Allah, l'Univers et l'Homme : Regards sur l'histoire des idées religieuses
الله والكون والإنسان: نظرات في تاريخ الافكار الدينية
Genres
بالطبع، ولكنها مع ذلك وضعت الصيغة الكلاسيكية لميثولوجيا التكوين في العقائد الإبراهيمية بعد أن أدخلت عليها الأسفار غير القانونية فكرة الشيطان؛ ففي البدء لم يكن سوى الماء وروح الرب يرف فوقه، ثم قرر الرب خلق العالم ونفذ ذلك في ستة أيام؛ ففي اليوم الأول خلق النور الذي شق الظلمة المتكاثفة فوق مياه الغمر البدئية، وسمى النور نهارا وسمى الظلمة ليلا، وفي اليوم الثاني خلق قبة السماء، وفي اليوم الثالث أظهر اليابسة وميزها عن البحار وبث فيها الحياة النباتية، وفي اليوم الرابع خلق الأجرام السماوية، وفي اليوم الخامس خلق الكائنات الحية وطيور الجو، وفي اليوم السادس خلق حيوانات الأرض، ثم أخذ حفنة من تراب الأرض وجبلها وصنع منها آدم الإنسان الأول، ونفخ في أنفه نسمة الحياة. وفي اليوم السابع استراح من كل عمله الذي عمل. بعد ذلك غرس الرب جنة في عدن شرقا، ووضع فيها آدم ليعملها ويحفظها، وأوصاه قائلا: من جميع شجر الجنة تأكل، وأما من شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها. بعد ذلك أحضر الرب إلى آدم كل الحيوانات البرية وطيور السماء ليرى ماذا يدعوها، فراح آدم يطلق الأسماء على كل فصيلة حيوانية اسمها، وكل ما دعا به آدم ذات نفس صار اسمها. وقال الرب ليس جيدا أن يكون آدم وحده، فأوقع عليه سباتا فنام، وأخذ واحدة من أضلاعه وملأ مكانها لحما وبنى الضلع امرأة وأحضرها إلى آدم لتكون رفيقة له. ثم إن الحية التي يصفها النص بأنها أحيل من حيوانات البرية جميعها تسللت إلى الجنة وأغوت المرأة حواء بالأكل من شجرة المعرفة فأكلت، ثم أعطت رجلها فأكل أيضا. وعندما عرف الرب بخطيئة آدم وحواء لعن الحية، ولعن الأرض التي صنع منها الإنسان قائلا لآدم: ملعونة الأرض بسببك، بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك حتى تعود إلى الأرض التي أخذت منها؛ لأنك من تراب وإلى تراب تعود. وقال للمرأة: تكثيرا أكثر أتعاب حبلك، بالوجع تلدين أولادا، وإلى رجلك يكون اشتياقك وهو يسود عليك، ثم طرد الرب الإنسان من جنة عدن ليعمل في الأرض التي أخذ منها. هذه هي الخطوط العامة لأسطورة التكوين التوراتية. (س):
إن غياب الشيطان عن الميثولوجيا يعني غياب فكرة صراع الخير والشر الذي يدفع عجلة التاريخ الدينامي إلى نهايته في اليوم الأخير. وفي هذه الحالة كيف ينتهي التاريخ في الأيديولوجيا التوراتية؟ (ج):
مسيرة التاريخ في الرواية التوراتية ليست مدفوعة بالصراع بين الخير والشر ، وهاجس هذه المسيرة هو العلاقة بين يهوه وشعبه الذي اختاره لنفسه من بين شعوب الأرض جميعها. وسوف يكون هناك نهاية للتاريخ، ولكن هذه النهاية لا تأتي معها بتنقية العالم من آثار الشر، وإنما بحرب شاملة يشنها يهوه على أمم الأرض جميعها في يوم الرب أو اليوم الأخير كما يدعى في النص، وبعد ذلك يجمع إليه المنفيين والمسبيين من يهوذا وإسرائيل، ويقيم مملكة الرب على الأرض، وهي مملكة يحكمها يهوه بشكل مباشر. أما من بقي حيا من الأمم فيسيرون إلى هذه المملكة لكي يمتلكهم بنو إسرائيل عبيدا يخدمونهم. ومن الجدير بالذكر أن اليوم الأخير هذا لا يأتي معه بقيامة عامة للموتى ولا حساب ولا ثواب ولا عقاب. ولعل المقاطع الآتية من النص التوراتي تكفي لإيضاح ما قلت: «اقتربوا أيها الأمم لتسمعوا، ويا أيها الشعوب أصغوا، لتسمع الأرض وملؤها، المسكونة وكل ما تخرجه؛ لأن للرب سخطا على كل الأمم وحموا على جيشهم، قد حرمهم، دفعهم للذبح فقتلاهم تطرح وجيفهم تصعد نتانتها وتسيل الجبال بدمائهم» (إشعيا، 34: 1-5). «ويكون في ذلك اليوم أن الرب يعيد يده ثانية ليقتني بقية شعبه التي بقيت من آشور ومن مصر ومن كوش ... (إلخ)، ويجمع منفيي إسرائيل ويضم مشتتي يهوذا من أربعة أطراف الأرض ... ويريحهم في أرضهم ... فتقترن بهم الغرباء ... ويمتلكهم بيت إسرائيل في أرض الرب عبيدا وإماء ويسبون الذين سبوهم ويتسلطون على ظالميهم» (إشعيا، 11: 11-12 و14: 1-2). «قومي استنيري (يا أورشليم) لأنه قد جاء نورك ومجد الرب أشرق عليك ... تسير الأمم والملوك في إشراقك ... وبنو الذين قهروك يسيرون إليك خاضعين، وكل الذين أهانوك يسجدون لدى باطن قدميك» (إشعيا، 27: 13 و60: 1-3 و14). «ما أجمل قدمي المبشر على الجبال، المخبر بالخلاص، القاتل لصهيون! قد ملك إلهك» (إشعيا، 52: 7). «الرب قد ملك فلتبتهج الأرض ... قدامه تذهب نار وتحرق أعداءه حوله» (المزمور، 97: 1-2).
إن أفضل ما توصف به الأيديولوجيا التوراتية هو أنها تاريخ دينامي منقوص من حيث أدواته ومن حيث غاياته؛ ذلك أن حركة التاريخ لا يدفعها الصراع بين الخير والشر، وهي لا تسعى إلى غاية نبيلة تتحقق في آخر الزمن. (س):
ولكن كتاب التوراة ليس المصدر الوحيد للديانة اليهودية كما قلت منذ قليل ؛ فهناك التلمود وهناك الأسفار غير الرسمية، فهل ساعد هذا المصدران على إدخال لاهوت الشيطان وما يتصل به من نهاية نبيلة للتاريخ كما دعوتها؟ (ج):
في أواسط القرن الثاني قبل الميلاد تم تدوين سفر دانيال، وهو آخر الأسفار التي قبلت في النص القانوني للتوراة. إلا أن اختتام الأسفار التوراتية على المستوى الرسمي لم يكن حائلا دون استمرار المفكرين بإنتاج فكر ديني يتجاوز الموروث التقليدي، وتفسيره بما يتلاءم ومستجدات العصر. وقد استخدم هؤلاء أسلوب الأسفار النبوية والرؤيوية التوراتية، ووضعوا خطابهم على لسان شخصيات توراتية بارزة من أجل إسباغ سطوة الماضي على أفكارهم. وقد استمرت هذه الحركة حتى نهاية القرن الثاني الميلادي، وأنتجت كما ضخما من الأدب الديني الذي كان له أثر على التلمود وأثر على الفكر المسيحي اللاحق. (س):
هل يمكننا القول بأن هذه الحركة أحدثت انقلابا في العقيدة التوراتية؟ (ج):
لنقل إنها أحدثت نقلة باتجاه مفهوم التوحيد وصفات الخير والعدالة عند الله دون أن تحقق أهدافها تماما. (س):
لا شك أنها بدأت برسم صورة للشيطان الكوني! (ج):
إن الانقلاب الذي أحدثته هذه الأسفار ينطلق من معالجتها لمشكلة وجود الشر في العالم؛ فالله ليس مسئولا عن الشر وإنما هو الشيطان. وقد قدم مؤلفو هذه الأسفار عدة أساطير تعاونت في النهاية على إنتاج الصيغة الكلاسيكية للاهوت الشيطان في العقائد الإبراهيمية.
Page inconnue