Allah, l'Univers et l'Homme : Regards sur l'histoire des idées religieuses
الله والكون والإنسان: نظرات في تاريخ الافكار الدينية
Genres
حسنا، لقد وصفنا النص الأسطوري، ولكن دعنا نتحدث عن آليات عمله وأبرز وظائفه. (ج):
تعمل الأسطورة على اختزال تجربتنا مع العالم الموضوعي، ثم إعادة تقديمه إلى الوعي بعد أن تم تفسيره وترتيبه. وفي الحقيقة فإن كلا من الفلسفة والعلم يقوم بالمهمة ذاتها، ولكن بينما يلجأ هذان إلى العقل التحليلي الذي يجزئ العالم ثم يعيد تركيبه من أجل فهمه، معتمدا في ذلك على البرهان العقلي بالنسبة للفلسفة، والبرهان التجريبي بالنسبة للعلم؛ فإن الأسطورة تضع الإنسان بكليته في مواجهة العالم وبجميع ملكاته العقلية والحدسية، الشعورية واللاشعورية، وتستخدم كل المجازات الممكنة من أجل صياغة رؤية متكاملة لهذا العالم ذات طابع كلاني يعادل تجربة الإنسان الكلانية وغير المتجزئة معه. (س):
أعتقد أنني بدأت لا أفهم! (ج):
حسنا، إن كلا من العلم والفلسفة والأسطورة يستجيب على طريقته لمطلب النظام؛ أي لمطلب أن يعيش الإنسان ضمن عالم مفهوم ومرتب، وأن يتغلب على حالة الفوضى الخارجية التي تتبدى للوعي في مواجهته مع الطبيعة؛ فالفلسفة تنتج نظاما من المفاهيم التجريدية المترابطة يدعي تفسير العالم، والعلم بدوره ينتج نظاما من المبادئ والقوانين التي يعتمد بعضها على بعض، وتنتهي بترميز العالم في بنى رياضية. وفي مقابل هرم نظام المفاهيم الفلسفية وهرم نظام القوانين الرياضية، فإن الأسطورة تعتمد من جانبها على خلق نظام قوامه الآلهة والقوى الماورائية التي يعتمد بعضها على بعض في هرمية للأسباب والنتائج؛ فهي تؤنسن الكون حين تبث فيه عنصر الإرادات الإلهية الفاعلة، وترى في كل ظاهرة موضوعية نتاجا لإرادة ما؛ أي إنها تصنع صورة لكون حي لا يقوم على ميكانيكيات متبادلة التأثير، بل على إرادات وعواطف تتبدى في شكل حركي. وهي في سعيها لخلق هذه الصورة تعتمد على خزان لا ينضب معينه من وسائل الترميز، وتفتح البوابات بين الوعي واللاوعي؛ ولذلك فإن متلقي الأسطورة لا يشعر بأنه أضاف إلى معارفه شيئا جديدا، وإنما غدا أكثر توافقا مع نفسه ومع العالم؛ لأن ما تنقله الأسطورة من معان لا يشبه الوقائع والمعلومات، إنه إيحاء لا إملاء وإشارات لا تعليم وتلقين. وهي في سعيها هذا تلجأ إلى استخدام الظلال السحرية للكلمات أكثر من مدلولاتها المباشرة. (س):
فيما يتعلق بهذه الخصيصة الأخيرة، أرى أن الأسطورة تقف إلى جانب الشعر! (ج):
وأكثر من ذلك؛ فالشعر هو وليد الأسطورة، وقد شق لنفسه طريقا مستقلة بعد أن أتقن عن الأسطورة ذلك التناوب بين التصريح والتلميح، وبين الدلالة والإشارة، وبعد أن تعلم منها كيف يمكن للغة السحرية أن تقول من دون أن تقول، وأن تشبعك بالمعنى دون أن تقدم لك معنى دقيقا ومحددا، وذلك من خلال رسالة كلانية غير تفصيلية؛ ولهذا السبب يرى أفلاطون في كتابه «الجمهورية» ضرورة استبعاد الشعراء من المدينة الفاضلة؛ لأن السماح بالشعر يعني إفساح المجال وفتح الطريق أمام الأسطورة. (س):
دعنا الآن نختبر معاييرك التي وضعتها من أجل التعرف على النص الأسطوري. إلى أي حد تنطبق تلك المعايير على أسطورة مثل أسطورة أوديب اليونانية المعروفة على نطاق واسع بسبب ما أعطتها مدرسة التحليل النفسي من تفسيرات؟ وما هي الفكرة الدينية الكامنة وراءها؟ (ج):
على الرغم من أن أسطورة أوديب تنتمي إلى الموروث الثقافي اليوناني، إلا أنها تقوم على فكرة دينية موجودة في الثقافة اليونانية وفي أكثر من منظومة دينية، وهي فكرة القضاء والقدر؛ فأوديب كان محكوما عليه بأن يقتل أباه ويتزوج من أمه، وعندما علم بهذا القدر حاول الهرب منه دون جدوى إلى أن قتل أباه وهو لا يعرفه، وتزوج من أمه وهو لا يعرف أنها أمه.
وفكرة القضاء والقدر موجودة في الإسلام أيضا، وهي من أركان الإيمان؛ حيث على المسلم أن يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر خيره وشره من الله تعالى. وفي القرآن الكريم أكثر من آية في موضوع القدر ومنها:
قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا (التوبة: 51). و:
Page inconnue