Allah, l'Univers et l'Homme : Regards sur l'histoire des idées religieuses
الله والكون والإنسان: نظرات في تاريخ الافكار الدينية
Genres
إذا كان للإنسان بعد ذلك أن يباشر بنفسه أي عمل إبداعي مهم، فإن الآلهة هي التي تأخذ بيده وترشده إلى كيفية تحقيقه؛ فالملك السومري غوديا بنى في مدينته لجش معبدا وفق تصميم أطلعته عليه الإلهة نيدابا في الحلم، والملك الآشوري بنى مدينة نينوى وفق هيئة مرسومة في القبة السماوية منذ الأزمنة الأولى، والملك داود تلقى من الرب تصميم هيكل أورشليم (سفر أخبار الأيام الأول)، وعلى هذا التصميم اعتمد ابنه سليمان في تنفيذ المشروع. يضاف إلى ذلك أن الآلهة السومرية كانت تحتفظ بمجموعة من الألواح الفخارية أو الرقم تدعى مي/
Me
دونت عليها نواميس الحضارة، وهذه النواميس عبارة عن النماذج السماوية التي تجعل كل إنجاز حضاري على الأرض ممكنا. وقد كانت هذه الألواح موجودة في حوزة إنكي إله مدينة إيريدو، أول مكان متحضر في سومر، وعندما أرادت إنانا إلهة مدينة أوروك أن تنقل تقاليد الحضارة إلى مدينتها سافرت إلى إيريدو حيث استقبلها إنكي وصنع لها وليمة وراح الاثنان يشربان البيرة، وعندما لعبت الخمرة برأس إنكي راحت إنانا تطلب منه إعطاءها نواميس الحضارة واحدا بعد آخر وهو يلبي لها ما تطلب، إلى أن حازتها جميعا وسافرت بها إلى أوروك، قبل أن يصحو إنكي من سكرته. ومن هذه النواميس وعددها أربعون نذكر الآتية: الكهنوت الأعلى، التاج النبيل، الملوكية، قضيب وحبل قياس المسافة، الخنجر والسيف، فن الجيش، أدوات الموسيقى، الغناء، بيوت السكن، حرفة الخشب، حرفة النحاس. (س):
إن هذا المصدر السماوي لكل إبداع يذكرني بأننا ما زلنا ننسب كل فكرة إبداعية إلى إلهام خارجي. (ج):
ولهذا كان الإغريق ينسبون كل إبداع أدبي أو فني يصدر عن الإنسان إلى ربات الفنون والموسيقى اللواتي كن يلهمن الشعراء والرسامين والنحاتين، وكان العرب أيضا ينسبون كل إبداع شعري إلى جنيات وادي عبقر اللواتي كن يلهمن الشعراء، ومن هنا جاء تعبير العبقري الذي يدل على الشخص الفائق للإبداع والمتواصل مع منبع الحكمة الخفي. هذه الحكمة أوجدها الله قبل أن يكون هناك سماء وأرض وكانت له بمثابة وسيط للخلق، على ما نقرأ في كتاب التوراة: «ومنذ ذلك الحين هي موجودة في حضرته واقفة قدامه» (سفر الأمثال: 8). والله يمن بالحكمة على من يشاء؛ ولذلك عندما قال للملك سليمان أن يطلب منه شيئا لم يطلب سليمان إلا أن يعطيه ربه الحكمة: «ففاقت حكمة سليمان حكمة جميع بني المشرق وكل حكمة مصر» على حد تعبير سفر الملوك الأول (3). وفي القرآن الكريم نجد أن الحكمة هي هبة من عند الله يزود بها أنبياءه والصالحين من عباده:
وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء (البقرة: 251). وأيضا:
وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم (النساء: 113). وأيضا:
ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة (الإسراء: 39). وهذه الحكمة التي تلقاها الرسول سوف ينقلها بدوره إلى الناس:
كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون (البقرة: 151). (س):
هذا التركيز على التاريخ المقدس هل جعل الإنسان القديم بدون ذاكرة دنيوية من أي نوع؟ (ج):
Page inconnue