجم ٩٥
٢- معاجم الترتيب الصوتي ٩٩
٣- معاجم الترتيب الهجائي ١٠٣
٤- مصادر المعاجم الموسوعية ١٠٥
٥- المعاجم الدلالية الخاصة ١٠٩
٦- المعاجم الموضوعية ١١٣
٧- كتب الأبنية الصرفية ١١٤
٨- كتب التثقيف اللغوي ولحن العامة
٩- كتب الموضوعات الصوتية ١١٧
الفصل السابع: المنهج المقارن وتصنيف اللغات
١- تصنيف اللغات ١١٩
٢- العرب واللغات الأجنبية ١٢٢
٣- الأوربيون والمقارنات ١٢٤
٤- نشوء علم اللغة المقارن ١٢٦
1 / 6
الفصل الثامن: اللغات السامية بين اللغات الأفروآسيوية
١- اللغات الأفروآسيوية ١٣١
٢- اللغات السامية ١٣٢
٣- اللغات السامية واللغة المصرية القديمة ١٣٤
٤- اللغان السامية واللغة الليبية القديمة ١٣٥
الفصل التاسع: الخصائص المشتركة في اللغات السامية:
١- الأصوات ١٣٩
٢- بناء الكلمة ١٤٢
٣- بناء الجملة ١٤٧
٤- الألفاظ الأساسية ١٤٨
الفصل العاشر: التوزيع الجغرافي والتاريخي للغات السامية
١- الفرع الأكادي ١٥١
٢- الفرع الكنعاني ١٥٧
٣- الفرع الآرامي ١٧٢
٤- العربية الجنوبية ١٨٣
٥- اللغات السامية في الحبشة ١٨٧
الفصل الحادي عشر: العربية في ضوء اللغات السامية
١- الخطوط السامية والواقع الصوتي ١٩٤
٢- القوانين الصوتية ١٩٧
٣- أصوات عربية تختلف عن السامية الأولى ٢٠٠
٤- الضمائر ٢٠٢
٥- الأسماء الثنائية ٢٠٥
٦- الأفعال ٢٠٨
٧- تحديد الجذور ٢٠٨
٨- الألفاظ المشتركة ٢٠٩
٩- الدخيل في ضوء اللغات السامية ٢١١
1 / 7
١٠- المقارنات اللغوية وتاريخ الألفاظ ٢١٣
الفصل الثاني عشر: العربية في جزيرة العرب
١- النقوش العربية القديمة ٢١٧
٢-اللهجات العربية واللغة الفصحى ٢٢٤
٣- قضية الاستخدام اللغوي واللهجات ٢٣٤
الفصل الثالث عشر: العربية في المشرق الآسيوي
١- موجات التعريب في المشرق ٣٣٩
٢- العربية في العصر الأموي ٢٤٢
٣- الجاحظ وملاحظاته اللغوية ٢٥٤
٤- العربية بين البداوة والحضارة ٢٥١
٥- العربية في القرن الرابع ٢٥٧
٦- الهمداني والحياة اللغوية ٢٦١
٧- المقدسي والحياة اللغوية ٢٦٣
٨- العلاقات اللغوية من القرن الخامس ٢٦٧
الفصل الرابع عشر: العربية في القارة الأفريقية
١- تعريب مصر والنوبة والسودان ٢٧١
٢- المغرب وتعريب البربر ٢٨٠
٣- العربية جنوب دول المغرب ٢٨٨
٤- العربية لغة الدين والثقافة الإسلامية ٢٩٤
الفصل الخامس عشر: اتجاهات التغير في البنية والمعجم
١- التغير في البنية ٢٩٩
٢- نمو المفردات العربية ٣٠٩
ببليوجرافيا مختارة بالكتب العربية في الدراسات اللغوية ٣١٧
ببليوجرافيا مختارة بالكتب الأوربية في علم اللغة العام
وعلم اللغات السامية وعلم اللغة العربية ٣٥٣
1 / 8
الفصل الأول: اللغة والحياة اللغوية
مدخل
...
الفصل الأول: اللغة والحياة اللغوية
هناك تعريفات كثيرة للغة عرفتها الدوائر العلمية المختلفة في شتى الحضارات.
ويعد تعريف اللغة عند ابن جني "المتوفى ٣٩١هـ" من التعريفات الدقيقة إلى حد بعيد. قال ابن جني: حد اللغة أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم١ وهذا تعريف دقيق يذكر كثيرًا من الجوانب المميزة للغة. أكد ابن جني أولا الطبيعة الصوتية للغة، كما ذكر وظيفتها الاجتماعية في التعبير ونقل الفكر، وذكر أيضا أنها تستخدم في مجتمع فلكل قوم لغتهم. ويقول الباحثون المحدثون بتعريفات مختلفة للغة٢، وتؤكد كل هذه التعريفات الحديثة الطبيعة الصوتية للغة والوظيفة الاجتماعية للغة، وتنوع البنية اللغوية من مجتمع إنساني لآخر.
_________
١ الخصائص لابن جني ١/ ٣٣، وتعريف ابن خلدون: اللغة في المتعارف هي عبارة المتكلم عن مقصوده، وتلك العبارة فعل لساني ناشئة عن القصد لإفادة الكلام فلا بد أن تصير ملكة متقررة في العضو الفاعل لها وهو اللسان، وهو في كل أمة بحسب اصطلاحاتهم "المقدمة ١٢٥٤" اللغة ملكة في اللسان وكذا الخط صناعة ملكتها في اليد "المقدمة ١٢٥٢"
٢ انظر:L.Bloomfield، Languge، A set of postulates for the science of Languge، in: Psycholinguistics ed. by Sol Saporta، P. ٢٦-٢٨.
B. Bloch and G.L. Teager، Outline of Linguistic، Analysis، pp. ٥-٧.
Carroll، The Study of Language، p. ١٠.
وقد عرف كارول اللغة على النحو التالي: أية لغة من اللغات هي نظام بنيوي Structural System من الأصوات العرفية المنطوقة arbitrary vocal sounds ومن تتابعات الأصوات sequences of sounds التي تستخدم أو التي يمكن أن تستخدم في التعامل بين الأفراد interpresonal communication عند مجموعة من البشر، ويصنف الأشياء والأحداث والعمليات التي تتم في البيئة الإنسانية.
1 / 9
طبيعة اللغة
مدخل
...
١- طبيعة اللغة:
اللغة أولا وقبل كل شيء نظام من الرموز الصوتية، وتكمن قيمة أي رمز في الاتفاق عليه بين الأطراف التي تتعامل به، وقيمة الرمز اللغوي تقوم على علاقة بين متحدث أو كاتب هو المؤثر وبين مخاطب أو قارئ هو المتلقي. واللغة وسيلة التعامل ونقل الفكر بين المؤثر والمتلقي. وصدور هذه الرموز الصوتية اللغوية لأداء معان محددة متميزة يعنيها المتحدث ويفهمها المتلقي- معناه اتفاق الطرفين على استخدام هذه الرموز للتعبير عن الدلالات المقصودة. وبهذا يكون هناك ارتباط غير مباشر بين الجهاز العصبي للمتكلم والجهاز العصبي للمخاطب وما اللغة إلا وسيلة الربط بينهما وأداة التعبير. فكل موقف كلامي يشترط وجود متحدث ومتلق. وتتم عملية الكلام بأن يصدر الجهاز العصبي عند المتحدث أوامره إلى الجهاز النطقي عنده، فتصدر اللغة وتمضي على شكل موجات صوتية في الهواء فيتلقاها المتلقي بجهازه السمعي، ثم تنتقل بعد ذلك إلى جهازه العصبي فتترجم هذه الرموز الصوتية اللغوية إلى معانيها المرتبطة بها. واللغة وسيلة التعامل الاجتماعي الأولى في المجتمع الإنساني، أما وسائل الاتصال الأخرى مثل الإشارات الصوتية أو أعلام الكشافة فليست إلا محاولة بديلة للنظام اللغوي وهي تقوم أساسًا على النظام اللغوي ولذا ليس لها بدونه وجود.
اللغة والكتابة الرموز اللغوية Linguistic symbols رموز صوتية، ومعنى هذا
اللغة والكتابة الرموز اللغوية Linguistic symbols رموز صوتية، ومعنى هذا
1 / 10
أن طبيعة اللغة تتخذ في المقام الأول صورة صوتية منطوقة مسموعة. فالكتابة في أحسن أحوالها محاولة للتعبير عن اللغة في واقعها الصوتي. وهذه المحاولة دقيقة أحيانًا وغير دقيقة في أكثر الأحيان. والكتابة محاولة لنقل الظاهرة الصوتية السمعية إلى ظاهرة كتابية مرئية، فاللغة تسمع بالأذن والكتابة ترى بالعين، الكتابة محاولة لترجمة الظاهرة الصوتية السمعية إلى ظاهرة كتابية مرئية، والكتابة محاولة لنقل اللغة من بعدها الزمني إلى البعد المكاني، فالظواهر الصوتية تتتابع في الزمن والحروف المكتوبة تتتابع في المكان. وإذا كانت اللغة في المقام الأول ظاهرة صوتية فمن الطبيعي أن يقوم البحث اللغوي بدراسة اللغة في صورتها الصوتية.
وعلينا أن نميز دائمًا بين الطبيعة الصوتية للغة وكيفية تدوين هذه اللغة، فالخط العربي شيء واللغة العربية شيء آخر، الخط العربي ذو إمكانات معينة يحاول بها التعبير عن الواقع الصوتي. ويدوّن الخط العربي الأصوات الصامتة مثل الباء والسين والصاد ... إلخ والحركات الطويلة وهي: الضمة الطويلة والفتحة الطويلة والكسرة الطويلة بحروف الكتابة العربية. الخط يتعامل بالحروف، وعلم اللغة يتعامل بالأصوات. يحاول الخط العربي بشكل ما تدوين أصوات اللغة العربية إلا أن الحركات القصيرة وهي الضمة والفتحة والكسرة ليست لها حروف في الخط العربي. ولذا فكتابتها أمر اختياري، ولكن الحركات القصيرة -شأنها شأن الحركات الطويلة والصوامت- عناصر أساسية في تكوين النظام اللغوي للعربية وكل اللغات. يؤدي تغيير الحركات إلى تغيير المعنى فالفرق بين ضرب المبني للمعلوم وضُرب المبني للمجهول فرق في الحركات أدى إلى تحول في الصيغة وتغير في المعنى.
وثمة فرق أساسي بين مجموع الحروف ومجموع الأصوات في أنماط كثيرة من الكلمات العربية فالفعل الماضي: كتبوا، سافروا.... إلخ ينتهي بألف ليست لها أية دلالة صوتية. وعلى العكس من هذه الظاهرة نجد الحروف التي تكتب بها كلمات كثيرة أقل عددًا من الأصوات المكونة لها. وبعض الحركات
1 / 11
الطويلة لا تكتب في بعض الكلمات. مثل: هذا، هذه.... إلخ. وثمة فرق آخر بين الحروف والأصوات، ويتضح هذا الفرق بأن نلاحظ أن حرف الواو في الخط العربي يرمز إلى ظاهرتين صوتيتين مختلفتين في اللغة العربية، فالواو ترمز في تدوين الكلمات: ورد، ولد، إلى صوت صامت في العربية، بينما ترمز الواو نفسها في تدوين الكلمات خلود، سرور، شهود، إلى حركة طويلة في اللغة العربية. وكذلك حرف الياء في الخط العربي. فهو يرمز تارة إلى صوت صامت في الكلمات: يكتب، يلعب، وتارة أخرى إلى حركة في الكلمات: في، لي. ولهذا كله لا يجوز في بحث اللغة العربية -أو أية لغة أخرى- أن نتعامل بالحروف المكتوبة، بل علينا أن ندرس الأصوات اللغوية المكونة لهذه اللغة، محاولين في كل حالة أن نتبين الواقع الصوتي للغة مراعين مدى الاختلاف بين اللغة باعتبارها ظاهرة صوتية وكيفية تدوينها بالحروف.
النظام اللغوي: الرموز الصوتية، التي يتعامل بها أبناء الجماعة اللغوية الواحدة محدودة، فأكثر اللغات تتعامل كل منها بحوالي ثلاثين رمزًا صوتيًّا، وتتعامل كل اللغات الإنسانية مجتمعة بما لا يزيد على خمسين رمزًا صوتيًّا لكل لغة منها نصيب، ولكن هذه الرموز المحدودة تعبر في كل لغة من هذه اللغات الكثيرة عن أكثر ما يريد الإنسان التعبير عنه في كل مجالات الحياة والفكر. إنها ثلاثون رمزًا تقريبًا في كل لغة من اللغات تكوِّن آلاف الكلمات ثم ملايين الجمل لنقل ملايين الملايين من المعاني وظلال المعاني. وتكوّن هذه الرموز الصوتية المحدودة بنية اللغة باتخاذها عدة أنساق محددة، فالكلمتان كاتب وكتاب تتكونان من نفس الصوامت ونفس الحركات، الصوامت هنا: الكاف والتاء والباء، والحركات هي: الكسرة والفتحة وحركة الإعراب. غير أن هذه الحركات تتخذ في الكلمتين السابقتين نسقين مختلفين. واستخدام الرموز الصوتية المحدودة في كل لغة من لغات الأرض في أنساق مختلفة أتاح لها أن تكوّن الآلاف الكلمات. وتتخذ الأجزاء
النظام اللغوي: الرموز الصوتية، التي يتعامل بها أبناء الجماعة اللغوية الواحدة محدودة، فأكثر اللغات تتعامل كل منها بحوالي ثلاثين رمزًا صوتيًّا، وتتعامل كل اللغات الإنسانية مجتمعة بما لا يزيد على خمسين رمزًا صوتيًّا لكل لغة منها نصيب، ولكن هذه الرموز المحدودة تعبر في كل لغة من هذه اللغات الكثيرة عن أكثر ما يريد الإنسان التعبير عنه في كل مجالات الحياة والفكر. إنها ثلاثون رمزًا تقريبًا في كل لغة من اللغات تكوِّن آلاف الكلمات ثم ملايين الجمل لنقل ملايين الملايين من المعاني وظلال المعاني. وتكوّن هذه الرموز الصوتية المحدودة بنية اللغة باتخاذها عدة أنساق محددة، فالكلمتان كاتب وكتاب تتكونان من نفس الصوامت ونفس الحركات، الصوامت هنا: الكاف والتاء والباء، والحركات هي: الكسرة والفتحة وحركة الإعراب. غير أن هذه الحركات تتخذ في الكلمتين السابقتين نسقين مختلفين. واستخدام الرموز الصوتية المحدودة في كل لغة من لغات الأرض في أنساق مختلفة أتاح لها أن تكوّن الآلاف الكلمات. وتتخذ الأجزاء
1 / 12
المختلفة في النظام اللغوي في كل حالة على حدة ترتيبًا محددًا، فلكل رمز صوتي وظيفته في الكلمة، ولكل كلمة وظيفتها في العبارة أو الجملة، وينبغي الالتزام بالنسق المتفق عليه في البيئة اللغوية الواحدة، وإلا فقد الرمز قدرته على النقل والإيحاء. وهذا النسق اللغوي يتضمن ترتيب الأصوات داخل الكلمة وترتيب الكلمات داخل الجملة.
وهنا تكون مهمة الباحث في اللغة أن يتبين طبيعة هذه الرموز الصوتية والأنساق المختلفة التي تتخذها لتكون الكلمات ثم عليه أن يتبين أيضا الأنماط المختلفة لترتيب هذه الكلمات لتكوّن الجمل المختلفة.
اللغة ظاهرة غير مادية، شأنها في هذا شأن العرف والعادات. وهناك فرق أساسي بين بحث الظواهر المادية في مجتمع ما وبحث الظواهر غير المادية في نفس المجتمع. ويكمن استيعاب الظواهر المادية مثل أشكال السكن والملابس وأدوات العمل بوصف هذه الأشياء وصفًا مباشرًا، ولكن دارس الظواهر غير المادية يواجه مجموع العناصر غير المرئية وقد تداخلت جزئياتها تداخلا كاملا وهذا شأن عالِم اللغة في بحثه للغة وعالِم الاجتماع في بحثه للعرف مثلا. كلاهما مطالب بملاحظة آلاف الجزئيات المكونة للنظام اللغوي أو النظام العرفي وأن يتبين هذه الجزئيات وأن يصنفها تصنيفًا واضحًا، وأن يبلور العلاقات الكامنة بين هذه الجزئيات المتكاملة. فالباحث في اللغة يلاحظ، ثم يسجل، ثم يصنف، ثم يبلور ليكشف بنية اللغة التي يدرسها.
الرموز اللغوية والدلالة: تكتسب الرموز اللغوية قدرتها الإيحائية عن طريق الاستخدام، والكلمة أقل عناصر اللغة ذات الدلالة، وليس هناك معنى محدد لصوت السين أو صوت الصاد أو لأي صوت آخر. وعندما يسمع الإنسان لغة أجنبية لا يعرفها فإنه لا يستطيع - أول الأمر- أن يميز الكلمات المختلفة التي يسمعها، فهو يسمع سلسلة من الأصوات المتتابعة. وهذا شأن الطفل قبل اكتسابه للغة، فهو يسمع اللغة مجرد جرس صوتي غير متميز الملامح، ثم يأخذ الطفل في تمييز الرموز
الرموز اللغوية والدلالة: تكتسب الرموز اللغوية قدرتها الإيحائية عن طريق الاستخدام، والكلمة أقل عناصر اللغة ذات الدلالة، وليس هناك معنى محدد لصوت السين أو صوت الصاد أو لأي صوت آخر. وعندما يسمع الإنسان لغة أجنبية لا يعرفها فإنه لا يستطيع - أول الأمر- أن يميز الكلمات المختلفة التي يسمعها، فهو يسمع سلسلة من الأصوات المتتابعة. وهذا شأن الطفل قبل اكتسابه للغة، فهو يسمع اللغة مجرد جرس صوتي غير متميز الملامح، ثم يأخذ الطفل في تمييز الرموز
1 / 13
الصوتية التي يسمعها شيئًا فشيئًا، وما أن يكتمل تمييز الطفل بين هذه الأصوات وتكتمل قدرته على محاكاتها حتى يكون الطفل قد اكتسب الأساس الصوتي للغته الأم. وترتبط هذه المرحلة بملابسات استخدام كل كلمة وكل عبارة سمعها الطفل، فهو لا يسمع الأصوات المكونة للكلمات والعبارات مجردة عن سياقها، بل يسمع عبارات معينة في مناسبات محددة، وبذلك ترتبط كل كلمة وكل عبارة في عقل مكتسب اللغة أو مستخدمها بمواقف خاصة وظروف معينة. وما المعنى إلا حصيلة المواقف التي استخدم فيها الرمز اللغوي، ولذا فالوسيلة العلمية لمعرفة دلالة كلمة من الكلمات أو عبارة من العبارات تتلخص في بحث الظروف والملابسات التي استخدمت فيها الكلمة فاكتسبت معناها وقدرتها الإيحائية. وليست هناك أية علاقة طبيعية بين الرمز اللغوي ومدلوله في الواقع الخارجي، والعلاقة الوحيدة القائمة بين الرمز الصوتي اللغوي وما يدل عليه هي علاقة الرمز، فالكلمة ترمز إلى شيء مادي أو معنوي، وعلى هذا فلا علاقة طبيعية تربط الأصوات المكونة لكلمة منضدة في العربية أو كلمة Tisch في الألمانية وبين المنضدة كواقع مادي. والمنضدة في اللغة العربية كلمة مؤنثة، لا لأن هناك تأنيثًا في خشب المنضدة ولكن لأنها تنتهي بتاء، والتاء في العربية علامة تأنيث، فالتأنيث هنا ليس للمنضدة كواقع مادي ملموس بل لكلمة منضدة في اللغة العربية ويقابل هذه الكلمة بالألمانية كلمة der Tisch وهذه الكلمة الألمانية تصنف من المذكر. ولذا فتصنيف الكلمات في اللغة الواحدة يكوّن نظامًا لغويًّا مستقلا عن مدلولات هذه الأشياء في الواقع الخارجي، وكل ما يربط الكلمة بمدلولها هو علاقة الرمز. ويصدق هذا على كل ظواهر وكلمات اللغة الإنسانية، فاللغة لها نظامها الداخلي، وليس هذا النظام انعكاسًا مباشرًا للواقع الخارجي بل هو رؤية له بطريقة ما. وتصدق علاقة الرمز على كل الألفاظ في كل اللغات، فليست هناك علاقة طبيعية بين بعض الألفاظ ومدلولاتها في الواقع الخارجي.
وقد توهم البعض في عدد من الكلمات مثل: خرير، صهيل، هديل
1 / 14
محاكاة للطبيعة وأطلق ابن جني١ على هذه الكلمات اسم الأصوات المسموعات ويطلق على هذه الكلمات في الإنحليزية Onomatopoetic Words ولكن هذه الكلمات لا تختلف في شيء عن باقي كلمات اللغة من الناحية الدلالية، إذ إنها لم تكتسب قيمتها الرمزية إلا في بيئة لغوية محددة، فليست دلالات هذه الكلمات طبيعية مشتركة في كل اللغات، بل كل منها ذات إيحاء محدد في مجتمع لغوي بعينه دون غيره. فكلمة "خرير" تؤدي معناها في البيئة اللغوية العربية وتوحي فيها بصوت الماء المتدفق المتلاطم، ولكن هذه الكلمة ليست لها أية دلالة أو معنى أو قدرة إيحائية خارج البيئة اللغوية العربية. وربما توهم البعض وجود علاقة طبيعية بين معنى الإيجاب والموافقة وكلمة "أيوه" في اللهجة العربية القاهرية، والواقع أن هذه الكلمة لا توحي بهذا المعنى إلا في مجتمع يفهم اللغة القاهرية، ولو قيلت وحدها لمخاطب أمريكي لفهم منها اسم ولاية أمريكية ولو نطقت أمام ألماني لما فهم منها أي شيء على الإطلاق، وكل هذا يدل على ارتباط دلالة هذه الكلمة وغيرها من الكلمات بالاستخدام اللغوي في بيئة لغوية محددة، وليست هناك علاقة طبيعية بين الصوت اللغوي أو الكلمة ودلالتها. فالمعنى هو حصيلة استخدام الكلمة في البيئة اللغوية الواحدة.
وهناك تصور سائد في بعض البيئات المتحضرة وفي كل البيئات الأقل تحضرًا تجاه بعض الكلمات، فنطق كلمة بعينها عندهم يعني استحضار الشيء، وكأن الكلمة والشيء الذي تدل عليه يكونان وحدة طبيعية واحدة. ويؤدي هذا
_________
١ عد ابن جني على هذه الكلمات - أصل اللغة "انظر: الخصائص١/ ٤٠" أما الاصطلاح الأوربي فيرجع إلى كلمة Onoma "وتعني في اليونانية اسم" + كلمة poesis "وتعني في اليونانية: حدث" وليس هناك شك في إيحاء هذه الكلمات، ولكن هذا الإيحاء نشأ عن الكلمة ولم تنشأ الكلمة من الصوت الموجود في الطبيعة، فصوت الكلب يطلق عليه في الإنجليزية " أمريكا" bowwow وفي فرنسا genaf-genaf وفي اليابان wam-wam ولا يمكن أن تكون كل هذه الكلمات معبرة عن الصوت الحقيقي لنباح الكلب، ومن ثم لا علاقة بين أية كلمة منها وبين صوت الكلب وعلى الرغم من هذا فهي في المثال السابق تشترك في كونها من مقطع متكرر.
1 / 15
التصور إلى تجنب ذكر أسماء الأمراض وأسماء الوحوش حتى لا تحل بالمكان الذي نطقت فيه أسماؤها. ولذا تنوعت تسميات الحيوان المخيف في الجماعة اللغوية الواحدة، وقد تجنبت جماعات لغوية في شمال أوربا ذكر اسم الدب صراحة فكانوا يرمزون له بتسميات أخرى مجازية حتى لا يحضر١كما حاول البعض تجنب حضور الأسد بأن أطلقوا عليه تسميات مجازية أخرى كثيرة حتى لا يحل بالمكان ورغم وجود أمثلة كثيرة لذلك في بيئات حضارية مختلفة فواقع اللغة يثبت أنه لا علاقة بين الرمز اللغوي وما يشير إليه في عالم الواقع إلا علاقة الرمز. وكل الرموز اللغوية سواء في ذلك.
_________
١ يطلق على هذه الظاهرة taboo Influence وأشهر أمثلتها في اللغات الأوربية اختفاء الكملة القديمة للدب من لغات شمال أوربا بينما احتفظت بها السنسكريتية واليونانية، وقد حلت محل هذه الكلمات صفات للدب تحولت بعد ذلك إلى أسماء له، انظر:
S. Ulmann، Principled of Semantics، p. ١٨٤
W. Havers، Neuere Literature zum Sprachtabu "Akademie Der Wissen-schaften in Wien، Phil -Hist. Kl. Sitzungsberichte. ٢٢٣، ٥، ١٩٤٦"
N.B. Emenau، Taboos on Animal. Names "Language XXIV ١٩٤٨، ٥٦-٦٣"
وظيفة اللغة مدخل ... ٢- وظيفة اللغة: يرتبط الرمز اللغوي ببيئة محددة يطلق عليها الجماعة اللغوية Linguistic Communtity فعندما يسمع إنسان لغة أجنبية لا يعرفها يسمعها أصواتا غير متميزة، وليس لها تصنيف واضح عنده، وليست لها لدلالة رمزية، إنه يسمع سلسلة صوتية لسيت لها وحدات متميزة. ولكن ابن اللغة أو العارف بها لا يسمع هذه السلسلة الصوتية فحسب، بل يميز مكوناتها ويفهم محتواها الدلالي. ومن الممكن بحث الأصوات المنطوقة من ناحية الخصائص الفيزيائية، فالمادة الصوتية موضوع من موضوعات التحليل في الفيزياء، ويكشف التحليل الفيزيائي
وظيفة اللغة مدخل ... ٢- وظيفة اللغة: يرتبط الرمز اللغوي ببيئة محددة يطلق عليها الجماعة اللغوية Linguistic Communtity فعندما يسمع إنسان لغة أجنبية لا يعرفها يسمعها أصواتا غير متميزة، وليس لها تصنيف واضح عنده، وليست لها لدلالة رمزية، إنه يسمع سلسلة صوتية لسيت لها وحدات متميزة. ولكن ابن اللغة أو العارف بها لا يسمع هذه السلسلة الصوتية فحسب، بل يميز مكوناتها ويفهم محتواها الدلالي. ومن الممكن بحث الأصوات المنطوقة من ناحية الخصائص الفيزيائية، فالمادة الصوتية موضوع من موضوعات التحليل في الفيزياء، ويكشف التحليل الفيزيائي
1 / 16
للصوت عن جوانب كثيرة من خصائصه الطبيعية، مما يفيد أيضا من الناحية التطبيقية في تصميم أجهزة التليفونات وأجهزة الإرسال والاستقبال اللاسكلي وتصميم المباني التي يتردد فيها الصوت.. إلخ ولكن البحث اللغوي لا يبحث الخصائص الفيزيائية باعتبارها هدفًا في ذاتها، بل يبحث المادة الصوتية باعتبارها وسيلة لتوصيل المعلومات، ولذا لا يراها مجرد حشد صوتي كما تبدو للأجنبي وكما يسجلها الجهاز الأصم بل يرى فيها نظامًا محددًا من الرموز المتميزة التي تحمل معنى.
تختلف الخصائص الفيزيائية للصوت باختلاف الأفراد والمواقف الكلامية داخل الجماعة اللغوية الواحدة، فلكل فعل كلامي خصوصيته. وتختلف الخصائص النطقية والفيزيائة للعبارة الواحدة باختلاف الأفراد، وقد يختلف نطق الإنسان الواحد لنفس العبارة باختلاف أحواله النفسية ويتغير نطقه بتقدم العمر. ومع هذا فالجماعة اللغوية هي الجماعة التي تتشابه فيها مجموع العبارات التي يتعامل بها أبناؤها، على نحو يمكنهم من الفهم المتبادل mutual intelligibility، ومجموع العبارات المستعملة في الجماعة اللغوية يصدر عن بنية لغوية واحدة تربط كل أفراد الجماعة. وتتحدد الجماعة اللغوية باعتبار تشابه مجموع العبارات التي يتعامل بها أفرادها، فتعاملهم بها هو الذي جعل منهم جماعة لغوية واحدة١.
_________
١ إن الفهم المتبادل بين شخصين يتحدثان معا ليس بالضرورة دليلا على كونهما يتحدثان نفس اللغة، ولا بد أن يكون إثبات أنهما يتحدثان نفس اللغة قائمًا على أساس تشابه مكونات أقوالهما بدرجة عالية، أي أن يكون كلاهما يتعامل بنفس النظام اللغوي انظر:
Carroll، The Study of Language. P. ٨.
يعبر بلومفيلد عن رأيه في ذلك على النحو التالي:
كل فعل كلامي act of speech ينتج قولا Utterance، والجماعة التي تتشابه فيها مجموع الأقوال التي يتعامل بها أبناؤها، ومجموع الأقوال المستعملة في الجماعة اللغوية "= الكلامية" الواحدة هي لغة هذه الجماعة. والسمات النطقية المشتركة في اللغة الواحدة هي الصيغ Forms أما المعاني Meanings فهي المحتوى الدلالي للفعل الكلامي. "انظر: المرجع السابق".
1 / 17
الفصحى واللهجات:
يوجد في أكثر الجماعات اللغوية في العالم أكثر من مستوى لغوي واحد يشارك الفرد في كل مستوى منها وفق المواقف الكلامية التي يعيشها. فالمواقف الكلامية في مجال الحياة اليومية تختلف عنها في المجالات الثقافية أو مجالات السياسة. قد يكون هذا الاختلاف في إطار اللغة الواحدة كما هي حال المثقفين من أبناء اللغة الألمانية أو الفرنسية أو الإنجليزية في تعاملهم بلغاتهم. وقد يكون الاختلاف أكثر من ذلك، في إطار اللغة الواحدة عندما تستخدم اللهجة العامية والفصحى جنبا إلى جنب. وتوجد أشكال مختلفة من الازدواج اللغوي١. ويحدد الاستخدام اللغوي الوظيفة التي يقوم بها كل مستوى لغوي. وليست هناك سمات في البنية اللغوية من النواحي الصوتية أو الصرفية أو النحوية أو الدلالية تفرض كون أحد المسوتيات هي الفصحى والآخر هو العامية، فكلاهما ينطبق عليه تعريف اللغة باعتبارها نظامًا من الرموز الصوتية، ولكن أبناء الجماعة اللغوية يقفون من الفصحى موقفًا غير موقفهم من العامية. فالفصحى تحترم اجتماعيًّا وتحترم قواعدها عند المثقفين، كما تدعم النماذج الأدبية والكتب الثقافية والعلمية مكانة الفصحى. ويؤدي هذا في حالات كثيرة إلى أن جعل استخدامها موحدًا -أو يكاد يكون موحدًا- عند كل أبنائها، حتى وإن كانوا منفصلين جغرافيًّا واجتماعيًّا عن بعضهم البعض، فيظل الاختلاف الإقليمي في استخدام الفصحى داخل العرف النحوي والمعجمي للغة، ولكن العامية تعد في رأي مستخدميها غير مقننة من الناحية النحوية، على الرغم من أن لكل لهجة قوانينها الخاصة بها. ولا يقف أبناء الجماعة اللغوية من العامية موقف الاحترام، ولذا لا تستخدم العامية في الكتابة الرسمية ولا في المجالات الثقافية والعلمية تاركة ذلك للغة الفحصى.
_________
١ يطلق الازدواج اللغوي Diglossia على وجود مستويين لغويين في بيئة لغوية واحدة، أما الثنائية اللغوية عند الفرد الواحد فتسمى bilingualism. ومن أهم الدراسات اللغوية حول الازدواج اللغوي: Ch. Ferguson، Diglossia
ونشر عدة مرات منها:
P.P Giglioli، Language and Social context "penguin books" ١٩٧٢، p.٢٣٢
1 / 18
أشكال التنوع اللغوي:
وهناك جماعات لغوية تستخدم أكثر من لغة تختص كل واحدة منها بمجالات محددة. وفي كل هذه الحالات هناك مصطلحات لوصف مستويات الاستخدام اللغوي المختلفة١. اللغة الرسمية Official Language هي اللغة المستخدمة في المجالات الرسمية في الدولة. وتنص الدساتير -غالبًا- على تحديد اللغة الرسمية في كل دولة. قد تكون اللغة الرسمية هي اللغة الوطنية National Languge كما هي الحال في كثير من دول العالم، وقد تكون امتدادا للغة الرسمية في عهد الاستعمار وهذه حال كثير من الدول الجديدة في أفريقيا وآسيا. فاللغة الرسمية في موريتانيا هي اللغة الفرنسية، وليست الفرنسية لغة أبناء موريتانيا فهم عرب وبربر، وما تزال اللغة الإنجليزية هي اللغة الرسمية في عدد من الدول الإفريقية. وهناك دول اعترفت لظروف تاريخية بتعدد اللغات الرسمية، فالفرنسية والفلمنكية لغتان رسميتان في بلجيكا، والانجليزية والأفريكانز Afrikaans لغتان رسميتان في اتحاد جنوب إفريقيا، والإنجليزية والفرنسية لغتان رسميتان في كندا. والألمانية والفرنسية والإيطالية هي اللغات الرسمية في سويسرا.
وتوصف اللغة التي تستخدم في المجالات التعليمية والثقافية والتقنية بأنها لغة التعليم Educational Language أو لغة الثقافة Cultural Language أو اللغة التقنية Technical Language وكثيرًا ما تكون اللغة الرسمية لغة
_________
١ انظر:
W.E Stewart، An outline of Linguistic Typology for Describing Multilingualism p. ١٥-٢٥ In: Rice، Study of the Role of second Languages Washington D.C ١٩٦٢.
1 / 19
التعامل في هذه المجالات، ولكن عددا كبيرا من الجماعات اللغوية في العالم المعاصر تتعامل في المجالات التقنية بلغة تختلف عن اللغة الرسمية التي نص عليها الدستور. فتدريس العلوم والهندسة والطب يتم في أكثر جامعات الدول العربية باللغة الإنجليزية أو اللغة الفرنسية مع أن دساتير هذه الدول تنص على كون اللغة الرسمية هي اللغة العربية.
وهناك لغات تستخدم في مجالات خاصة دون أن تكون اللغة الوطنية أو اللغة الرسمية أو لغة التعليم. فلغة الدين Religious Language أو لغة الشعائر الدينية Language Liturgical هي اللغة العربية في كل أنحاء العالم الإسلامي. واللغة اللاتينية هي لغة الطقوس الدينية عند الكاثوليك واللغة العبرية هي لغة الدين عند اليهود. ويؤدي قصر استخدم لغة من اللغات على المجال الديني إلى اهتمام رجال الدين -في المقام الأول- بهذه اللغة ليقرءوا الكتب المؤلفة بها ويؤلفوا بها ما يريدون من كتب دينية.
وإلى جانب هذا فهناك لغات توصف كل منها بأنها لغة جماعة Group langugae ويقتصر استخدامها على مجموعة حضارية أو اثنية داخل الدولة، فالمهرية في منطقة من اليمن الجنوبية وعند المهاجرين منهم إلى الكويت هي لغة مجموعة اثنية Ethnic Language وهذا كذلك شأن النوبية في مصر. والكردية في العراق والبربرية في المغرب. وتعد معرفة لغة المجموعة الحضارية أو الاثنية في أكثر الأحوال معيارًا لبيان انتماء الفرد لهذه المجموعة.
ويؤدي ارتباط اللغة بمجموعة بشرية بعينها إلى عدم استخدامها عند غير أبنائها للأغراض العامة خصوصًا إذا كانت جماعة أبناء هذه اللغة منفصلة عن باقي أبناء البلاد بحواجز جغرافية أو حضارية أو دينية أو طبقية. وفي أكثر هذه الحالات يتعامل أبناء هذه اللغة مع الآخرين بلغة أخرى تصبح بمثابة لغتهم الثانية١.
_________
١ حول هذه المصطلحات، انظر:
M. Pei. Colssary of Linguistic Terminology
New York ١٩٦٦ =
1 / 20
لغات التعامل واللغات الدولية:
وإذا كان التعاون بين البشر ضرورة اجتماعية وحضارية فإن التعامل بين الأفراد المنتمين إلى جماعات لغوية مختلفة يشكل في أكثر الأحوال صعوبة كبيرة. ويطلق على اللغة التي تتعامل بها جماعات تختلف لغاتها الأم اسم لغة التعامل١ Lingua franca وهناك عدة لغات تعامل في العالم الحديث. ومن أمثلة لغات التعامل استخدام العربية بين القبائل غير العربية في السودان وإريتريا.
_________
= وقارن أيضا المصطلحات التالية:
اللغة القديمة Classical Language
اللغة الراقية " المشتركة " Standard Language
لغة " أصحاب" المكانة Prestige Language
لغة التأليف "والأدب" Mother Language
اللغة الأم "= الأولى" other tongue = frist language = native language
لغة الثانية second language
العامية vernacular = colloquial
لهجة محلية dialact
لغة طبقة "في مجتمع" class language
لهجة فئة اجتماعية argot
العامية الهجين "غير مقننة" pidgin
اللغة الهجين "مقننة" creole
لغة منطقة "في دولة" area language
١ يرجع تاريخ المصطلح الأوربي Lingua franca إلى عصر الحروب الصليبية، عندما كان الصليبيون يتعاملون مع بعضهم البعض بلغة تختلف عن لغاتهم ولهجاتهم المختلفة في جنوب ووسط أوربا. فقد جاءوا من مناطق تتحدث الآن بالألمانية والإيطالية والفرنسية والإسبانية والإنجليزية إلخ. ولم يكن كل هؤلاء يستطيعون التعامل باللاتينية، فاستخدمت هذه الجماعات لغة مطورة عن لغة البروفنسال التي كانت آنذاك على طول الساحل الجنوبي لأوربا من مرسيليا إلى جنوا، وأطلقوا على هذه اللغة اسم Lingua franca ومعناها الحرفي لغة الفرنجة.
1 / 21
واستخدام الإنجليزية بين أبناء اللغات المختلفة في الهند١ وأكثر لغات التعامل لغات طبيعية Natural Languages أي لغات تطورت ونمت نموًّا طبيعيًّا، ولكن بعض الأفراد حاولوا وضع لغات أخرى توخوا فيها البساطة ويطلق عليها اللغات المصطنعة Artificial Language أو اللغات المساعدة auxiliary Language مثل الإسبرانتو.
ولكن هذه اللغات المصطنعة ليست سهلة لجميع أبناء اللغات بنفس الدرجة، الإسبرانتو مثلا أكثر عناصرها تتشابه مع الإيطالية والإسبانية وباقي هذه العناصر أوربية ولذا فاكتساب الأوربيين عموما للإسبرانتو أسهل من اكتساب غيرهم لها.
إن العالم المعاصر به أكثر من ثلاثة آلاف لغة، ولكن أكثر هذه اللغات يقتصر استخدامها على أعداد محدودة من البشر. وهناك إحدى عشرة لغة من هذه اللغات يتحدث بها أكثر من خمسين مليونًا وهي: الصينية والإنجليزية والهندية، الأردية، والإسبانية، والروسية، والعربية، والبرتغالية، واليابانية، والبنغالية، والألمانية، والفرنسية ولكن ليست كل هذه اللغات مما يمكن وصفها بأنها من اللغات الدولية International Language فاللغة الدولية لا تتحدد مكانتها بانتشارها وعدد أبنائها فحسب، بل تتحدد مكانتها بأهميتها الحضارية وإقبال غير أبنائها على تعلمها والتعامل بها٢ فاللغة لاتعيش إلا في جماعة لغوية، ولا ترقى إلا بالإنسان.
_________
١حول تعريف أنماط لغات التعامل المعاصر، انظر:
The use of vernacular languages in education، UNESCO، paris ١٩٥٣، P. ٤٦. w.j. Samarin، Lingua francis in: F.A. Rice، Study of the Role of Second Languages، Washington D.C. ١٩٦٢ p. ٥٤-٦٤.
٢ حول قضية اللغات الدولية، انظر:
محمود فهمي حجازي: اللغة العربية بين اللغات الدولية المعاصرة، مجلة كلية الآداب والتربية بجامعة الكويت، العدد الأول ١٩٧٢ ص ٢٧-٥٤ ويمكن الحصول على الأعداد الخاصة بأبناء كل لغة من اللغات المعاصرة بالاستعانة بما تنشره الأمم المتحدة سنويًّا في: Demographic Year book "= الكتاب السنوي الديمجرافي"
1 / 22
مستويات الاستخدام اللغوي:
النظام الرمزي الصوتي لا يصبح لغة إلا إذا استخدم للتعامل في بيئة إنسانية، ولذا فالبحث اللغوي يتناول البنية اللغوية ويربطها بالعلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية السائدة في هذه البيئة اللغوية. فطبيعة اللغة ووظيفتها شيئان مترابطان، فلو حاولنا أن نكتب اليوم عن الحياة اللغوية في العالم العربي الحديث فإننا نجد عددا من مستويات الاستخدام اللغوي تستخدم اللغة الفصحى في التأليف الأدبي والثقافي وفي كثير من برامج الإذاعة وتستخدم في المحاضرات العامة إلى حد كبير، ولكنها لا تكاد تستخدم في الحديث بين المثقفين، أما اللهجات المحلية فيدور بها الحديث اليومي في أمور الحياة.
وليس من الصحيح أن نقول بوجود مستويين اثنين هما الفصحى والعامية، فبين هذه وتلك عدة مستويات لغوية وللنظر في حديث المثقفين العرب حيث تتخذ عناصر كثيرة من الفصحى مكانها إلى جانب عناصر أخرى من اللهجات المحلية، نجد المصطلحات العلمية فصيحة وصيغ الأفعال عامية والضمائر عامية، ففي عامية المثقفين هذه تستقر عناصر من الفصحى وأخرى من العامية.
ولا يجوز أن نعمم هذا التقسيم، فكل مجتمع يعرف علاقاته اللغوية الخاصة ففي المجتمعات الأوربية المثقفة يدور الحديث باللغة الأدبية الفصحى، ويحاول كل مثقف في حديثه أن يجرد نفسه المثقف بقدر الإمكان عن التأثير باللون المحلي أو اللهجة الإقليمية، ويحاول الشباب المثقف في وسط أوربا استخدام الفصحى بقدر الإمكان، حتى إن الكثير من مثقفى المدن لم يعد يستخدم اللهجة المحلية على الاطلاق واقتصر استخدام اللهجات على التعامل المحلي بين أبناء القرية الواحدة أو القرى المتجاورة وهو استخدام متناقص مع الزمن.
فمجالات استخدام اللغة الفصحة في البيئات الأوروبية المثقفة وبيئات المدن عموما أكثر من مجالات استخدام العربية الفصحى في العالم العربي. وتبدو هذه الحقيقة من مقارنة الاستخدام اللغوي في المدارس والمعاهد العلمية هنا وهناك،
1 / 23