Allah, l'Univers et l'Homme : Regards sur l'histoire des idées religieuses
الله والكون والإنسان: نظرات في تاريخ الافكار الدينية
Genres
هذا صحيح؛ لأن مهمتي هي مساعدتك على تكوين رأيك، وليس عرض آرائي. أنا لا أفكر بالنيابة عن أحد؛ لأني بذلك أحرمه من مسئولية التفكير. (س):
نعود إلى نظريتك في أسبقية مفهوم القوة، أو القوة السارية كما تسميها على مفهوم الآلهة، وأقول إنك بإسباغك الصفة الدينية على معتقد القوة السارية تعارض مرة أخرى النظرة السائدة إلى تاريخ الأفكار بمراحله الأربعة وهي السحر فالدين فالفلسفة فالعلم. أليس كذلك؟ (ج):
هذا صحيح، ولكن لكي أبين اختلافي مع أصحاب هذه النظرة دعني أتحدث باختصار عن منشئها؛ فهي تبدأ من فرضية الفيلسوف الألماني هيجل بأن عصرا ساد فيه السحر قد سبق عصر الدين في تاريخ الحضارة. وبعد ذلك قام رائد الأنثروبولوجيا النظرية البريطاني جيمس فريزر في كتابه «الغصن الذهبي» الذائع الصيت في الثقافة الغربية، وبتأثير من هيجل بصياغة نظريته في أصل الدين وعلاقته بالسحر. وفي هذا الكتاب يفترض فريزر أنه في البداية مر على الإنسان عصر ظن فيه أن بمقدوره التحكم في سير عمليات الطبيعة بواسطة تعاويذه وطقوسه السحرية، وعندما اكتشف بعد فترة طويلة عقم هذه الوسائل وقصورها عن تحقيق غاياتها، تصور بأن الطبيعة التي تأبت على الانصياع له واقعة تحت تأثير شخصيات روحانية فائقة القدرة، فتحول إلى هذه الشخصيات وراح يتعبد لها، وحلت الصلوات والتضرعات محل الطقس السحري، وبذلك ظهر الدين الذي حل الكاهن فيه محل الساحر. (س):
وكيف يبين هذا طبيعة اختلافك مع النظرة السائدة التي تقول بالمراحل الأربعة التي مر بها تاريخ الأفكار؟ (ج ):
لقد أثر كتاب «الغصن الذهبي» الذي صدر في 12 مجلدا عام 1906م، ثم اختصره صاحبه بعد ذلك في مجلد واحد في 1000 صفحة، على أجيال من الباحثين الميدانيين الذين كانوا يبحثون عن الظاهرة الدينية في المجتمعات البدائية التي يعكفون على دراستها؛ فهؤلاء وبدافع تأثرهم بفريزر، لم يكونوا يرون دينا إلا عندما يرون طقوسا تتوسل إلى كائنات روحية ماورائية تتحكم في مظاهر الطبيعة، وفيما عدا ذلك فإن أي ظاهرة شبه دينية كانت تصنف في زمرة الممارسات السحرية. وقد أدى ذلك إلى ترسيخ الرأي القائل بأن الدين لم يظهر في تاريخ الحضارة إلا مع ظهور الآلهة المشخصة.
ولكني أرى أن ما يدعوه هؤلاء بالسحر ليس إلا شكلا أوليا من أشكال الدين؛ فعندما آمن إنسان العصور الحجرية بوجود تلك القوة الغامضة التي هي أقرب إلى الطاقة منها إلى الشخصية العاقلة، دخل معها في علاقة معقدة من خلال نوعين من الطقوس السحرية؛ الأول يهدف إلى رد أذاها عنه، والثاني يهدف إلى توجيهها لصالحه. وهنا فأنا لا أرى فرقا بين الإيحاء لقوة قدسية حيادية من حيث المبدأ بإحداث النتائج المرجوة، وبين استجداء كائن إلهي عاقل ومشخص من أجل إحداث النتائج ذاتها. والفارق هنا كما ترى هو فارق في الشكل لا في المضمون. كما أني لا أرى لماذا يكون الاعتقاد بوجود قوة غفلة سارية في الموجودات اعتقادا بالخرافات والترهات وفق تصنيف أولئك، بينما يكون الاعتقاد بالآلهة المشخصة (التي هي ليست سوى نسخة محسنة عن البشر) اعتقادا حضاريا راقيا. (س):
هل نفهم من ذلك أنك لا تعتقد بوجود أديان بدائية متخلفة وأخرى عليا متطورة؟ (ج):
هذا صحيح؛ لأن القديم ليس بالضرورة هو الأدنى، كما أن الحديث ليس بالضرورة هو الأعلى. وهذا الحكم يتجاوز الظاهرة الدينية إلى بقية نواحي الثقافة في المجتمعات القديمة التي عاشت في بداية أطوار الحضارة الإنسانية، ومثلها أيضا «المجتمعات البدائية» التي عاشت على هامش خط التطور الرئيسي للحضارة الإنسانية وصولا إلى العصور الحديثة، والتي أعتبرها استمرارا لمجتمعات العصور الحجرية. (س):
هل نعتبر كلامك هذا بمثابة الدعوة لإعادة النظر في مفهوم «البدائية»؟ (ج):
نعم، وهذا ما فعله قبلي العديد من الباحثين الذين حاولوا نحت مصطلحات جديدة لوصف المجتمعات البدائية فقالوا «المجتمعات التقليدية» أو «المجتمعات اللاكتابية». (س):
Page inconnue