فالبوذية فتح في ميدان التصوف أو ميدان «الوجدانيات» والفضائل الخلقية، ولكنها ليست بالفتح الجريء في معارج الوصول إلى الكمال: كمال الإله.
الصين واليابان
أما الصين فإنها - كالمنتظر من أمة في ضخامتها وكثرة شعوبها وترامي أطرافها - قد اختبرت جميع أنواع العبادات من أدناها إلى أرقاها.
ولكنها - على كثرة العبادات التي دانت بها - لا تحسب من أمم الرسالات الدينية كمصر وبابل والهند وفارس وبلاد العرب؛ لأنها لم تخرج للعالم قيما دينية تلقاها منها، وهي باصطلاح التجارة تحسب من الأمم المستنفدة في مسائل الديانات؛ لأنها أخذت من الخارج قديما وحديثا عقائد البوذية والمجوسية والإسلام والمسيحية ولم تعط أمة عقيدتها، مع استثناء اليابان التي أخذت عنها نحلة كنفشيوس.
وأهل الصين لا يخوضون كثيرا في مباحث ما وراء الطبيعة، ويوشك أن يكون التدين بينهم ضربا من أصول المعاملة وأدب البيت والحضارة.
فأشيع العبادات بينهم عبادة الأسلاف والأبطال، وأرواح أسلافهم مقدمة بالرعاية على جملة الأرواح التي يعبدونها ويمثلون بها عناصر الطبيعة أو مطالب المعيشة، ولا يقدر الصيني قربانا هو أغلى في قيمته وأحب إلى نفسه من قربانه إلى روح سلفه المعبود، وهو يحتوي الأغذية والأشربة والأكسية والطيوب، ومنهم من يحرق ورق النقد هبة للروح التي يعتقدون أنها تحتاج إلى كل شيء كانت تحتاج إليه وهي في عالم الأجساد.
والخير والشر عندهم هو ما يرضي الأسلاف أو يسخطهم من أعمال أبنائهم.
فما أرضى السلف فهو خير وما أسخطهم فهو شر، وقد يختارون فردا من أفراد الأسرة ينوب عن جده المعبود فيطعمونه ويكسونه ويزدلفون إليه ويحسبون أن روح الجد هي التي تتقبل هذه القرابين في شخص ذلك الحفيد.
وتتمشى عبادة العناصر الطبيعية جنبا إلى جنب مع عبادة الأسلاف والأبطال، فالسماء والشمس والقمر والكواكب والسحب والرياح آلهة معبودة أكبرها إله السماء «شانج تي» ويليه إله الشمس فبقية الأجرام السماوية فالعناصر الأرضية.
وهم يتقربون إلى «شانج تي» بالذبائح ويبلغونه صلواتهم بإشعال النار على قمم الجبال، فيعلم الإله - مما أودعه الكاهن دواخينها - فحوى الرسالة التي يرفعها إليه عباده، ولا يحسنون الترجمة عنها كما يحسنها الكهان.
Page inconnue