Allah, l'Univers et l'Homme : Regards sur l'histoire des idées religieuses
الله والكون والإنسان: نظرات في تاريخ الافكار الدينية
Genres
مرت الزرادشتية بمراحل تطورية خلال ألف سنة من وجودها، وهذا الانطباع الذي تشكل عنها بأنها عقيدة ثنوية جاء في المرحلة الأخيرة التي نطلق عليها اسم المجوسية. أما الزرادشتية الأصلية التي بشر بها زرادشت فهي عقيدة توحيدية صافية؛ ففي البدء لم يكن سوى الله الذي يدعوه زرادشت أهورا مزدا، وجود كامل وتام، وألوهية مكتفية بنفسها غنية عما عداها. ثم إن هذه الألوهة اختارت الخروج من كمونها وإظهار غيرها إلى الوجود، ففاض عنها روحان توءمان هما سبيتنا ماينيو وأنجرا ماينيو، ولكي يكون لهذين الكيانين وجود مستقل عن خالقهما فقد أعطاهما الله خصيصة الحرية، فاستخدم الاثنان هذه الحرية عندما اختار سبينتا ماينيو الخير ودعي بالروح القدس، واختار أنجرا ماينيو الشر ودعي بالروح الخبيث، وهكذا تم زرع المبدأ الأخلاقي في صميم الوجود؛ فكل ما في هذا الوجود الجديد حر وأخلاقي في آن معا. وعلى الرغم من أن الله كان قادرا على سحق أنجرا ماينيو والقضاء على الشر في مهده، إلا أنه قرر عدم التناقض مع نفسه بالقضاء على مبدأ الحرية الذي أقره وأقام عليه خليقته، ووضع خطة لمقاومة الشر استنادا إلى المبدأ ذاته الذي أنتجه وهو الحرية.
وهكذا فقد تابع أهورا مزدا خلق العالم الروحاني، وأظهر إلى الوجود ستة كائنات نورانية من نوره السني، مثل من يشعل شمعة من جذوة نار، فشكل هؤلاء بطانته الخاصة التي تحيط به على الدوام وتعكس مجده، وقد دعي هؤلاء بالأميشا سبينتا أي المقدسون الخالدون. وقد شارك هؤلاء الخالق فيما تلا من عمليات الخلق والتكوين وصاروا حافظين لخلق الله ووسطاء بينه وبين العالم. وفيما بعد سوف ينزل واحد منهم ويبلغ زرادشت رسالة أهورا مزدا إلى البشرية ويأمره بالتبشير بدين الحق. ثم إن هؤلاء الأميشا سبينتا أظهروا للوجود حشدا من الملائكة الطيبين الذين دعوا بالأهورا، وراح الجميع يتهيأ لمقاومة قوى الشر. وبالمقابل فإن الشيطان أنجرا ماينيو استنهض حشدا من القوى الروحانية المدعوة بالديفا وعمل على تضليلهم، فانحازوا إليه وساروا في ركابه. وعلى الرغم من أن الصراع بين قوى النور وقوى الظلام سوف يستعر عقب خلق الكون المادي، إلا أن أهورا مزدا لن يكون طرفا مباشرا في هذا الصراع على ما آلت إليه الأمور في العقيدة المجوسية المتأخرة.
ثم إن أهورا مزدا خلق العالم على ست مراحل تقابل الأيام الستة التي خلق الله فيها العالم في العقائد الإبراهيمية؛ فقد خلق السماوات أولا، ثم الماء، ثم الأرض، ثم النبات، ثم الحيوان، وأخيرا خلق الإنسان الأول. وقد قسم الأرض إلى سبعة أقاليم كلها أراض سهلية لا التواء فيها ولا مرتفعات، وصنع بحرا في جهتها الجنوبية، ومن البحر فجر نبعين عذبين شكلا نهرين كبيرين راحا يجريان على الجهة الشرقية والجهة الغربية من الإقليم المسكون في الأرض، وزرع في البحر شجرتين الأولى تدعى بشجرة كل البذور تحتوي على بذور النباتات المعروفة كلها، والثانية تدعى بشجرة الشفاء والحياة الأبدية، وبذلك تنتهي مرحلة الخلق الحسن والكامل، وقد بقي العالم على كماله مدة كان الشيطان خلالها نائما. (س):
في قصة التكوين التوراتية هناك شجرة في الجنة تسمى شجرة الحياة. أليس كذلك؟ (ج ):
تتفق قصة الخلق المسيحية-اليهودية في سفر التكوين مع قصة الخلق الزرادشتية في ترتيب ظهور معالم الكون، وفي عنصرين آخرين هما عنصر النهرين وعنصر الشجرتين ولكن مع بعض التعديل؛ ففي سفر التكوين وبعد أن انتهى الله من آخر فعاليات الخلق وهو خلق الإنسان الأول آدم، زرع جنة في مكان يدعوه النص شرقي عدن (عدن شرقا)، وكان نهر يخرج من عدن ليسقي الجنة ثم ينقسم ليصير أربعة فروع، وفي وسط الجنة زرع شجرتين؛ الأولى تدعى شجرة الحياة، والثانية تدعى شجرة معرفة الخير والشر. (س):
كيف انتقلت هذه التأثيرات الزرادشتية إلى كتاب التوراة أو العهد القديم كما يدعى في المسيحية؟ (ج):
بعد أن دمر الملك البابلي نبوخذ نصر مدينة أورشليم وسبى نخبة من سكان مملكة يهوذا، أسكنهم في مدينة بابل وما حولها، ولكن بابل سقطت بعد خمسين سنة بيد الفرس عام 539ق.م. واحتكت الثقافة البابلية مع الثقافة الفارسية الزرادشتية. وكان لدى مثقفي يهوذا من كتبة وكهنة فرصة للاحتكاك بالثقافة الفارسية والاطلاع على الزرادشتية، وكانوا في ذلك الوقت قد شرعوا في تدوين الأسفار التوراتية المبكرة. (س):
هل من المناسب أن نستخدم لفظ الجلالة «الله» في الإشارة إلى الإله التوراتي كما فعلت منذ قليل، على الرغم من افتقار العقيدة التوراتية إلى التوحيد الصافي الذي يسوغ لنا مثل هذا الاستخدام؟ (ج):
من حيث المبدأ أنا لا أفضل ذلك، ولكن مشروعية هذا الاستخدام تأتي من أن القرآن الكريم يخبرنا بأن الله كان إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب، وهم أنبياء ما قبل اليهودية، وكان إله موسى نبي اليهودية ومن جاء بعده؛ مثل أليشع وإلياس ويونس. (س):
حسنا، عندما قام أهورا مزدا بفعاليات الخلق كان الشيطان نائما، فمتى أفاق؟ (ج):
Page inconnue